الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَتَى ادَّعَى الْقَتْلَ مَعَ عَدَمِ اللَّوْثِ عَمْدًا، فَقَالَ الْخِرَقِىُّ: لَا يُحْكَمُ لَهُ بيَمِينٍ وَلَا غَيْرِهَا. وَعَنْ أَحْمَدَ أنَّهُ يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً. وَهِىَ الْأَولَى. وَإِنْ كَانَ خَطَأً، حَلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً.
ــ
بالكَذِبِ (1)، بخِلافِ الحَىِّ، ولا سَبِيلَ إلى مثلِ هذا اليومَ، ثم ذاك في تَبْرِئةِ المُتَّهَمِينَ، فلا يجوزُ تَعْدِيَتُه إلى تُهْمَةِ البَرِيئِين.
4363 - مسألة: (ومتى ادَّعَى القَتْلَ مع عَدَمِ اللَّوْثِ عَمْدًا، فقال الخِرَقِىُّ: لَا يُحْكَمُ له بيَمِينٍ ولا غَيْرِها. وعن أحمدَ، أنَّه يَحْلِفُ يَمِينًا واحِدَةً. وهى الأَوْلَى. وإن كان خَطأً حَلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً)
إذا ادَّعَى القتلَ مع عَدَمِ اللَّوْثِ، لم يَخْلُ مِن حالَيْن، أحَدُهما، إذا وُجِدَ قَتيلٌ في مَوْضِعٍ، فادَّعَى أوْلِياؤُه قَتْلَه على رجلٍ، أو جماعةٍ، ولم يكُنْ بيْنَهم عَداوَةٌ ولا لَوْثٌ، فهى كسائرِ الدَّعاوَى، إن كانت لهم بَيِّنَة، حُكِمَ لهم بها، وإلَّا فالقولُ قولُ المُنْكِرِ. وبهذا قال مالكٌ، والشافعىُّ، [وابنُ المُنْذِرِ] (2). وقال أبو حنيفةَ وأصْحابُه: إذا ادَّعَى أوْلِياؤُه قَتْلَه [على أَهْلِ المَحَلَّةِ، أو على مُعَيَّنٍ، فلِلْوَلِىِّ أن يخْتارَ مِن الموْضِمعِ خَمْسينَ رَجلًا، يحْلِفونُ خمسينَ يَمِينًا: واللَّهِ ما قَتَلْناه](2)، ولا عَلِمْنا قاتِلَه. فإذا نَقَصُوا
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عن الخَمْسينَ، كُرِّرَتِ الأيْمانُ عليهم حتى تَتِمَّ، فإذا حَلَفُوا، وجَبَتِ الدِّيَةُ على باقى الخِطَّةِ، فإن لم يَكُنْ، وجَبتْ على سُكَّانِ الموْضِعِ، فإن لم يَحْلِفُوا، حُبِسُوا حتى يَحْلِفُوا أو يُقِرُّوا؛ لِمَا رُوِى أنَّ رَجُلًا وُجِدَ قَتِيلًا بينَ حَيَّيْنِ، فحلَّفَهم عمرُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، خمسينَ يَمِينًا، وقَضَى بالدِّيَةِ على أقْرَبِهما -يعْنى أقْربَ (1) الحَيِّيْن- فقالوا: واللَّهِ ما وَقَتْ أيْمانُنا أمْوالَنا، ولا أمْوالُنا أيْمانَنا. فقال عمرُ: حَقَنْتُم بأمْوالِكم دِماءَكم (2). ولَنا، حديثُ عبدِ اللَّهِ بنِ سَهْلٍ، وقولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«لَوْ يُعْطَى (3) النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْم وأمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ اليَمِينَ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ» . رواه مُسْلِمٍ. وقولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: «البَيِّنَةُ عَلَى المُدَّعِى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أنْكَرَ» (4). ولأَنَّ المُدَّعَى عليه الأصْلُ براءَةُ ذِمَّتِه، ولم يَظْهَرْ كَذِبُه، فكان القولُ قولَه، كسائرِ الدَّعاوَى، ولأنَّه مُدَّعًى عليه، فلم تَلْزَمْه اليَمِينُ والغُرْمُ، كسائرِ الدَّعاوَى، وقولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم أوْلَى مِن قَوْلِ عمرَ،
(1) سقط من: الأصل.
(2)
أخرجه عبد الرزاق، في: باب القسامة، من كتاب العقول. المصنف 10/ 35. وابن أبى شيبة، في: باب القتيل بين الحيين، من كتاب الديات. المصنف 9/ 392. والبيهقى، في: باب أصل القسامة. . .، من كتاب القسامة. السنن الكبرى 8/ 124. وانظر الأثر والكلام عليه في: تلخيص الحبير 4/ 39، 40.
(3)
في تش، ق:«أعطى» . وهى رواية المسند 1/ 363.
