الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ زَنَى بِامرَأَةٍ، فَشَهِدَ أَرْبَعَةٌ آخَرُونَ عَلَى الشُّهُودِ أنَّهُمْ هُمُ الزُّنَاةُ بِهَا، لَمْ يُحَدَّ
ــ
قال الشَّعْبِىُّ، والثَّوْرِىُّ، والشافعىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصحابُ الرَّأْى. وقال مالكٌ: عليها الحَدُّ؛ لأَنَّ شَهادةَ النِّساءِ لا مَدْخَلَ لها في الحُدُودِ، فلا يَسْقُطُ بشَهادَتِهِنَّ. ولَنا، أنَّ البَكارَةَ تَثْبُتُ بشَهادَةِ النِّساءِ، ووُجُودُها يَمْنَعُ مِن الزِّنَى ظاهِرًا؛ لأَنَّ الزِّنَى لا يَحْصُلُ بدُونِ الإِيلاجِ في الفَرْجِ، ولا يُتَصَوَّرُ ذلك مع بَقاءِ البَكارَةِ؛ لأَنَّ البِكْرَ هى التى لم تُوطَأْ في قُبُلِها، وإذا انْتَفَى الزِّنَى، لم يجبِ الحَدُّ، كما لو قامَتِ البَيِّنَةُ بأنَّ المَشْهودَ عليه بالزِّنَى مَجْبُوبٌ، وإنَّما لم يَجِبِ الحَدُّ على الشُّهودِ؛ لِكمالِ عِدَّتِهم، مع احْتِمالِ صِدْقِهم، فإنَّه يَحْتَمِلُ أن يكونَ وَطِئَها ثم عادَتْ عُذْرَتُها، فيكونُ ذلك شُبْهَةً في دَرْءِ الحَدِّ عنهم، غيرَ مُوجِبٍ له عليها، فإنَّ الحَدَّ لا يجبُ بالشُّبُهاتِ. ويُكْتَفَى بشَهادةِ امرأةٍ واحدةٍ؛ لأَنَّ شَهادَتَها مَقْبُولةٌ فيما لا يَطَّلِعُ عليه الرِّجالُ. فأمَّا إن شَهِدْنَ بأنَّها رَتْقاءُ، أو ثَبَتَ أنَّ الرجُلَ المشْهُودَ عليه مَجْبوبٌ، فيَنْبَغِى أن يجبَ الحَدُّ على الشُّهُودِ، لأنَّه يُتَيَقَّنُ كَذِبُهم في شَهادَتِهم بأمْرٍ لايعْلَمُه كثيرٌ مِن النَّاسِ، فوَجَبَ عليهم الحَدُّ.
4431 - مسألة: (وإن شَهِد أرْبعةٌ أنَّه زَنَى بِامْرأةٍ، فَشَهِدَ أربعةٌ آخَرُونَ أنَّهم هم الزُّنَاةُ بِها، لم يُحَدَّ المَشْهُودُ عليه. وهل يُحَدُّ الشُّهُودُ
الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ. وَهَلْ يُحَدُّ الشُّهُودُ الأَوَّلُونَ حَدَّ الزِّنَى؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ــ
الأوَّلُونَ حَدَّ الزِّنَى؟ على رِوايَتَيْن) إحْداهما، لا يجبُ الحَدُّ على واحدٍ منهم. وهذا قولُ أبى حنيفةَ؛ لأَنَّ الأوَّلِينَ قد جَرَّحَهم الآخِرُون بشَهادَتِهم عليهم، والآخِرون تَتَطَرَّقُ إليهم (1) التُّهْمَةُ. والثانيةُ، يَجِبُ الحَدُّ على الشُّهودِ الأوَّلِين. اخْتارَها أبو الخَطَّابِ؛ لأَنَّ شهادةَ الآخِرين صَحِيحَةٌ، فيجبُ الحكمُ بها. وهذا قولُ أبى يوسفَ. وذَكَرَ أبو الخَطَّابِ في صَدْرِ المَسْألةِ كَلامًا مَعْناه، لا يُحَدُّ أحَد منهم حَدَّ الزِّنَى. وهل يُحَدُّ الأوَّلون حَدَّ القَذْفِ؟ على وَجْهَيْن، بِناءً على القاذفِ إذا جاءَ مَجِئَ الشَّاهدِ، هل يُحَدُّ؟ على رِوَايَتَيْن.
فصل: وكلُّ زِنًى أوْجَبَ الحَدَّ، لا يُقْبَلُ فيه إلَّا أربعةُ شُهودٍ، باتِّفاقِ العُلَماءِ؛ لتَناوُلِ النَّصِّ له، بقولِه تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} (2). ويَدْخُلُ فيه اللِّواطُ، ووَطْءُ المرأةِ في دُبُرِها؛ لأنَّه زِنًى.
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سورة النور 4.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعندَ أبى حنيفةَ، يَثْبُتُ بشَاهِدَيْن، بِناءً على أصْلِه بأنَّه لا يُوجِبُ الحَدَّ. وقد بَيَّنَّا وُجوبَ الحَدِّ به، ويُخَصُّ هذا بأنَّ الوَطْءَ في الدُّبُرِ فاحِشَةٌ، بدليلِ قولِه تعالى:{أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} (1). وقال اللَّهُ تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} (2). فإذا وُطِئَت في الدُّبُرِ، دَخَلَتْ في عُمومِ الآيةِ. وأمَّا وَطْءُ البَهيمةِ إن قُلْنا بوُجُوبِ الحَدِّ به، لم يَثْبُتْ إلَّا بشُهودٍ أربعةٍ. وإن قُلْنا: لا يُوجِبُ إلا التَّعْزِيرَ. ففيه وَجْهان؛ أحدُهما، يَثْبُتُ بشاهِدَيْن؛ لأنَّه لا يُوجِبُ الحَدَّ، فيَثْبُتُ بشاهِدَيْن، كسائرِ الحُقُوقِ. والثانى، لا يَثْبُتُ إلَّا بأربعةٍ. وِهو قولُ القاضِى؛ لأنَّه فاحِشَةٌ، ولأنَّه إيلاجٌ في فَرْج مُحَرَّمٍ، فأشْبَهَ الزِّنَى. وعلى قِياسِ هذا كلُّ وَطءٍ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ ولا يُوجِبُ الحَدَّ، كوَطْءِ الأمَةِ المُشْتَرَكَةِ، وأمَتِه المُزَوَّجَةِ. فإن لم يَكُنْ وَطْئًا، كالمُباشَرَةِ دُونَ الفَرْجِ ونحوِها، ثَبَت بشاهِدَيْن، وَجْهًا واحدًا؛ لأنَّه ليس بوَطْءٍ، أشْبَهَ سائِرَ الحُقُوقِ.
(1) سورة الأعراف 80.
(2)
سورة النساء 15.