الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ أَتَى حَدًّا فِى الْغَزْوِ، لَمْ يُسْتَوْفَ مِنْهُ في أرضِ الْعَدُوِّ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى دَارِ الإِسْلَامِ، فَيُقَامَ عَلَيْهِ.
ــ
4397 - مسألة: (وإن أتَى حَدًّا في الغَزْوِ، لم يُسْتَوْفَ منه في أرضِ العَدُوِّ حتى يَرْجِعَ إلى دارِ الإِسلامِ، فيُقامَ عليه)
وجُمْلَةُ ذلك، أنَّ مَن أتَى حَدًّا مِن الغُزاةِ، أو ما يُوجبُ قِصاصًا، في أرضِ الحَرْبِ، لم يُقَمْ عليه حتى يَقْفُلَ، فيُقامَ عليه حَدُّه. وبهذا قال الأوْزَاعِىُّ، وإسْحاقُ. وقال
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مالكٌ، والشافعىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ: يُقامُ الحَدُّ في كلِّ مَوْضِعٍ؛ لأنُّ أمْرَ اللَّهِ تعالى بإقامَتِه مُطْلَقٌ في كلِّ مكانٍ وزمانٍ. إلَّا أنَّ الشافعىَّ قال: إذا لم يَكُنْ أميرُ الجيشِ الإِمامَ، أو أميرَ إقْليمٍ، فليس له إقامَتُه، ويُؤَخَّرُ حتى يأْتىَ الإِمامَ؛ لأَنَّ إقامةَ الحُدُودِ إليه، وكذلك إن كان بالمسلمين حاجَةٌ إلى المَحْدُودِ، أو قُوَّةٌ به، أو شُغْلٌ عنه، أُخِّرَ. وقال أبو حنيفةَ: لا حَدَّ ولا قِصاصَ في دارِ الحَرْب، ولا إذا رَجع. ولَنا، على وُجُوبِ الحَدِّ، أمْرُ اللَّهِ تعالى ورسولِه صلى الله عليه وسلم به، وعلى تَأْخيرِه، ما روَى بُسْرُ بنُ أبى (1) أرْطاةَ، أنَّه أُتِى برجلٍ في الغَزاةِ قد سَرَق بُخْتِيَّةً (2)، فقال: لولا أنِّى سَمِعْتُ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «لا تُقْطَعُ الأيدِى في الْغَزَاةِ» . لقَطَعْتُكَ. أخْرَجَه أبو داودَ وغيرُه (3). ولأنَّه إجْماعُ الصَّحابةِ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم، فروَى سعيدٌ (4) بإسْنادِه عن الأحْوَصِ بنِ حَكيمٍ، عن أبِيه، أنَّ
(1) في ص: «بن أرطاة» . وهو بسر بن أرطاة، ويقال: أبى أرطاة عمير بن عويمر القرشى، مختلف في صحبته. توفى سنة 86 هـ. تهذيب التهذيب 1/ 435، 436.
(2)
أخرجه أبو داود، في: باب الرجل يسرق في الغزو، أيقطع؟، من كتاب الحدود. سنن أبى داود 2/ 453. والترمذى، في: باب ما جاء أنه لا تقطع الأيدى في الغزو، من أبواب الحدود. عارضة الأحوذى 6/ 231. والدارمى، في: باب في أن لا يقطع الأيدى في الغزو، سنن الدارمى 2/ 231.
(3)
في: باب كراهية إقامة الحدود في أرض العدو، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 196.
(4)
كما أخرجه ابن أبى شيبة، في: باب إقامة الحد على الرجل في أرض العدو، من كتاب الحدود. المصنف 10/ 102، 103.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عمرَ كَتَب إلى النَّاسِ، أن لا يَجْلِدَنَّ أمِيرُ جَيْشٍ ولا سَرِيَّةٍ ولا رجلًا مِن المسلمين حَدًّا، وهو غازٍ، حتى يَقْطَعَ الدَّرْبَ قافِلًا؛ لِئَلَّا تَلْحَقَه حَمِيَّةُ الشَّيْطانِ، فيَلْحَقَ بالكُفَّارِ. وعن أبى الدَّرْداءِ مثلُ ذلك (1). وعن علْقَمَةَ، قال: كنَّا في جيش في أرضِ الرُّومِ، ومعنا حُذَيْفَةُ بنُ اليَمَانِ، [وعلى القومِ](2) الوليدُ بنُ عُقْبَةَ، فشَرِبَ الخمرَ، فأرَدْنا أن نَحُدَّه، فقال حُذَيْفَةُ: أتَحُدُّونَ أمِيرَكم وقد دَنَوْتُمْ مِن عَدُوِّكم، فيَطْمَعُوا فيكم (3)؟ وأُتِى سعدٌ بأبى مِحْجَنٍ يومَ القادِسِيَّةِ، وقد شَرِب الخمرَ، فأمَرَ به إلى القَيْدِ، فلمّا الْتَقَى الناسُ قال أبو مِحْجَنٍ:
كَفَى حَزَنًا أَنْ تُطْرَدَ الخيلُ بِالْقَنا
…
وأُتْرَكَ مَشْدُودًا عَلَىَّ وَثَاقِيَا (4)
وقال لابْنَةِ خَصَفَةَ (5) امْرأةِ سعدٍ: أطْلِقِينى، ولَكِ اللَّهُ علَىَّ إن سَلَّمَنِى اللَّهُ
(1) أخرجه سعيد، في: سننه 2/ 196. وابن أبى شيبة، في: المصنف 10/ 103.
