الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّانِى، أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ أَحْرَارٍ عُدُولٍ يَصِفُونَ الزِّنَى، وَيَجِيئُونَ في مَجْلسٍ وَاحِدٍ، سَوَاءٌ جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ أَوْ مُجْتَمِعِينَ.
ــ
وقال الحسنُ، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ، وابنُ أبى ليلى: يُقامُ عليه (1) الحَدُّ، ولا يُتْرَكُ؛ لأَنَّ ماعِزًا هَرَب فقَتَلُوه. وَرُوِىَ أنَّه قال: رُدُّونى إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فإنَّ قَوْمِى هم غَرُّونِى مِن نفسِى، وأخْبَرونى أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم غيرُ قاتِلى. فلم يَنْزِعُوا عنه حتَّى قَتَلُوه. أخْرَجَه أبو داودَ (2). وقد ذَكَرْنا ذلك في كتابِ الحُدُودِ.
4420 - مسألة: ومتى رَجَع المُقِرُّ بالحَدِّ عن إقْرارِه قُبِلَ منه، وقد ذَكَرْنا الخِلافَ فيه
. واللَّهُ أعلمُ.
(الثَّانِى، أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ أَحْرَارٍ عُدُولٍ يَصِفُونَ الزِّنَى، وَيَجِيئُونَ في مَجْلسٍ وَاحِدٍ، سَوَاءٌ جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ) يُشْتَرَطُ في شهودِ الزِّنَى سبعةُ شُروطٍ، ذَكَرها الخرَقِىُّ؛ أحدُها، أن يكونوا
(1) سقط من: م.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 208.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أربعةً، وهذا إجْماعٌ، ليس فيه اخْتلافٌ بينَ أهلِ العلمِ؛ لقولِ اللَّهِ تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} (1). وقال تعالى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} (2). وقال سعدُ بنُ عُبادَةَ لرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أرأْيتَ لو وَجَدْتُ مع امرأتِى رجُلًا، أُمْهِلُه حتَّى آتِىَ بأَرْبَعَةِ شُهداءَ؟ فقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم:«نَعَمْ» . رَواه مالكٌ، في «المُوَطَّأ» ، وأبو داودَ (3). الشرطُ الثانى، أن يكونُوا رجالًا كلُّهم، ولا تُقْبَلُ فيه شهادةُ النِّساءِ بحالٍ. ولا نعلمُ فيه خِلافًا، إلَّا شيئًا يُرْوَى عن عَطاءٍ، وحَمَّادٍ، أنَّه يُقْبَلُ فيه ثلاثةُ رِجالٍ وامْرأتان. وهو قولٌ شاذٌّ لا يُعَوَّلُ عليه؛ لأَنَّ لَفْظَ الأرْبعة اسمٌ لعَدَدِ المُذَكَّرِينَ (4)، ويَقْتَضِى أن يُكْتَفَى فيه بأربعةٍ، ولا خِلافَ في أنَّ الأربعةَ إذا كان بعضُهم نِساءً أنَّه
(1) سورة النور 4.
(2)
سورة النور 13.
(3)
أخرجه أبو داود، في: باب في من وجد مع أهله رجلا أيقتله؟ من كتاب الديات. سنن أبى داود 2/ 488. ومالك، في: باب القضاء في من وجد مع امرأته رجلا، من كتاب الأقضية، وفى: باب ما جاء في الرجم، من كتاب الحدود. الموطأ 2/ 737، 823.
كما أخرجه مسلم، في: كتاب اللعان. صحيح مسلم 2/ 1135، 1136.