(4)
تقدم تخريجه في 16/ 252.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأحَقُّ بالاتِّباعِ، ثم قَضِيَّةُ عمرَ يَحْتَمِلُ أنَّهم اعْترفُوا بالقَتْلِ خَطَأً، وأنْكَروا [العَمْدَ، فاحْلِفُوا](1) على العَمْدِ، ثم إنَّهم لا يَعْمَلون (2) بخَبَرِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم المُخالِفِ للأُصُولِ، وقد صارُوا ههُنا إلى ظاهرِ قولِ عمرَ المُخالِفِ للأُصولِ، وهو إيجابُ الأيمانِ على غيرِ المُدَّعَى عليه، وإلْزَامُهم الغُرْمَ مع عَدَمِ الدَّعْوَى عليهم، والجمعُ بينَ تَحْلِيفِهم وتَغْريمِهم وحَبْسِهم على الأيمانِ. قال ابنُ المُنْذِرِ (3): سَنَّ النبىُّ صلى الله عليه وسلم البَيِّنَةَ على المُدَّعِى، واليَمِينَ على المُدَّعَى عليه، وسَنَّ القَسامةَ في القَتيلِ الذى وُجِدَ بخَيْبَرَ، وقولُ أصْحابِ الرَّأْى خارِجٌ عن هذه السُّنَنِ.
فصل: ولا تُسْمَعُ الدَّعْوَى على غيرِ مُعَيَّنٍ، فلو كانتِ الدَّعْوَى على أهلِ مدينةٍ أو مَحَلَّةٍ، أو واحدٍ غيرِ مُعَيَّن، أو جماعةٍ منهم بغيرِ أعْيانِهم، لم تُسمَعْ. وبهذا قال الشافعىُّ. وقال أصْحابُ الرَّأْى: تُسْمَعُ، ويُسْتَحْلَف خمْسونَ منهم؛ لأَنَّ الأنْصارَ ادَّعَوُا القَتْلَ على يَهودِ خَيْبَرَ، ولم يُعَيِّنُوا القاتِلَ، فسَمِعَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعْواهم. ولَنا، أنَّها
(1) في الأصل: «العهد فاحتلفوا» .
(2)
في الأصل، م:«يعلمون» .
(3)
انظر: الإشراف 3/ 150.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
دَعْوَى في حَقٍّ، فلم تُسْمَعْ على غيرِ مُعَيَّنٍ، كسائرِ الدَّعاوَى. فأمَّا الخَبَرُ، فإنَّ دَعْوَى الأنْصارِ التى سَمِعَها رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لم تَكُنِ الدَّعْوَى التى بينَ الخَصْمَيْن المُخْتَلَفِ فيها، فإنَّ تلك مِن شَرْطِها حُضورُ المُدَّعَى عليه عندَهم، أو تَعَذُّرُ حُضُورِه عندَنا، وقد بَيَّنَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ الدَّعْوَى لا تَصِحُّ إلَّا على واحدٍ بقولِه:«تُقْسِمُونَ على رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَيُدْفَعُ إلَيْكُمْ بِرُمَّتِهِ» . وفى هذا بَيانٌ أنَّ الدَّعْوَى لا تَصِحُّ على غيرِ مُعَيَّنٍ.
فصل: فأمَّا إنِ ادَّعَى القَتْلَ مِن غيرِ وُجُودِ قَتيلٍ (1) ولا عَداوةٍ، فهى كسائرِ الدَّعاوَى، في اشْتِراطِ تَعْيِينِ المُدَّعَى عليه، وأنَّ القولَ قولُه. لا نعلمُ فيه خِلافًا.
الحالُ الثانى، أنَّه إذا ادَّعَى القَتْلَ، ولم تَكُنْ عَداوَةٌ ولا لَوْثٌ، فإنَّه لا يُحْكَمُ على المُدَّعَى عليه بيَمِينٍ ولا بشئٍ، في إحْدى الرِّوايتَيْن، ويُخَلَّى سَبِيلُه. هذا الذى ذكَره الخِرَقِىُّ. وسواءٌ كانتِ الدَّعْوَى خَطَأً أو عَمْدًا؛ لأنَّها دَعْوَى فيما لا يجوزُ بَذْلُه، فلم يُسْتَحْلَفْ فيها، كالحُدُودِ، ولأنَّه لا يُقْضَى في هذه الدَّعْوَى بالنُّكُولِ، فلم يُحَلَّفْ فيها، كالحُدُودِ. والثانيةُ، يُسْتَحْلَفُ. وبه قال الشافعىُّ. وهو الصَّحِيحُ؛ لعُموم قولِه عليه السلام:«اليَمِينُ على المُدَّعَى عَلَيْهِ» . وقولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ يُعْطَى
