الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَثْبُتُ الإحْصَانُ لِلذِّمِّيِّيَّن. وَهَلْ تُحْصِنُ الذِّمِّيَّةُ مُسْلِمًا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنَ.
ــ
كان أحدُهما ناقِصًا، لم يَكْمُلِ الوَطْءُ (1)، فلا يَحْصُلُ به الإِحْصانُ، كما لو كانا غيرَ كامِلَيْن، وبهذا فارَق ما قاسُوا عليه.
4400 - مسألة: (ويَثْبُتُ الإِحْصانُ للذِّمِّيَّيْن. وهل تُحْصِنُ الذِّمِّيَّةُ مسلمًا؟ على رِوايَتَيْن)
لا يُشْتَرَطُ الإِسْلامُ في الإِحْصانِ. وبه قال الزُّهْرِىُّ، والشافعىُّ. فعلى هذا، يكونُ الذِّمِّيّان مُحْصَنَيْن، فإن تَزَوَّجَ المسلمُ ذِمِّيَّةً فوَطِئَها، صارا مُحْصَنَيْن. وفيه رِوايةٌ أُخْرَى، أنَّ الذِّمِّيَّةَ لا تُحْصِنُ المسلمَ. وقال عَطاءٌ، والنَّخَعِىُّ، والشَّعْبِىُّ، ومُجاهِدٌ، والثَّوْرِىُّ: هو شَرْطٌ في الإحْصانِ، فلا (2) يكونُ الكافِرُ مُحْصَنًا، ولا تُحْصِنُ الذِّميَّةُ مسلمًا؛ لأَنَّ ابنَ عمرَ رَوَى أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ أشْرَكَ بِاللَّهِ، فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» (3). ولأنَّه إحْصانٌ مِن شَرْطِه (4) الحُرِّيَّةُ،
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في الأصل: «إلا أن» .
(3)
أخرجه الدارقطنى، في: كتاب الحدود والديات وغيره. سنن الدارقطنى 3/ 147. ورجح وقفه.
(4)
في م: «شروطه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فكان الإِسلامُ شَرْطًا فيه، كإِحْصانِ القَذْفِ. وقال مالكٌ كقولِهِم، إلَّا أنَّ الذِّمِّيَّةَ تُحْصِنُ المسلمَ، يِناءً على أصْلِه في أنَّه لا يَعْتَبِرُ الكمالَ في الزَّوْجَيْن، ويَنْبَغِى أن يكونَ ذلك قولًا للشافعىِّ. ولَنا، ما رَوَى [مالِكٌ، عن](1) نافِعٍ، عن ابنِ عُمَرَ، أنَّه قال: جاء اليهودُ إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فذَكَرُوا له أنَّ رجلًا وامرأةً زَنَيا. وذَكَر الحديثَ، فأمَرَ بهما رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فرُجِما. مُتَّفَقٌ عليه (2). ولأَنَّ الجِنايَةَ بالزِّنَى اسْتَوَتْ مِنِ المسلمِ والذِّمِّىِّ، فيَجِبُ أن يَسْتَويا في الحَدِّ. وحديثُهم لم يَصِحَّ، ولا نعْرفُه في مُسْنَدٍ (3). وقِيلَ: هو مَوْقُوفٌ على ابنِ عمرَ. ثم يَتَعَيَّنُ حَمْلُه على إحْصانِ القَذْفِ، جَمْعًا بينَ الحَدِيثَيْن، فإنَّ راوِيَهما واحِدٌ، وحديثُنا صريحٌ في الرَّجْمِ، فيَتَعَيَّنُ حَمْلُ خَبَرِهم على الإِحْصانِ الآخَرِ. فإن قالوا (4): إنَّما رَجَم رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم اليَهودِيَّين بحُكْمِ التَّوْراةِ، بدليلِ أنَّه
(1) سقط من: الأصل، تش.
(2)
تقدم تخريجه في 10/ 446، 447، وصفحة 197.
(3)
في الأصل، تش:«مسنده» .
(4)
بعده في الأصل: «نعم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
راجَعَها، فلمَّا تَبَيَّنَ له أنَّ ذلك حكمُ اللَّهِ تعالى عليهم، أقامَه فيهم، وفيها أنزلَ اللَّهُ سبحانه:{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} (1). قلنا: إنَّما حَكَم عليهم بما أنْزَلَ اللَّهُ عز وجل إليه، بدليلِ قولِه تعالى:{فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (2). ولأنَّه لا يَسُوغُ للنبىِّ صلى الله عليه وسلم الحُكْمُ بغيرِ شَرِيعَتِه، ولو ساغ ذلك له ساغ لغيرِه، وإنَّما راجَعَ التَّوْراةَ لتَعْرِيفِهم أنَّ حُكْمَ التَّوْراةِ مُوافِقٌ لِما يَحْكُمُ به عليهم، وأنَّهم تارِكُونَ شَرِيعَتَهم، مُخالِفُون لحُكْمِهِم. ثم هذا حُجَّةٌ لنا، فإنَّ حكمَ اللَّهِ في وُجوبِ الرَّجْمِ إن كان ثابتًا في حَقِّهم يجبُ أن يُحْكَمَ به عليهم، فقد ثَبَت وُجودُ الإِحْصانِ فيهم، فإنَّه لا مَعْنى له سِوَى وُجوبِ الرَّجْمِ على مَن زَنَى منهم بعدَ وُجودِ شُروطِ الإحْصانِ فيه، وإن مَنَعُوا ثُبوت الحكمِ في حَقِّهم، [فَلِمَ حَكَم](3) به النبىُّ صلى الله عليه وسلم؟ ولا يَصِحُّ القِياسُ على إحْصانِ القَذْفِ؛ لأَنَّ مِن شَرْطِه العِفَّةَ، وليست شَرْطًا ههُنا.
(1) سورة المائدة 44.
(2)
سورة المائدة 48.
(3)
في الأصل: «فحكم» .