الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ حَدِّ المُسْكِرِ
ــ
بابُ حَدِّ المُسْكِرِ
الخمرُ مُحَرَّمٌ بالكتاب والسُّنَّةِ والإِجْماعِ، أمَّا الكتابُ فقولُ اللَّهِ تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1). والآيةُ التى بعدَها إلى قولِه: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (1). وأمَّا السُّنَّةُ، فقولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» . رَواه الإِمامُ أحمدُ، وأبو داودَ (2). ورَوَى عبدُ اللَّهِ بنُ عمرَ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال:«لَعَنَ اللَّه الخَمْرَ، وَشَارِبَها، وسَاقِيَهَا، وبَائِعَهَا، ومُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ» . رَواه أبو داودَ (3). وثَبَت
(1) سورة المائدة: 90، 91.
(2)
أخرجه أبو داود، في: باب النهى عن المسكر، من كتاب الأشربة. سنن أبى داود 2/ 293. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 16، 29، 31.
كما أخرجه مسلم، في: باب بيان أن كل مسكر خمر. . .، من كتاب الأشربة. صحيح مسلم 3/ 1588. والترمذى، في: باب ما جاء في شارب الخمر، من أبواب الأشربة. عارضة الأحوذى 8/ 48. والنسائى، في: باب إثبات اسم الخمر لكل مسكر من الأشربة، من كتاب الأشربة. المجتبى 8/ 264. وابن ماجه، في: باب كل مسكر حرام، من كتاب الأشربة. سنن ابن ماجه 2/ 1124.
(3)
في: باب في العنب يعصر للخمر، من كتاب الأشربة. سنن أبى داود 2/ 292.
كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 2/ 97.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم تحريمُ الخمرِ بأخْبارٍ تَبْلُغُ بمجمُوعِها رُتْبَةَ التَّواتُرِ، وأجمعتِ الأُمَّةُ على تحْرِيمِه، وإنَّما حُكِىَ عن قُدامَةَ بنِ مَظْعُونٍ، وعمرِو بنِ مَعْدِيكَرِبَ، وأبى جَنْدَلِ بنِ سهَيل (1)، أنَّهم قالوا: هى حَلالٌ؛ لقولِ اللَّهِ تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} (2). الآية. فبَيَّنَ لهم عُلماءُ الصَّحابةِ مَعْنَى هذه الآيةِ، وتحريمَ الخمرِ، وأقاموا عليهم الحَدَّ؛ لشُرْبِهم إيَّاه (3)، فرَجَعُوا إلى ذلك، فانْعَقَدَ الإِجْماعُ، فمَنِ اسْتَحَلَّها الآنَ، فقد كَذَّبَ النبىَّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّه قد عُلِمَ ضَرورةً مِن جِهَةِ النَّقْلِ تَحْرِيمُه، فيَكْفُرُ بذلك، ويُسْتَتابُ، فإن تابَ، وإلَّا قُتِلَ. رَوَى الجُوزْجَانِىُّ (4) بإسْنادِه، عن ابنِ عباسٍ، أنَّ قُدامَةَ بنَ مَظْعُونٍ شَربَ الخمرَ، فقال له عمرُ: ما حَمَلَكَ على ذلك؟ فقال: إنَّ اللَّهَ عز وجل يقولُ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} . الآية. وإنِّى مِن المُهاجرِين الأوَّلينَ مِن أهلِ بدرٍ وأُحدٍ. فقال عمرُ للقومِ: أجِيبُوا الرجلَ. فسَكتُوا عنه، فقال لابنِ عباسٍ: أجِبْه. فقال: إنَّما أنْزَلها اللَّه عُذْرًا للماضِينَ، لِمَن شَرِبَها قبلَ
(1) في الأصل، م:«سهل» . وهو أبو جندل بن سهيل بن عمرو العامرى. انظر: العبر 1/ 22.
(2)
سورة المائدة 93.
(3)
حديث قدامة تقدم تخريجه في صفحة 186.
وأخرج قصة أبى جندل ومن معه عبد الرزاق، في: باب من حد من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، من كتاب الأشربة. المصنف 9/ 244، 245.
(4)
وأخرجه النسائى، في: باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر قتادة عن أنس، وباب إقامة الحد على من شرب الخمر على التأويل، من كتاب الحد في الخمر. السنن الكبرى 3/ 252 - 254. والبيهقى، في: باب ما جاء في عدد حد الخمر، من كتاب الأشربة والحد فيها. السنن الكبرى 8/ 320، 321.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أن تُحَرَّمَ، وأنزَلَ:{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} (1). حُجَّةً على النَّاسِ. ثم سألَ عمرُ عن الحَدِّ فيها، فقال علىُّ بنُ أبى طالبٍ: إذا شَرِبَ هَذَى، وإذا هَذَى افْتَرَى، فاجْلِدُوه ثمانينَ. فجَلَده عمرُ ثمانينَ. ورَوى الوَاقِدِىُّ، أنَّ عمرَ قال له: أخْطَأْتَ التَّأْوِيلَ يا قُدامَةُ، إذا اتَّقَيْتَ اجْتَنَبْتَ ما حَرَّمَ اللَّهُ عليك. وروَى الخَلَّالُ (2) بإسْنادِه، عن مُحارِبِ بنِ دِثَارٍ، أنَّ أُناسًا شَرِبُوا بالشامِ الخمرَ (3)، فقال لهم يزيدُ بنُ أبى سفيانَ: شَرِبْتُمُ الخمرَ؟ قالوا: نعم، يقولُ اللَّهُ تعالى:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} . الآية. فكَتَب فيهم إلى عمرَ بنِ الخَطَّابِ، فكَتَبَ إليه: إن أتاكَ كتابِى هذا نهارًا، فلا تَنْتَظِرْ بهم (3) إِلى اللَّيْلِ، وإن أتاكَ لَيْلًا، فلا تَنْتَظِرْ بهم نَهارًا، حتى تَبْعَثَ بهم إلىَّ، لِئلَّا يَفْتِنُوا عبادَ اللَّهِ. فبَعَثَ بهم إلى عمرَ، فشاوَرَ فيهم النَّاسَ، فقال لعلىٍّ: ما تَرَى؟ فقال: أرَى أنَّهم قد شَرَّعُوا في دينِ اللَّهِ ما لم يَأذَنِ اللَّه فيه، فإن زَعَمُوا أنَّها حَلالٌ، فاقْتُلْهم، فقد أحَلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ، وإن زَعَمُوا أنَّها حَرامٌ فاجْلِدْهم ثمانينَ ثمانينَ، فقد افْتَرَوْا على اللَّهِ، وقد أخْبَرَنا اللَّه بحَدِّ ما يَفْتَرِى بعضُنا على بعضٍ. قال: فَجَلَدَهم عمرُ ثمانينَ ثمانينَ. إذا ثَبَت هذا، فالمُجْمَعُ على تَحْرِيمِه عصيرُ العِنبِ، إذا اشْتَدَّ وقَذَف زَبَدَه، وما عَداه مِن الأشْرِبَةِ المُسْكِرَةِ، فهو مُحَرَّم، وفيه اخْتِلافٌ نَذْكُرُه إن شاءَ اللَّه
(1) سورة المائدة 90.
(2)
وأخرجه ابن أبى شيبة، في: المصنف 5/ 546.
(3)
سقط من: الأصل.