(1) في م: «قتل» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وأمْوَالَهُمْ، ولَكِنَّ اليَمِينَ على المُدَّعَى عليه». رواه مُسْلِمٌ. ظاهِرٌ في إيجاب اليَمِينِ ههُنا لوَجْهَيْن؛ أحَدُهما، عُمومُ اللَّفْظِ فيه. والثانى، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم ذكَرَه في صَدْرِ الخَبَرِ بقولِه:«لادَّعَى قَوْمٌ دِماءَ رِجالٍ وأمْوالَهُمْ» . ثم عقَّبَه بقولِه: «ولَكِنَّ اليَمِينَ على المُدَّعَى عليه» . فيعودُ إلى المُدَّعَى عليه المذكُورِ في الحديثِ، ولا يجوزُ إخْراجُه منه إلَّا بدليلٍ أقْوَى منه، ولأنَّها دَعْوَى في حَقِّ آدَمِىٍّ، فيُسْتَحْلَفُ فيها (1)، كدَعْوَى المالِ، ولأنَّها دَعْوَى لو أقَرَّ بها لم يُقْبَلْ رُجُوعُه عنها، فيَجِبُ اليَمِينُ فيها، كالأصْلِ المذْكُورِ. إذا ثَبَت هذا، فالمَشروعُ يَمِينٌ واحدةٌ. وعن أحمدَ، أنَّه يُشْرَعُ خَمْسونَ يَمِينًا؛ لأنَّها دَعْوَى في القَتْلِ، فيُشْرَعُ فيها خَمْسونَ يَمِينًا، كما لو كان بينَهم لَوْثٌ. وللشافعىِّ فيها كالرِّوايتَيْن. ولَنا، أنَّ قولَه عليه الصلاة والسلام:«ولَكِنَّ اليَمِينَ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ» . ظاهرٌ في أنَّها يَمِينٌ واحدةٌ لوَجْهَيْن؛ أحدُهما، أنَّه وَحَّدَ اليَمِينَ، فيَنْصَرِفُ إلى واحدةٍ. الثانى، أنَّه لم يُفَرِّقْ في اليَمِينِ المَشْرُوعةِ في الدَّمِ والمالِ، ولأنَّها يَمِينٌ يَعْضُدُها الظاهرُ والأصلُ، فنم تُغَلَّظْ، كسائرِ الأيْمانِ، ولأنَّها يَمِينٌ مَشْروعةٌ في جَنَبَةِ المُنْكِرِ ابْتِداءً، فلم تُغَلَّظْ بالتَّكْريرِ (2)، كسائرِ الأيْمانِ، وبهذا فارَقَ ما ذكَرُوه.
(1) سقط من: م.
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن نَكَلَ المُدَّعَى عليه عن اليَمِينِ، لم يجبِ القِصاصُ، بغيرِ خِلافٍ في المذْهبِ. وقال أصحابُ الشافعىِّ: إن نَكَلَ المُدَّعَى عليه، رُدَّتِ اليَمِينُ على المُدَّعِى فحلَفَ خَمْسينَ يَمِينًا، واسْتَحَقَّ القِصاصَ أو الدِّيَةَ إن كانتِ الدَّعْوَى عَمْدًا مُوجِبًا للقَتْلِ؛ لأَنَّ يمِينَ المُدَّعِى مع نُكُولِ المُدَّعَى عليه كالبَيِّنَةِ أو (1) الإِقْرارِ، والقِصاصُ يجبُ بكُلِّ واحدٍ منهما. ولَنا، أنَّ القَتْلَ لم يثْبُتْ ببَيِّنَةٍ ولا إقْرارٍ، ولم يَعْضُدْه (2) لَوْثٌ، فلم يَجِب القِصاصُ، كما لو لم يَنْكُلْ، ولا يَصِحُّ إلْحاقُ الأيْمانِ مع النُّكُولِ ببَيِّنَةٍ ولا إقْرارٍ؛ لأنَّها أضْعَفُ منها، بدَليلِ أنَّها لا تُشْرَعُ إلَّا عندَ عَدَمِهما، فتكونُ بَدَلًا عنهما، والبَدَلُ أضْعَفُ مِن المُبْدَلِ، ولا يَلْزَمُ مِن ثُبُوتِ الحُكْمِ بالأقْوَى ثُبُوتُه بالأضْعَفِ، ولا يَلْزَمُ مِن وُجُوبِ الدِّيَةِ، وُجوبُ القِصاصِ؛ لأنَّه لا يثْبُتُ بشَهادةِ النِّساءِ مع الرِّجالِ، ولا بالشَّاهِدِ مع (3)
(1) في الأصل: «و» .
(2)
في الأصل: «يقصده» .
(3)
في م: «و» .
الثَّالِثُ، اتِّفَاقُ الأَوْلِيَاءِ فِى الدَّعْوَى. فَإِنِ ادَّعَى بَعْضُهُمْ وَأَنْكَرَ بَعْضٌ، لَمْ تَثْبُتِ الْقَسَامَةُ.
ــ
اليَمِينِ، ويُحْتاطُ له، ويُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ، والدِّيَةُ بخِلافِه. فأمَّا الدِّيَةُ فتَثْبُتُ بالنُّكُولِ عندَ مَن يُثْبِتُ المالَ به، أو تُرَدُّ اليَمِينُ على المُدَّعِى، فيَحْلِفُ يَمِينًا واحدةً، ويَسْتَحِقُّها، كما لو كانتِ الدَّعْوَى في مالٍ. وسواءٌ كانتِ الدَّعْوَى عَمْدًا أو خَطأً، فإنَّ العَمْدَ متى تَعَذَّرَ إيجابُ القِصاصِ فيه، وجَبَ به المالُ، وتكونُ الدَّعْوَى ههُنا كسائرِ الدَّعاوَى. واللَّهُ أعلمُ.
