الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإِنْ كَانَ الزَّانِى رَقِيقًا، فَحَدُّهُ خَمْسُونَ جَلْدَةً بِكُلِّ حَالٍ، وَلَا يُغَرَّبُ.
ــ
4405 - مسألة: (وإن كان الزَّانِى رَقِيقًا، فحَدُّه خَمْسُونَ جَلْدَةً بكلِّ حالٍ، ولا يُغَرَّبُ)
حَدُّ العبدِ والأمَةِ خمْسون جَلْدَةً، بِكْرَيْن كانا أو وثَيِّبَيْن. في قولِ أكثرِ العُلَماءِ؛ منهم عمرُ، وعلىٌّ، وابنُ مسعودٍ، والحسنُ، والنَّخَعِىُّ، [ومالكٌ](1)، والأوْزاعِىُّ، وأبو حنيفةَ، والشافعىُّ، والبَتِّىُّ، والعَنْبَرِىُّ. وقال ابنُ عباسٍ، وأبو عُبَيْدٍ: إن كانا مُزَوَّجَيْن فعليهما نِصْفُ الحَدِّ، ولا حَدَّ على غيرِهما؛ لقولِ اللَّهِ تعالى:{فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (2). فيدُلُّ بخِطابِه على أنَّه لا حَدَّ على غيرِ المُحْصناتِ. وقال داودُ: على الأمَةِ نِصْفُ الحَدِّ إذا زَنَتْ بعدَ ما زُوِّجَتْ، وعلى العبدِ جَلْدُ مِائَةٍ بكُلِّ حالٍ. وفى الأمَةِ إذا لم تُزَوَّجْ رِوايتان؛ إحداهما، لا حَدَّ عليها. والأُخْرَى، تُجْلَدُ مِائَةً؛ لأَنَّ قولَ اللَّهِ تعالى:{فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (3). عام، خَرَجَتْ منْه الأمَةُ المُحْصَنَةُ بقولِه:{فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} . فيَبْقَى العبدُ والأمَةُ التى لم تُحْصَنْ على مُقْتَضَى العُمُومِ.
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سورة النساء 25.
(3)
سورة النور 2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويَحْتَمِلُ دَلِيلُ الأمَةِ (1) في الخِطابِ أن لا حَدَّ عليها، كقولِ ابنِ عباسٍ. وقال أبو ثَوْرٍ: إذا لم يخْصَنا بالتَّزْويجِ، فعليهِما نصفُ الحدِّ، وإن أُحْصِنَا فعليهما الرَّجْمُ؛ لعُمُومِ الأخْبارِ فيه، ولأنَّه حَدٌّ لا (2) يَتَبَعَّضُ، فوَجَب تَكْمِيلُه، كالقَطْعِ في السَّرِقَةِ. ولَنا، ما روَى ابنُ شِهابٍ، عن عُبَيْدِ اللَّهِ ابنِ عبدِ اللَّهِ، [عن أبى هُرَيْرَةَ](3) وزَيدِ بنِ حالدٍ (4)، قالوا: سُئِلَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن الأمَةِ إذا زَنَتْ ولم تُحْصَنْ، فقال:«إِذَا زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَت فَبِيعُوهَا ولَوْ بِضَفِيرٍ» . مُتَّفَقٌ عليه (5). قال ابنُ شِهابٍ: [لا أدْرِى أبعدَ الثالثةِ أو الرابعةِ](6). وهذا نَصٌّ جَلْدِ الأمَةِ إذا لم تُحْصَنْ، وهو حُجَّة على ابنِ عباسٍ ومُوافِقِيه وداودَ. وجَعْلُ داودَ عليها مِائَةً إذا لم تُحْصَنْ، وخمسين إذا كانت مُحْصَنةً، خِلافُ ما شَرَع اللَّهُ تعالى، فإنَّ اللَّهَ تعالى ضاعَفَ عُقوبَةَ المُحْصَنَةِ على غيرِها، فجَحَل الرَّجْمَ على المُحْصَنَةِ،
(1) في م: «الأمر» .
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
سقط من النسخ واستدركناه من مصادر التخريج.
(4)
بعده في الأصل، تش، ر 3، ق، ص:«وشِبْل» . وهذه الزيادة عند الترمذى وابن ماجه والإمام أحمد في: المسند 4/ 116.
