الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
وَإِذَا اجْتَمَعَتْ حُدُودٌ للَّهِ فِيهَا قَتْلٌ، اسْتُوفِىَ وَسَقَطَ سَائِرُهَا.
ــ
صِحَّةَ الرُّجوعِ ممَّا يَخْفَى، فيكونُ ذلك عُذْرًا مانِعًا مِن وُجوبِ القِصاصِ. فأمَّا إن رُجِمَ ببَيِّنَةٍ فهَرَبَ، لم يُتْرَكْ؛ لأَنَّ زِناه ثَبَت على وَجْهٍ لا يَبْطُلُ برُجوعِه، فلم يُؤثِّرْ فيه هَرَبُه، كسائرِ الأحْكامِ. واللَّهُ أعلمُ.
فصل: (وإذا اجْتَمَعَتْ حُدودٌ للَّهِ) تعالى (فيها قَتْلٌ، اسْتُوفِىَ، وسَقَط سائِرُها) إذا اجْتَمَعَتِ الحُدودُ، لم تَخْلُ مِن ثلاثةِ أقسامٍ؛
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فيها قَتْلٌ؛ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ مِثْلَ أَنْ زَنَى، أَوْ سَرَقَ، أَوْ شَرِبَ مِرَارًا، أَجْزَأَ حَدٌّ وَاحِدٌ.
ــ
أحدُها، أن تكونَ خالِصَةً للَّهِ تعالى، فهى نَوْعان؛ أحدُهما، أن يكونَ فيها قتلٌ، مثلَ أن يَسْرِقَ ويَزْنِىَ وهو مُحْصَنٌ، ويَشْرَبَ ويَقْتُلَ في المُحارَبَةِ، فهذا يُقْتَلُ، ويَسْقُطُ سائِرُها. وهذا قولُ ابنِ مسعودٍ، وعطاءٍ، والشَّعْبِىِّ، والنَّخَعِىِّ، والأوْزَاعِىِّ، ومالكٍ، وحَمّادٍ، وأبى حنيفةَ. وقال الشافعىُّ: تُسْتَوفَى جميعُها؛ لأَنَّ ما وَجَب مع غيرِ القَتْلِ، وَجَب مع القتلِ، كقَطْعِ اليَدِ قِصاصًا. ولَنا، قولُ ابنِ مسعودٍ، قال سعيدٌ: ثَنا حَسَّانُ بنُ منصورٍ، ثنا مُجالِدٌ، عن عامِرٍ، عن مَسْرُوقٍ، عن عبدِ اللَّهِ، قال: إذا اجْتَمَعَ حَدَّانِ، أحدُهما القتلُ، أحاطَ القتلُ بذلك (1). وقال إبراهيمُ: يَكْفِيه القتلُ. وقال: ثنا هُشَيْمٌ، أنا حَجَّاجٌ، عن إبراهيمَ، والشَّعْبِىِّ، وعَطاءٍ، أنَّهم قالوا مثلَ ذلك (2). وهذه أقْوالٌ انْتَشَرَتْ في عَصْرِ (3) الصَّحابةِ والتابعِين، ولم يَظْهَرْ لها
(1) أخرجه ابن أبى شيبة، في: باب في الرجل يسرق ويشرب الخمر ويقتل، من كتاب الحدود. المصنف 9/ 479. وبنحوه أخرجه عبد الرزاق، في: باب الذى يأتى الحدود ثم يقتل، من كتاب العقول. المصنف 10/ 19، 20. وضعفه في الإرواء 7/ 368.
(2)
انظر لهذه الآثار ما أخرجه عبد الرزاق، في: المصنف 10/ 19، 20. وابن أبى شيبة، في: المصنف 9/ 479، 480.