(الثالثُ، اتِّفاقُ الأوْلياءِ في الدَّعْوَى، فإنِ ادَّعَى بعْضُهم وأنْكَرَ بعضٌ، لم تَثْبُتِ القَسامَةُ) مِن شَرْطِ ثُبوتِ القَسامةِ اتِّفاقُ الأوْلياءِ على الدَّعْوَى، فإن كَذَّبَ بعضُهم بعضًا، فقال أحدُهم: قتَلَه هذا. وقال الآخَرُ: لم يقْتُلْه هذا. أو قال: بلْ قَتَلَه هذا الآخَرُ. لم تثْبُتِ القَسامةُ. نصَّ عليه أحمدُ. وسواءٌ كان المُكَذِّبُ عَدْلًا أو فاسقًا. وعن الشافعىِّ، أنَّ القَسامةَ لا تبْطُلُ بتكْذيبِ الفاسِقِ؛ لأَنَّ قولَه غيرُ مَقْبولٍ. ولَنا، أنَّه مُقِرٌّ على نفْسِه بتَبْرِئَةِ مَن ادَّعَى عليه أخُوه، فقُيِلَ، كما لو ادَّعَيا دَيْنًا لهما، وإنَّما لا يُقْبَلُ قولُه على غيرِه، وأمَّا على نفْسِه، فهو كالعَدْلِ؛ لأنَّه لا يُتَّهمُ في حَقِّها. فأمَّا إن لم يُكذِّبْه، ولم يُوافِقْه في الدَّعْوَى، مثلَ أن قال أحدُهما: قتَلَه هذا. وقال الآخَرُ: لا نعلمُ قاتِلَه. فظاهِرُ قولِه ههُنا، أنَّ القَسامةَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا تثْبُتُ. وهو ظاهرُ كلامِ الخِرَقِىِّ؛ لاشْتِراطِ (1) ادِّعاءِ الأوْلياءِ على واحدٍ. وهذا قولُ مالكٍ. وكذلك إن كان أحدُ الوَلِيَّيْن غائبًا، فادَّعَى الحاضرُ دُونَ الغائبِ، أو ادَّعَيا جميعًا على واحدٍ، ونَكَلَ أحدُهما عن الأيْمانِ، لم يثْبُتِ القتلُ، في قياسِ قولِ الخِرَقِىِّ. ومُقْتَضَى قولِ أبى بكرٍ والقاضى ثُبوتُ القَسامةِ. وكذلك مذْهبُ الشافعىِّ؛ لأَنَّ أحدَهما لم يُكذِّبِ الآخَرَ، فلم تبْطُلِ القَسامةُ، كما لو كان أحدُ الوارثَيْن امرأةً أو صَغِيرًا. فعلى قَوْلِهم، يَحْلِفُ المُدَّعِى خَمْسِينَ يَمِينًا، ويَسْتَحِقُّ نِصْفَ الدِّيَةِ؛ لأَنَّ الأيْمانَ ههُنا بمنزلةِ البَيِّنَةِ، ولا يثْبُتُ شئٌ مِن الحَقِّ إلَّا بعدَ كمالِ البَيِّنَةَ، فأشْبَهَ ما لو ادَّعَى أحدُهما دَيْنًا لأبِيهما، فإنَّه لا يسْتَحِقُّ نَصِيبَه (2) مِن الدَّيْنِ إلَّا أن يُقِيمَ بَينّةً كاملةً. ولَنا، أنَّهما لم يَتَّفِقا في الدَّعْوَى، فلم تثْبُتِ القَسامةُ، كما لو كَذَّبَه، ولأَنَّ الحَقَّ في مَحَلِّ الوِفاقِ إنَّما ثَبَتَ بأيْمانِهما التى أُقِيمَتْ مُقامَ البَيِّنَةَ، ولا يجوزُ أن يَقومَ أحدُهما مَقامَ الآخَرِ في الأيْمانِ، كما في سائرِ الدَّعاوَى. فعلى هذا، إن قَدِمَ الغائبُ، فوافَقَ أخاه، أو عادَ مَن لم يَعْلَمْ، فقال: قد عَرَفتُه، هو الذى عَيِّنَه أخِى. أقْسَما حينئذٍ. وإن قال أحدُهما: قَتَلَه هذا. وقال الآخَرُ: قَتَلَه هذا وفلانٌ. فعلَى قَوْلِ الخِرَقِىِّ، لا تثْبُتُ القَسامةُ؛ لأنَّها لا تكونُ إلَّا [على واحدٍ](3). وعلى قولِ غيرِه، يحْلِفان على مَنِ اتَّفَقا عليه، ويَسْتحِقَّان
(1) كذا في النسخ، وفى المغنى 12/ 199:«لاشتراطه» وانظر نص الخرقى في 12/ 199.