وقال الترمذى: وهم فيه سفيان بن عيينة أدخل حديثا في حديث. . . وشبل بن خالد لم يدرك النبى صلى الله عليه وسلم إنما روى شبل عن عبد اللَّه بن مالك الأوسى عن النبى صلى الله عليه وسلم. انظر عارضة الأحوذى 6/ 208، 209. وانظر فتح الباري 12/ 137.
(5)
تقدم تخريجه في صفحة 173.
(6)
سقط من النسخ، والمثبت كما عند البخارى ومسلم والإمام مالك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والجَلْدَ على البِكْرِ، وداودُ ضاعَفَ عُقوبَةَ البِكْرِ على المُحْصَنَةِ، واتِّباعُ شَرْعِ اللَّهِ تعالى أوْلَى. وأمَّا دَليلُ الخِطابِ، فقد رُوِى عن ابنِ مسعودٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه قال: إحْصانُها إسْلامُها (1). وقَرَأَهَا بفَتْحِ الألفِ. ثم دليلُ الخِطابِ إنَّما يكونُ دَلِيلًا إذا لم يَكُنْ للتَّخْصِيصِ بالذِّكْرِ فائِدَةٌ سِوَى اخْتِصاصِه بالحُكْمِ، ومتى كانت له فائِدَةٌ أُخرَى (2)، لم يَكُنْ دليلًا، مثلَ أن يَخْرُجَ مَخْرَجَ الغالبِ، أو للتَّنْبِيهِ، أو لمَعْنًى مِن المعانِى، ولهذا قال اللَّهُ تعالى:{وَرَبَائِبُكُمُ الَّتِى فِي حُجُورِكُمْ} (3). ولم يَختَصَّ التَّحْرِيمُ باللَّائى في حُجُورِهم. ؤقال: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} (3). وحَرُمَ حلائلُ الأبناءِ مِن الرَّضاعَ، وأَبْناء الأبناءِ. وقال:{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (4). وأُبِيحَ القَصْرُ بدونِ الخَوْفِ. وأمَّا العَبْدُ فلا فَرْق بينَه وبينَ الأمَةِ، فالتَّنْصِيصُ على أحَدِهما يَثْبُتُ حُكْمُه في حَقِّ الآخَرِ، كما أنَّ قولَ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أعْتَقَ شِرْكًا له في عَبْدٍ» (5). ثَبَتَ حُكْمُه في حَقِّ الأمَةِ. ثم المَنْطُوقُ أوْلَى منه على كلِّ حالٍ. وأمَّا أبو ثَوْرٍ، فخالَفَ نَصَّ قولِه تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ
(1) أخرجه عبد الرزاق، في: المصنف 7/ 394. والبيهقى، في: السنن الكبرى 8/ 243. وابن جرير، في: تفسيره 5/ 22، 23.
(2)
سقط من: الأصل، تش.
(3)
سورة النساء 23.
(4)
سورة النساء 101.
(5)
تقدم تخريجه في 15/ 258.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}. وعَمِلَ به فيما لم يَتَناوَلْه النَّصُّ، وخَرَق الإِجْماعَ في إيجابِ الرَّجمِ على المُحْصَناتِ، كما خَرَق داودُ الإِجْماعَ في تَكْمِيلِ الجَلْدِ على العَبِيدِ (1)، وتَضْعيفِ حَدِّ الأبكارِ على المُحْصَناتِ.
فصل: ولا تَغْرِيبَ على عَبْدٍ ولا أمَةٍ. وبهذا قال الحسنُ، وحمادٌ، ومالكٌ، وإسحاقُ. وقال الثَّوْرِىُّ، وأبو ثَوْرٍ: يُغَرَّبُ نِصْفَ عام؛ لقولِه تعالى: {فَعَلَيهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} . وجَلَد [ابنُ عُمَرَ](2) مملوكًا له ونَفاهُ إلى فَدَكَ (3). وعن الشافعىِّ قَوْلان كالمذهَبَيْن (4). واحْتَجَّ مَن أوْجَبَه بعُمُومِ قولِه عليه السلام: «البِكْرُ بِالْبِكْرِ، جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَام» (5). ولَنا، الحديثُ المذكورُ في حُجَّتِنا، ولم يَذْكُرْ فيه تَغريبًا، ولو كان واجِبًا لذَكَرَه؛ لأنَّه لا يجوزُ تَأْخيرُ البَيانِ عن وَقْتِ الحاجَةِ، وحديثُ علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه قال: يا أَيُّها الناسُ، أَقِيمُوا على أرِقَّائِكُمُ الحَدَّ، مَن أحْصَن منهم (6)، ومَن لم يُحْصِنْ، فإنَّ أمَةً لرسولِ اللَّهِ ووفي زَنَتْ، فأمَرَنى أن أجْلِدَها. وذكرَ
(1) في الأصل، م:«العبد» .