(4)
في الأصل، تش، م:«المذكورين» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا يُكْتَفَى بهم، وأنَّ أقَلَّ ما يُجْزِئُ خمسةٌ، [وهذا خِلافُ النَّصِّ](1)، ولأَنَّ في شَهادَتِهِنَّ شُبْهَةً؛ لتَطَرُّقِ الضَّلالِ إليهنَّ، قال اللَّهُ تعالى، {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} (2). والحُدُودُ تُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ. الشَّرطُ الثالثُ، الحُرِّيَّةُ، فلا تُقْبَلُ شَهادَةُ العَبِيدِ. ولا نَعلمُ في ذلك خِلافًا، إلَّا رِوايةً حُكِيَتْ عن أحمدَ، وهو قولُ أبى ثَوْرٍ؛ لعُمومِ النُّصوصِ فيه، ولأنَّه عَدْل مسلمٌ ذَكَرٌ، فتُقْبَلُ شَهادَتُه، كالحُرِّ. ولَنا، أنَّه مُخْتَلَفٌ في شَهادَتِه في سائِرِ الحُقُوقِ، فيكونُ ذلك شُبْهَةً تَمْنَعُ مِن قَبولِ شَهادتِه في الحَدِّ؛ لأنَّه يَنْدَرئُ بالشُّبُهاتِ. الشَّرطُ الرابعُ، العَدالَةُ، ولا خِلافَ في اشْتراطِها، فإنَّها تُشْتَرَطُ. في سائرِ الشَّهاداتِ، فههُنا مع مَزِيدِ الاحْتِياطِ فيها أوْلَى، فلا تُقْبَلُ شَهادةُ الفاسِقِ، ولا مَسْتُورِ الحالِ الذى لا تُعْلَمُ عَدَالته؛ لجَوازِ أن يكونَ فاسِقًا. الشرطُ الخامسُ، أن يكونُوا مسلِمين، فلا تُقْبَلُ شهادةُ أهلِ الذِّمَّةِ فيه، سواءٌ كانتِ الشَّهادَةُ على مسلمٍ أو ذِمِّىٍّ؛ لأَنَّ أهْلَ الذِّمَّةِ كُفَّارٌ، لا تَتَحَقَّقُ العَدالَةُ فيهم، فلا تُقْبَلُ رِوايَتُهم ولا أخْبارُهم الدِّينِيَّةُ، ولا تُقْبَلُ شَهادَتُهم، كعَبَدَةِ الأوْثانِ. الشرطُ السادسُ، أن يَصِفُوا الزِّنَى، فيقُولوا: رَاينا ذَكَرَه في فَرْجِها، كالمِرْوَدِ في المُكْحُلَةِ، والرِّشَاءِ في البِئْرِ. وهذا قولُ مُعاويةَ بنِ أبى سفيانَ، والزُّهْرِىِّ،
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سورة البقرة 282.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والشافعىِّ، وأبى ثَوْرٍ، وابنِ المُنْذِرِ، وأصحابِ الرَّأْى؛ لِما رَوَينا في قِصَّةِ ماعِزٍ، أنَّه لمَّا أقَرَّ عندَ النبىِّ صلى الله عليه وسلم بالزِّنَى، فقال:«أَنِكْتَهَا؟» . فقال: نعم. قال: «حَتَّى غَابَ ذَاكَ مِنْكَ فِى ذَاكَ مِنْهَا، كما يَغِيبُ المِرْوَدُ في المُكْحُلَةِ، والرِّشَاءُ فِى البِئْرِ؟» . قال: نعم (1). وإذا اعْتُبِرَ التَّصرِيحُ في الإِقْرارِ، كان اعْتِبارُه في الشَّهادة أوْلَى. وروَى أبو داودَ (2) بإسْنادِه، عن جابرٍ، قال: جاءتِ اليهودُ برجُلٍ منهم وامرأةٍ زَنَيَا، فقال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«ائْتُونِى بأعْلَمٍ رَجُلَيْنِ مِنْكُمْ» . فأتَوْه بابْنَى صُوريا، فنَشَدَهما:«كَيْفَ تَجِدَانِ أمْرَ هذيْنِ فِى التَّوْرَاةِ؟» . [قالوا: نَجِدُ في التوراةِ](3) إذا شَهِدَ أرْبعةٌ أنَّهم رَاوا ذَكَرَه في فَرْجِها، مثلَ المِيلِ في المُكْحُلَةِ، رُجِما. قال:«فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَرْجُمُوهُمَا؟» قالا: ذهَبَ سُلْطَانُنا، وكَرِهْنا القتْلَ. فدَعا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بالشُّهودِ، فجاءَ أربعة، فشَهِدُوا أنَّهم رَأَوْا ذَكَرَه في فَرْجِها مثلَ المِيلِ في المُكْحُلَةِ، فأمَرَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم برَجْمِهِما. ولأنَّهم إذا لم يَصِفُوا الزِّنَى، احْتَملَ أن يكونَ المَشْهُودُ به لا يُوجِبُ الحَدَّ فاعْتُبرَ كَشْفُه. قال بعضُ أهلِ العلمِ: يجوزُ للشُّهودِ أن يَنْظُرُوا إلى ذلك منهما، لإِقامةِ الشَّهادَةِ عليهما ليَحصُلَ الرَّدْعُ بالحَدِّ، فإن شَهِدُوا أنَّهم رَأَوْا ذَكَرَه قد غَيَبّهَ في فَرْجِها كَفَى، والتَّشْبِيهُ تَأْكيدٌ.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 306.
(2)
أخرجه أبو داود، في: باب في رجم اليهوديين، من كتاب الحدود. سنن أبى داود 2/ 466.