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
في الأصل: «واحدًا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نِصْفَ الدِّيَةِ، ولا يجبُ القَوَدُ؛ لأنَّه إنَّما يجبُ (1) في الدَّعوَى على واحدٍ، ويَحْلِفان جميعًا على هذا الذى (2) اتَّفَقا عليه على حَسَبِ دَعْواهما، ويَسْتَحِقَّان نِصْفَ الدِّيَةِ، ولا يجبُ أكثرُ مِن نِصْفِ الدِّيَةِ؛ لأَنَّ أحدَهما يُكَذِّبُ الآخَرَ في النِّصْفِ الآخَرِ، فبَقِىَ اللَّوْثُ في حَقِّه في نِصْفِ الدَّمِ (3) الذى اتَّفَقا عليه، ولم يثْبُتْ في النِّصْفِ الذى كَذَّبه أخُوه فيه، ولا يَحْلِفُ الآخَرُ على الآخَرِ؛ لأَنَّ أخاه كَذَّبَه في دعواه عليه. كان قال أحدُهما: قَتَلَ أبى زيدٌ وآخرُ لا أعْرِفُه. وقال الآخَرُ: قتَلَه عمرٌو وآخَرُ لا أعْرِفُه. لم تثْبُتِ القَسامةُ، في ظاهرِ قَوْلِ الخِرَقِىِّ؛ لأنَّها لا تكونُ إلَّا على واحدٍ، ولأنَّهما ما اتَّفَقا في الدَّعْوَى على أحدٍ، ولا يُمكِنُ أن يحْلِفا على مَن لم يَتَّفِقا على الدَّعوَى عليه، والحقُّ إنَّما يثْبُتُ في مَحَلِّ الوِفاقِ بأيْمانِ الجميعِ، فكيف يثْبُتُ في الفَزعِ بأيْمانِ البعضِ! وقال أبو بكرٍ والقاضى: تثْبُتُ القَسامةُ. وهذا مذْهبُ الشافعىِّ؛ لأنَّه ليس ههُنا تكْذِيبٌ، فإنَّه يجوزُ أن يكونَ الذى جَهِلَه كلُّ واحدٍ منهما، هو الذى عَرَفَه أخُوه، فيَحْلِفُ كلُّ واحدٍ منهما على الذى عَيَّنَه خمسينَ يَمِينًا، ويسْتَحِقُّ رُبْعَ الدِّيَةِ، وإن عادَ كُلُّ واحدٍ منهما، فقال: قد عَرَفْتُ الذى جَهِلْتُه، وهو الذى عَيَّنَه أخِى. حَلَفَ أيضًا على الذى حَلَفَ عليه أخُوه، وأخَذَ منه رُبْعَ الدِّيَةِ،
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في الأصل: «من» .
(3)
في الأصل، ق:«الدية» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويحلِفُ خَمسًا وعشْرين يَمِينًا؛ لأنَّها يَبْنِى على أيْمانِ أخيه، فلم يَلْزَمْه أكثرُ مِن خمسٍ وعِشْرين يَمِينًا (1)، كما لو عَرَفه ابْتِداءً. وفيه وَجْهٌ آخرُ، يحلِفُ خَمْسينَ يمينًا (2)؛ لأَنَّ أخاه حَلَف خَمْسين يَمِينًا. وللشافعىِّ [في هذا](3) قَوْلان كالوَجهيْن. ويجِئُ في المسألةِ وَجْهٌ آخَرُ، [وهو](4) أنَّ الأوَّل لا يَحْلِفُ أكثرَ مِن خمسٍ وعشرين يَمِينًا؛ لأنَّه إنَّما يَخلِفُ على ما يسْتَحِقُّه، والذى يسْتَحِقُّه النِّصْفُ، فيكونُ عليه نِصْفُ الأيْمانِ، كما لو حَلَف أخُوه معه. وإن قال كلُّ واحدٍ منهما: الذى كنتُ جَهِلْتُه غيرُ الذى عَيَّنَه أخِى. بَطَلَتِ القَسامةُ التى أقْسَماها؛ لأَنَّ التَّكْذيبَ يَقْدَحُ في اللَّوْثِ، فيَرُدُّ كلُّ واحدٍ منهما ما أخَذَ مِن الدِّيَةِ. وإن كَذَّبَ أحدُهما أخاه، ولم يُكذِّبْه الآخَرُ، بطَلَتْ قَسامةُ المُكَذِّبِ دونَ الذى لم يُكَذِّبْ.
فصل: إذا قال الوَلِىُّ (5) بعدَ القَسامةِ: غَلِطْتُ، ما هذا الذى قَتَلَه. أو: ظَلَمتُه بدَغواىَ القَتْلَ عليه. أو قال: كان هذا المُدَّعَى عليه في بَلَدٍ آخَرَ يومَ قَتْلِ وَلِيِّى. وكان بيْنَهما بُعْدٌ [لا يُمكِنُ](6) أن يَقْتُلَه إذا كان فيه، بطَلَتِ القَسامةُ، ولَزِمَه رَدُّ ما أخَذَه؛ لأنَّه مُقِرٌّ على نَفْسِه، فقُبِلَ إقْرارُه.
(1) زيادة من: تش.
(2)
سقط من: م.
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
سقط من: م.
(5)
في الأصل: «المولى» .