(2)
في الأصل: «على و» ، وفى م:«وعلينا» .
(3)
أخرجه سعيد، في: الباب السابق، السنن 2/ 197. وعبد الرزاق، في: الباب السابق. المصنف 5/ 198.
(4)
البيت في: طبقات فحول الشعراء 1/ 268، والشعر والشعراء 1/ 423.
(5)
في الأصل، تش، ص، م، والإصابة 7/ 705:«حفصة» . وفى سنن سعيد: «حصفة» . والمثبت، في ق، وطبقات ابن سعد 3/ 138، 5/ 168، 169، ومصنف ابن أبى شيبة، وتاريخ الطبرى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أن أرْجِعَ حتى أضَعَ رِجْلِى في القيدِ، وإن قُتِلْتُ، اسْتَرَحْتُم منِّى. قال: فحَلَّتْه حينَ (1) الْتَقَى الناسُ، وكانتْ بسعدٍ جِراحَةٌ، فلم يَخرُجْ يومَئِذٍ إلى الناسِ، قال: وصَعِدُوا به فوقَ العُذَيْبِ (2) يَنْظُرُ إلى الناسِ، واسْتَعْمَلَ على الخيلِ خالدَ بنَ عُرْفُطَةَ، فوَثَبَ أبو مِحْجَنٍ على فَرسٍ لسعدٍ يُقالُ لها البَلْقَاءُ، ثم أخَذ رُمْحًا، فجعَلَ لا يَحْمِلُ على ناحِيَةٍ مِن العَدُوِّ إلَّا هَزَمَهم، وجَعَل الناسُ يقُولُون: هذا مَلَكٌ؛ لِما يَرَوْنَه يَصْنَعُ، وجَعَل سعدٌ يقولُ:[الضَّبْرُ ضَبْرُ](3) البَلْقاءِ، والطَّعْنُ طَعْنُ أبى مِحْجَنٍ، وأبو مِحْجَنٍ في القَيْدِ. فلَمّا هُزِمَ العَدُوُّ، رَجَع أبو مِحْجَنٍ حتى وَضَع رِجْلَه في القَيْدِ، فأخْبَرَت ابنةُ خَصَفَةَ (4) سعدًا بما كان مِن أمْرِه، فقال سعدٌ: لا واللَّهِ لا أضْرِبُ اليومَ رَجلًا أبْلَى اللَّهُ المسلمين على يَدَيْه (5) ما أبْلاهُم. فَخَلَّى سَبيلَه. فقال أبو مِحْجَنٍ: قد كنتُ أشْرَبُها إذْ يُقامُ علىَّ الحَدُّ وأُطَهَّرُ منها، فأمَّا إذْ بَهْرَجْتَنِى (6)، فواللَّهِ لا أشْرَبُها أبدًا (7). وهذا اتِّفاقٌ لم يظْهَرْ
(1) في تش، م:«حتى» .
(2)
العذيب: ماء بين القادسية والمغيثة. معجم البلدان 3/ 626.
(3)
في م: «الصبر صبر» بالصاد المهملة.
والضبر، بالضاد المعجمة: أن يجمع الفرس قوائمه ويثب. النهاية لابن الأثير 3/ 72.
(4)
في الأصل، تش:«حفصة» ، وفى م:«حصفة» .
(5)
سقط من: الأصل.
(6)
بهرجتنى: أهْدَرْتَنى بإسقاط الحد عنى. النهاية لابن الأثير 1/ 166.
(7)
أخرجه سعيد، في: باب كراهية إقامة الحدود في أرض العدو، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 197، 198. وابن أبى شيبة، في: المصنف 12/ 560 - 562. وانظر القصة، في: تاريخ الطبرى 3/ 575، والاستيعاب 4/ 1746، 1747، والإصابة 7/ 361، 362.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
خِلافُه. فأمَّا إذا رَجَع، فإنَّه يُقامُ عليه الحَدُّ؛ لعُمُومِ الآياتِ والأخْبارِ، وإنَّما أُخِّرَ لعارِضٍ، كما يُؤَخَّرُ لمَرَضٍ أو شُغْل، فإذا زال العارِضُ، أُقِيمَ الحَدُّ، لوُجودِ مُقْتَضِيه، وانْتِفاءِ مُعارِضِه، ولهذا قال عمرُ: حتى يقْطَعَ الدَّرْبَ قافِلًا.
فصل: وتُقامُ الحُدودُ في الثُّغورِ، بغيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه، لأنَّها مِن بلادِ الإِسْلامِ، والحاجَةُ داعِيَةٌ إلى زَجْرِ أهْلِها، كالحاجَةِ إلى زَجْرِ غيرِهم، وقد كَتَب عمرُ إلى أبى عُبَيْدَةَ، أن يَجْلِدَ مَن شَرِب الخمرَ ثمانين، وهو بالشَّامِ (1). وهو مِن الثُّغورِ.
(1) أخرجه البيهقى، في: باب من زعم لا تقام الحدود في أرض الحرب حتى يرجع، من كتاب السير. السنن الكبرى 9/ 105.