(3)
في م: «عهد» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مُخالِفٌ، فكانت إجْماعًا، ولأنَّها حُدودٌ للَّهِ فيها قَتْلٌ، فسَقَط ما دُونَه، كالمُحارِبِ إذا قَتلَ وأخذَ المالَ، فإنَّه يُكْتَفَى بقَتْلِه، ولأَنَّ هذه الحُدودَ تُرادُ (1) لمُجَرَّدِ الزَّجْرِ (2)، ومع القَتْلِ لا حاجةَ إلى زَجْرِه؛ لأنَّه لا فائدةَ فيه (3)، فلا يُشْرَعُ (4)، ويُفارِقُ القِصاصَ؛ فإنَّ فيه غَرَضَ التَّشَفِّى والانْتِقامِ، ولا يُقصَدُ فيه مُجَرَّدُ الزَّجْرِ. إذا ثَبَت هذا، فإنَّه إذا وُجِدَ ما يُوجِبُ الرَّجْمَ والقتلَ للمُحارَبَةِ، أو القتلَ للرِّدَّةِ، أو لتَرْكِ الصَّلاةِ، فيَنْبَغِى أن يُقْتَلَ للمُحارَبَةِ ويَسْقُطَ الرَّجْمُ؛ لأَنَّ في القَتْلِ للمُحارَبَةِ حَقَّ آدَمِىٍّ في القِصاصِ، وإنَّما آثرَتِ المُحارَبَةُ تَحَتُّمَه، وحَقُّ الآدَمِىِّ يَجِبُ تَقْدِيمُه.
النوعُ الثانى، أن لا يكونَ فيها قتلٌ، فإن كانت مِن جِنْسٍ، مثلَ أن زَنَى، أو سَرَق، أو شَرِب مِرارًا قَبلَ إقامَةِ الحَدِّ عليه، أجْزَأَ حَدٌّ واحدٌ، بغيرِ خلافٍ عَلِمْناه. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ على هذا كلُّ مَن نَحْفَظُ عنه مِن أهلِ العلمِ؛ منهم عَطاءٌ، والزُّهْرِىُّ، ومالكٌ، وأبو حنيفةَ،
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في الأصل: «الرجم» .
(3)
سقط من: م.
(4)
بعده في م: «فيه» .
وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَجْنَاسٍ، اسْتُوفِيَتْ كُلُّهَا، وَيُبْدَأُ بِالْأَخَفِّ فَالأَخَفِّ.
ــ
وأحمدُ، وإسحاقُ، وأبو يوسفَ، وأبو ثَوْرٍ. وهو مذهبُ الشافعىِّ. فإن أُقِيمِ عليه الحَدُّ، ثم حدَثَتْ منه جنايَةٌ أُخْرَى، ففيها حَدُّها، لا نعلمُ فيه خِلافًا. وقد سُئِلَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن الأمَةِ تَزْنِى قبلَ أن تُحْصِنَ (1)، فقال:«إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا» (2). ولأَنَّ تَداخُلَ الحُدودِ إنَّما يكونُ مع اجْتماعِها، والحدُّ الثَّانِى وَجَب بعدَ سُقوطِ الحَدِّ الأَوَّلِ باسْتِيفائِه (وإن كانت مِن أجْناسٍ، اسْتُوفِيَتْ كلُّها) بغَيْرِ (3) خِلافٍ نعلَمُه (4)(ويُبْدَأُ بالأخَفِّ فالأخَفِّ) فإذا شَرِب وزَنَى [وسَرَق](5)، حُدَّ للشُّرْبِ أوَّلًا، ثم حُدَّ للزِّنَى، ثم قُطِعَ للسَّرِقَةِ. وإن أخَذَ المالَ في المُحارَبَةِ، قُطِعَ لذلك، ويدخلُ فيه القَطْعُ للسَّرِقَةِ؛ لأَنَّ مَحَلَّ القَطْعَيْن واحدٌ، فتَداخَلا، كالقَتْلَيْن. وبهذا قال الشافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: يتَخيَّرُ بينَ البَداءَةِ بحَدِّ الزِّنَى وقَطْعِ السَّرِقَةِ؛
(1) في الأصل، م:«تحيض» .
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 173.
(3)
في م: «من غير» .
(4)
سقط من: م.
(5)
سقط من: الأصل.