(6)
في م: «ولا يمكنه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإن قال: ما أخَذْتُه حَرامٌ. سُئِلَ عن ذلك؛ فإن قال: أرَدتُ أنَّنِى كَذَبْتُ في دَعْواىَ عليه. بطَلَتْ قَسامَتُه أيضًا. فإن قال: أرَدْتُ أنَّ الأيْمانَ تكونُ في جَنَبةِ المُدَّعَى عليه، كمذهبِ أبى حنيفةَ. لم تَبْطُلِ القَسامةُ؛ لأنَّها ثَبَتَتْ باجْتِهادِ الحَاكمِ، فيُقَدَّمُ على اجْتِهادِه. وإن قال: هذا مَغْصُوبٌ. وأقَرَّ بمَن غصَبَه منه، لَزِمَه رَدُّه عليه (1)، ولا يُقْبَلُ قولُه على مَن أخَذَه منه؛ لأَنَّ الإنسانَ لا يُقْبَلُ إقْرارُه على غيرِه. وإِن لم يُقِرَّ به لأحَدٍ، لم تُرفع يدُه عنه، لأَنَّه لم يتَعَيَّنْ مُسْتَحِقُّه. وإنِ اخْتلَفا في مُرادِه بقَوْلِه (2)، فالقول قولُه؛ لأنَّه أعْرَفُ بقَصْدِه.
فصل: وإن أقامَ المُدَّعَى عليه بَيِّنةً أنَّه كان يومَ القتلِ في بلدٍ بعيدٍ مِن بلدِ المقْتُولِ، لا يمكِنُ مَجيئُه منه إليه في يومٍ واحدٍ، بَطَلَتِ الدَّعْوَى. وإن قالتِ البَيِّنَةُ: نَشْهدُ أنَّ فلانًا لم يقْتُلْه. لم تُسْمَع هذه الشهادةُ؛ لأنَّه نَفْىٌ مجرَّدٌ. فإن قال: ما قتَلَه فلان، بل قتلَه فلانٌ. سُمِعَت؛ لأنَّها شَهِدَتْ بإثْباتٍ تَضَمَّنَ (3) النَّفْىَ، فسُمِعَت، كما لو قالت: ما قتَلَه فلانٌ؛ لأنَّه كان يومَ القتلِ في بلدٍ بعيدٍ.
فصل: فإن جاءَ إنْسانٌ، فقال: ما قَتلَه هذا (2) المُدَّعَى عليه، بل أنا قَتَلْتُه. فكَذَّبَه الوَلِىُّ، لم تَبْطُلْ دَعواه، وله القَسامةُ، ولا يَلْزَمُه رَدُّ الدِّيَةِ
(1) سقط من: الأصل، تش.
(2)
سقط من: م.
(3)
في الأصل، تش:«بعض» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإن كان أخَذَها؛ لأنَّه قولُ واحدٍ، ولا يَلْزَمُ المُقِرَّ شئٌ؛ لأنَّه أقَرَّ لمَن يُكَذِّبُه. وإن صَدَّقَه الوَلِىُّ، أو طالبَه بمُوجَبِ القَتْلِ، لَزِمَه رَدُّ ما أخَذ، وبَطَلَتْ دَعواه على الأَوَّلِ؛ لأَنَّ ذلك جَرَى مَجْرَى الإِقْرارِ ببُطْلانِ الدَّعْوَى. وهل له مُطالَبَةُ المُقِرِّ؟ فيه وَجْهان؛ أحَدُهما، له مُطالبَتُه؛ لأنَّه أقَرَّ له بحَقٍّ، فملَكَ مُطالَبَتَه به، كسائرِ الحُقوقِ. والثانى، ليس له مُطالَبَتُه؛ لأَنَّ دعواه على الأَوَّلِ انْفِرادَه بالقَتْلِ إبْراءٌ لغيرِه، فلا يَملِكُ مُطالبَةُ مَن أبْرَأه. والمَنْصُوصُ عن أحمدَ، أنَّه يَسْقُطُ القَوَدُ عنهما، وله مُطالبةُ الثانى بالدِّيَةِ، فإنَّه قال في رَجُلٍ شَهِدَ عليه شاهِدان بالقَتْلِ، فأُخِذَ ليُقادَ منه، فقامَ (1) رَجُلٌ، فقال (2): ما قَتَلَه هذا، بل (3) أنا قَتَلْتُه: فالقَوَدُ يَسْقُطُ عنهما، والدِّيَةُ على الثانى. ووَجْهُ ذلك، ما رُوِى أنَّ رَجُلًا ذبَحَ رَجُلًا في خَرِبَةٍ، وتَرَكَه وهرَب، وكان قَصَّابٌ [قد ذَبَحَ](4) شاةً، وأرادَ ذَبْحَ أُخْرَى، فهرَبَتْ منه إلى الخَرِبَةِ، فتَبِعَها حتى وقفىَ على القَتِيلِ، والسِّكِّينُ بيَدِه عليها الدَّمُ، فأُخِذَ على تلك الحالِ، وجئَ به إلى عمرَ، فأمَرَ بقَتْلِه، فقال القاتلُ في نفْسِه: يا وَيْلَه، قتلْتُ نفْسا، ويُقْتَلُ بسَبَبِى آخَرُ. فقام، فقال: أنا قتَلْتُه، لم يقْتُلْه هذا. فقال عمرُ: إن كان قد قتل نفْسًا فقد أَحيا نفْسًا. ودَرَأ عنه القِصاصَ. ولأَنَّ الدّعوَى على الأَوَّلِ شُبْهةٌ
(1) في الأصل: «فقال» .
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
زيادة من: الأصل، تش.