(2)
في الأصل: «عمر» .
(3)
أخرجه عبد الرزاق، في: المصنف 7/ 317. وعنده: مملوكة له. وانظر: التلخيص 4/ 60.
(4)
سقط من: م.
(5)
تقدم تخريجه، في صفحة 236.
(6)
زيادة من: ص. وهى عند مسلم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحديثَ. رَواه أبو داودَ (1). ولم يَذْكُرْ أنَّه غَرَّبَها. وأمَّا الآيَةُ، فإنَّها حُجَّةٌ لنا؛ فإنَّ العَذابَ المذْكورَ في القُرْآنِ مِائَةُ جَلْدَةٍ لا غيرُ، فيَنْصَرِفُ التَّنْصِيفُ إليه دُونَ غيرِه، بدليلِ أنَّه لم يَنْصَرِفْ إلى (2) تَنْصِيفِ الرَّجمِ، ولأَنَّ التَّغْرِيبَ في حَقِّ العَبْدِ عُقُوبَةٌ لسَيِّدِه دونَه، فلم يَجِبْ في الزِّنى، كالتَّغْرِيمِ، ثم بَيانُ ذلك، أنَّ العَبْدَ لا ضَرَرَ عليه في تَغْرِيبِه؛ لأنَّه غَرِيبٌ في مَوْضِعِه، وَيَتَرَفَّهُ بتَغْرِيبِه مِن الخِدْمَةِ، ويَتَضَرَّرُ سَيِّدُه بتَفْوِيتِ خِدْمَتِه، والخَطَرِ بخُروجِه مِن تحتِ يَدِه، والكُلْفَةِ في حِفْظِه، والإِنْفاقِ عليه مع بُعْدِه عنه، فيَصيرُ الحَدُّ مَشْرُوعًا في حَقِّ غيرِ الزَّانِى، والضَّررُ على غيرِ الجانِى، وما فَعَل ابنُ عمرَ، ففى حقِّ نفسِه وإسْقاطِ حَقِّه، وله فِعْلُ ذلك مِن غيرِ زنى ولا جِنايَةٍ، فلا يكونُ حُجَّةً في حَقِّ غيرِه.
فصل: إذا زَنَى العبدُ، ثم عَتَقَ، فعليه حَدُّ الرَّقِيقِ؛ لأنَّه إنَّما يُقامُ عليه الحَدُّ الَّذى وَجَب عليه. ولو زَنَى حُرٌّ ذِمِّىٌّ، ثم لَحِقَ بدارِ الحَرْبِ، ثم سُبِىَ فاسْتُرِقَّ، حُدَّ حَدَّ الأحْرارِ؛ لأنَّه وَجَب عليه وهو حُرٌّ. ولو كان أحَدُ الزّانِيَيْن رَقِيقًا، والآخَرُ حُرًّا، فعلى كلِّ وِاحدٍ منهما حَدُّهُ؛ لأنّ كلَّ واحدٍ منهما إنَّما تَلْزَمُه عُقُوبَةُ جِنايَتِه. ولو زَنَى بعدَ العِتْقِ، وقبلَ العِلْمِ به، فعليه حَدُّ الأحْرارِ؛ لأنَّه زَنَى وهو حُرٌّ. وإن أقِيمَ عليه حَدُّ الرَّقِيقِ قبلَ العِلْمِ بحُرِّيّتِه، ثم عُلِمَتْ بعدُ، تُمِّمَ عليه حَدُّ الأحْرارِ. وإن عَفَا السَّيِّدُ
(1) تقدم تخريجه في صفحة 176، 177. وهذا اللفظ لمسلم.
(2)
سقط من: الأصل.