(3)
في م: «قالا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فأمَّا تَعْيِينُ المَزْنِىِّ بها، إن كانتِ الشَّهادة على رجُلٍ، أو الزَّانِى إن كانتِ الشهادةُ على امرأةٍ، ومكانِ الزِّنَى، فذَكَر القاضى أنَّه يُشْتَرَطُ، لئلَّا تكونَ المرأةُ ممَّن اخْتلِفَ في إباحَتِها، ويُعْتَبَر ذِكْرُ المكانِ، لئلَّا تكونَ شهادة أحدِهم على غيرِ (1) الفِعْلِ الذى شَهِدَ به الآخَر، ولهذا سَألَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم فقال (2):«إِنَّكَ أَقْرَرْتَ أربَعًا، فَبِمَنْ؟» (3). وقال ابنُ حامِدٍ: لا (4) يُعْتَبَر ذِكْر هذيْن؛ لأنَّه لا يعْتَبَر ذكرهما في الإِقْرارِ، ولم يَأْتِ ذِكْرهما في الحديثِ الصَّحيحِ، وليس في حَديثِ الشهادةِ في رَجْمِ اليَهُودَيَّيْن ذِكْر المكانِ، ولأَنَّ ما لا يُشْتَرَطُ فيه ذِكْر الزَّمانِ، لا يُشْتَرَطُ فيه ذكْر المكانِ، كالنِّكاحِ، ويَبْطُلُ ما ذكَرُوه بالزَّمانِ. الشرطُ (2) السابعُ، مَجِئُ الشُّهودِ كُلِّهم في مجلسٍ واحدٍ. ذَكَرَه الخِرَقِىُّ، فقال: وإن جَاء أربعةٌ متفرِّقِين، والحاكم جالسٌ في مجلسِ حُكْمِه، لم يَقمْ قبلَ شهادَتِهم، وإن جاءَ بعضهم بعدَ أن قامَ الحاكمُ، كانوا قَذَفَةً، وعليهم الحَدُّ. وبهذا قال، مالكٌ، وأبو حنيفةَ. وقال الشافعىُّ، والبَتِّىُّ، وابن المُنْذِرِ: لا يُشْتَرَطُ ذلك؛ لقولِ اللَّهِ تعالى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} (5). ولم يَذْكرِ المجلس. وقال تعالى:
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: م.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 307.
(4)
سقط من: الأصل، تش.
(5)
سورة النور 13.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
{فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى الْبُيُوتِ} (1). ولأَنَّ كلَّ شهادةٍ مَقْبولةٌ إذا اتَّفَقَتْ، مَقْبُولةٌ إذا افْتَرَقَتْ في مَجالِسَ، كسائرِ الشَّهاداتِ. ولَنا، أنَّ أبا بَكْرَةَ، ونافِعًا، وشِبْلَ (2) ابنَ مَعْبدٍ، شَهِدُوا عندَ عمرَ، على المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ بالزِّنَى، ولم يَشهَدْ زِيادٌ، فحَدَّ الثلاثةَ (3). ولو كان المجلسُ غيرَ مُشْتَرَطٍ، لم يَجُزْ أن فحَدَّهم، لِجوازِ أن يَكْمُلُوا برابع في مجلس آخَرَ، ولأنَّه لو شَهِد ثلاثةٌ، فحَدَّهم، ثم جاءَ رابعٌ فشَهِدَ، لمِ تُقْبَلْ شَهادَتُه، ولولا اشْتراطُ المجلسِ، لَكَمَلَتْ شَهادَتُهم. وبهذا فارَق سائِرَ الشَّهاداتِ. وأمَّا الآيةُ فإنَّها لم تَتَعَرَّضْ للشُّروطِ، ولهذا لم تَذْكُرِ (4) العَدالَةَ، وصِفَةَ الزِّنى، ولأَنَّ قَوْلَه:{ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ} (5). لا يَخْلُو مِن أن يكونَ مُطْلَقًا في الزَّمانِ كلِّه، أو مُقَيَّدًا، لا يجوزُ أن يكونَ مُطْلقًا، لأنَّه يَمْنَعُ مِن جَوازِ جَلْدِهم، لأنَّه ما مِن زَمَن إلَّا (6) يجوزُ أن يَأْتِىَ فيه بأَرْبَعةِ شُهداءَ، أو بكَمالِهم إن كان قد شَهِد بعضُهم، فيَمْتَنِعُ جَلْدُهم المأمورُ به، فيكونُ
(1) سورة النساء 15.
(2)
في م: «سهل» .
(3)
أخرجه ابن أبى شيبة، في: باب الرجل يقذف الرجل. . .، من كتاب الحدود. المصنف 9/ 535. والبيهقى، في: باب شهود الزنى إذا لم يكملوا أربعة، من كتاب الحدود. السنن الكبرى 8/ 234، 235. وصححه في الإرواء 8/ 28 - 30.
(4)
في م: «يذكروا» .
(5)
سورة النور 4.
(6)
في الأصل: «لا» .