(4)
في م: «يذبح» .
الرَّابِعُ، أن يَكُونَ فِى الْمُدَّعِينَ رِجَالٌ عُقَلَاءُ. وَلَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ فِى الْقَسَامَةِ، عَمدًا كَانَ الْقَتْلُ أو خَطَأً.
ــ
في دَرْءِ القِصاصِ عن الثانى، وتجبُ الدِّيَةُ عليه؛ لإِقْرارِه بالقَتْلِ المُوجِبِ لها. وهذا القولُ أصَحُّ وأعْدلُ، مع شَهادةِ الأثَرِ بصِحَّتِه.
(الرابعُ، ان يكونَ في المُدَّعِين رِجال عُقَلاءُ، ولا مَدخَلَ للنِّساءِ والصِّبْيان والمَجانينِ في القَسامةِ، عَمدًا كان القتلُ أو خَطأً) أمَّا الصِّبْيانُ فلا خِلافَ بينَ أهلِ العلمِ أنَّهم لا يُقْسِمُون، سواءٌ كانوا مِن الأوْلياءِ أو مُدَّعًى عليهم؛ لأَنَّ الأيْمانَ حُجَّةٌ على الحالف، والصَّبِىُّ لا يثْبُت بقولِه حُجَّةٌ، ولو أقَرَّ على نفْسِه، لم يُقْبَلْ، فلأَن لا يُقْبَلَ قولُه في حَقِّ غيرِه أوْلَى. والمَجْنُونُ في مَعْناه؛ لأنَّه غيرُ مُكَلَّفٍ، فلا حُكْمَ لقوْلِه. وأمَّا النِّساءُ فإذا كُنَّ مِن أَهْلِ القَتِيلِ لم يُسْتَخلَفْنَ. وبهذا قال ربيعةُ، والثَّوْرِىُّ، واللَّيْثُ، والأوْزاعِىُّ. وقال مالكٌ: لهنَّ مَدخَلٌ في قَسامةِ الخَطأ دُونَ العَمدِ. قال ابنُ القاسمِ: ولا يُقْسِمُ في العَمْدِ إلَّا اثْنان فصاعِدًا، كما أنَّه لا يُقْتَلُ إلَّا بشاهِدَيْن، وقال الشَّافعىُّ: يُقْسِمُ كلُّ وارِثٍ بالغٍ؛ لأنَّها يَمِينٌ في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
دَعوَى، فتُشْرَعُ في حَقِّ النِّساءِ، كسائرِ الأيْمانِ. ولَنا، قولُ النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم:«يُقْسِمُ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْكُمْ، وتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ» (1). ولأنَّها حُجَّة يثْبُتُ بها قَتْلُ العَمدِ، فلا تُسْمَعُ مِن النِّساءِ، كالشَّهادةِ، ولأَنَّ الجِنايةَ المُدَّعاةَ التى تَجِبُ القَسامةُ عليها هى القتلُ، ولا مَدْخَلَ للنِّساءِ في إثْباتِه، وإنَّما يثْبُتُ المالُ ضمنًا، فجَرَى ذلك مَجْرَى رَجُل ادَّعَى زَوْجِيَّةَ امرأةٍ بعدَ مَوْتِها لِيَرِثَها، فإنَّ ذلك لا يثْبُتُ بشاهدٍ ويَمِين، ولا بشهادةِ رَجُلٍ وامْرأتَيْنِ، وإن كان مَقْصودُها المالَ. فأمَّا إن كانتِ المرأةُ مُدَّعًى عليها القتلُ، فإن قُلْنا: إنَّه يُقْسِمُ مِن العَصَبَةِ رِجالٌ. لم تُقْسِمِ المرأةُ أيضًا؛ لأَنَّ ذلك مُخْتَصٌّ بالرِّجالِ. وإن قُلْنا: يُقْسِمُ المُدَّعَى عليه. فيَنْبَغِى أن تُسْتَحْلَفَ؛ لأنَّها لا (2) تُثْبِتُ بقَوْلِها حَقًّا ولا قتلًا، وإنَّما هى لتَبْرِئَتِها منه، فَتُشْرَعُ في حَقِّها اليَمِينُ، كما لو لم يكُنْ لَوْث. فعلى هذا، إذا كان في الأوْلياءِ [نِساءٌ و](3) رِجالٌ، أقْسَمَ الرِّجالُ، وسَقَط حُكمُ (4) النِّساءِ، وإن كان منهم صِبْيانٌ ورِجالٌ بالِغُونَ، أو كان منهم حاضِرون وغائِبون،
(1) بلفظ: «يحلف منكم خمسون رجلًا» أخرجه أبو داود، في: باب في ترك القود بالقسامة، من كتاب الديات. سنن أبى داود 2/ 487. والبيهقى، في: باب أصل القسامة. . .، من كتاب القسامة. السنن الكبرى 8/ 121، 122. وهو مرسل.
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
سقط من: الأصل، تش.
فَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا غَائب أَوْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، فَلِلْحَاضِرِ الْمُكَلَّفِ أَنْ يَخلِفَ وَيَسْتَحِقَّ نَصيبَهُ مِنَ الدِّيَةِ. وهلْ يَحْلِفُ
ــ
فإنَّ القَسامةَ لا تَثْبُتُ حتى يَحضُرَ الغائِبُ، ويَبْلُغَ الصَّبِىُّ؛ لأَنَّ الحَقَّ لا يثْبُتُ إلَّا بالبَيَنةِ الكاملةِ، والبَيِّنَةُ أيمانُ الأوْلياءِ كلِّهمِ، والأيمانُ لا تَدخُلُها النِّيابَةُ، ولأَنَّ الحَقَّ إن كان قِصاصًا، فلا يُمكِنُ تبْعِيضُه، فلا فائدةَ في قَسامَةِ الحاضرِ والبالغِ، وإن كان غيرَه، فلا يثْبُتُ إلَّا بواسِطَةِ ثُبُوتِ القتلِ، وهو لا يتبَعَّضُ أيضًا. وقال القاضى: إن كان القتلُ (1) عَمْدًا، لم يُقْسِمِ الكبيرُ حتى يَبْلُغَ الصغيرُ، ولا الحاضرُ حتى يَقْدَمَ الغائِبُ؛ لأَنَّ حَلِفَ الكبيرِ الحَاضرِ لا يُفِيدُ شيئًا في الحالِ. وإن كان مُوجِبًا للمالِ، كالخَطَأ وشِبْهِ العَمدِ، فللحاضِرِ المُكَلَّفِ أن يَحلِفَ، ويَسْتَحِقَّ قِسْطَه مِن الدِّيَةِ. وهذا قولُ أبى بكرٍ، ومذْهبُ الشافعىِّ. واخْتَلفوا في كم يُقْسِمُ الحاضِرُ؟ فقال ابنُ حامدٍ: يُقْسِمُ بقِسْطِه مِن الأيْمانِ، فإن كان الأوْلِياءُ اثْنَيْن، أقْسَمَ الحاضِرُ خَمسًا وعِشْرين يَمِينًا، وإن كانوا ثلاثةً، أقْسَمَ سَبْعَ عَشْرةَ يَمِينًا، وإن كانوا أربعةً، أقسَمَ ثلاثَ عَشْرةَ يَمِينًا، وكلَّما
(1) سقط من: الأصل.
خَمْسِينَ يَمِينًا أَوْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ؛ عَلَى وَجْهيْنِ. وَإِذَا قَدِمَ
ــ
قَدِمَ غائبٌ أقسمَ بقَدر ما عليه، واستَوْفَى (1) حَقَّه؛ لأنَّه لو كان الجميعُ حاضِرين، لم يَلْزَمه أكَثرُ مِن قِسْطِه، فكذلك إذا غاب بعضُهم، كما في سائرِ الحُقوقِ، ولأنَّه لا يَسْتَحِقُّ أكثرَ مِن قِسْطِه [مِن الدِّيَةِ، فلا يَلْزَمُه أكثرُ مِن قِسْطِه مِن الأيمانِ](2). وقال أبو بكرٍ: يَخلِف الأَوَّلُ خمسين يَمِينًا. وهو قولُ الشافعىِّ؛ لأَنَّ الحُكْمَ لا يثْبُتُ إلَّا بالبَيِّنةِ الكاملةِ، والبَيِّنةُ هى الأيمانُ كلُّها، ولذلك (3) لو ادَّعَى أحَدُهما دَيْنًا لأبيهِما، لم يَسْتَحِقَّ نَصِيبَه منه إلَّا بالبَيِّنةِ المُثْبِتَةِ لجميعِه، ولأَنَّ الخمسين في القَسامَةِ كاليَمِينِ الواحدةِ في سائرِ الحُقوقِ، ولو ادَّعَى مالًا له فيه شَرِكَةٌ، له به شاهِدٌ، لحَلَفَ يَمِينًا كاملةً، [كذا هذا](4). فإذا قَدِمَ الثانى، أقْسَمَ خمسًا وعشرين
(1) في الأصل: «استوى» .
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
في م: «كذلك» .
(4)
سقط من: م.
الْغَائِبُ أَوْ بَلَغَ الصَّبِىُّ، حَلَفَ خَمسًا وَعِشْرِينَ، وَلَهُ بَقِيَّتُهَا. وَالْأوْلَى عِنْدِى أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ شَيْئًا حَتَّى يَخلِفَ الآخَرُ.
ــ
يَمِينًا، وجهًا واحدًا عندَ أبى بكرٍ؛ لأنَّه يَبْنِى على أيْمانِ أخِيه المُتَقَدِّمةِ. وقال الشافعىُّ: فيه قولٌ آخرُ أنَّه (1) يَخلِفُ خمسين يَمِينًا أيضًا؛ لأَنَّ أخاه إنَّما اسْتَحَقَّ بخَمسين، فكذلك هو. وحُكِىَ نَحوُ ذلك عن أبى بكرٍ والقاضى أيضًا. فإذا قَدِمَ ثالث، أو (2) بَلَغَ، فعلى قولِ أبى بكرٍ، يَحلِف سبعَ عَشْرَةَ يَمِينًا؛ لأنَّه يَبْنِى على أيمانِ أخَوَيْه (3)، وكذلك على أحدِ
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «و» .
(3)
في الأصل: «أخيه» .