الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ شَهِدَ أَربَعَةٌ فَرَجَعَ أَحدُهُم قَبْلَ الْحَدِّ، فَلَا شَىْءَ عَلَى الرَّاجِعِ، وَيُحَدُّ الثَّلَاثَةُ، وَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُ بَعْدَ الْحَدِّ فَلَا حَدَّ عَلَى الثَّلَاثَةِ، ويَغْرَمُ الرَّاجِعُ رُبْعَ مَا أَتْلَفُوهُ.
ــ
4429 - مسألة: (وإن شَهِد أربعةٌ فرَجَعَ أحَدُهُم، فلا شئَ على الرَّاجِعِ، ويُحَدُّ الثلاثةُ، وإن كان رُجُوعُه بعد الحَدِّ، فلا حَدَّ على الثلاثةِ، ويَغْرَمُ الرَّاجِعُ رُبْعَ ما أتْلَفُوه)
وجملةُ ذلك، أنَّ الشُّهودَ إذا رَجَعُوا عن الشَّهادَةِ، أوِ واحدٌ نهم، ففيهم رِوايَتان؛ إحدَاهما، يجبُ الحَدُّ على الجميعِ؛ [لأنَّه نقَص عَدَدُ الشُّهودِ، فلَزِمَهم الحَدُّ، كما لو كانُوا ثلاثةً، وإن رَجَعُوا كلُّهم، فعليهم الحَدُّ](1)؛ لأنَّهم يُقِرُّونَ أنَّهم قَذَفَةٌ. وهو قولُ أبى حنيفةَ. والثانيةُ، يُحَدُّ الثلاثةُ دُونَ الرَّاجِعِ. اخْتارَها أبو بكرٍ، وابنُ حامدٍ؛ لأنَّه إذا رَجَع قبلَ الحَدِّ، فهو كالتَّائِبِ قبلَ تَنْفِيذِ الحُكْمِ بقولِه، فيَسْقُطُ عنه الحَدُّ؛ لأَنَّ في دَرْءِ الحَدِّ عنه تَمْكِينًا له مِن الرُّجوعِ الذى يَحْصُلُ به مصلحةُ [المَشْهُودِ عليه](2)، وفى إيجابِ الحَدِّ عليه زَجْرٌ له عن الرُّجُوعِ، خَوْفًا مِن الحَدِّ، فتَفُوتُ تلك المصلحةُ، وتَتَحَقَّقُ المَفْسَدَةُ،
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في م: «الشهود» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فناسَبَ ذلك نَفْىَ الحَدِّ عنه. وقال الشافعىُّ: يُحَدُّ الرَّاجِعُ دُونَ الثلاثةِ؛ لأنَّه أقَرَّ على نَفْسِه بالكَذِبِ في قَذْفِه، وأمَّا الثلاثةُ فقد وَجَب الحَدُّ بشَهادَتِهم، وإنَّما سَقَط بعدَ وُجوبِه برُجوعِ الرَّابعِ، ومَن وجَب الحَدُّ بشَهادَتِه، لم يَكُنْ قاذِفًا، فلم يُحَدَّ، كما لو لم يَرْجِعْ أحدٌ. ولَنا، أنَّه نَقَص العَدَدُ بالرُّجوعِ قبلَ إقامةِ الحَدِّ، فلَزِمَهم الحَدُّ، كما لو شَهِد ثلاثةٌ وامْتَنَعَ الرّابعُ مِن الشَّهادَةِ. وقولُهم: وَجَب الحَدُّ بشَهادَتِهم. يَبْطلُ بما إذا رَجَعُوا كلُّهم، وبالرَّاجعِ وحدَه، فإنَّ الحَدَّ وَجَب ثم سَقَط، ووَجَب الحَدُّ بسُقُوطِه، ولأَنَّ الحَدَّ إذا وَجَب على الرَّاجِعِ مع المصلحةِ في رُجُوعِه، بإسْقاطِ الحَدِّ عن المَشْهودِ عليه بعدَ وُجوبِه، وإحيائِه المشهودَ عليه بعدَ إشْرافِه على التَّلَف، فعلى غيرِه أوْلَى. فأمَّا إن كان رُجوعُه بعدَ الحَدِّ، فلا حَدَّ على الثلاثةِ؛ لأَنَّ إقامَةَ الحَدِّ كحُكْمِ الحاكِمِ، لا تَسْقُطُ برُجوعِ الشاهِدِ بعدَه، وعلى الرَّاجعِ رُبْعُ ما تَلِفَ بشَهادَتِهم، ويُذكَرُ ذلك في الرُّجوعُ عن الشَّهادةِ، إن شاءَ اللَّهُ تعالى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا ثَبَتَتِ الشَّهادَةُ بالزِّنَى، فصَدَّقَهم المَشْهودُ عليه، لم يَسْقُطِ الحَدُّ. وقال أبو حنيفةَ: يَسْقُطُ؛ لأَنَّ صِحَّةَ البَيِّنَةِ يُشْتَرَطُ لها الإنْكارُ، وما كَمَل الإِقْرارُ. ولَنا، قولُ اللَّهِ تعالى:{فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} (1). وبَيَّنَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم السَّبِيلَ بالحَدِّ، فتجبُ إقامَتُه، ولأَنَّ البَيِّنَةَ تَمَّتْ عليه، فوَجَب الحَدُّ، كما لو لم يَعْتَرِفْ، ولأَنَّ البَيِّنَةَ إحْدى حُجَّتىِ الزِّنَى، فلم تَبْطُلْ بوُجودِ الحُجَّةِ الأُخْرَى أو بَعْضِها، كالإِقْرارِ، يُحَقِّقُه أنَّ وُجودَ الإِقرارِ يُؤَكِّدُ البَيِّنَةَ ويوافِقُها، ولا يُنافِيها، فلا يَقْدَحُ فيها، كتَزْكِيَةِ الشُّهودِ، والثَّناءِ عليهم، ولا نُسَلِّمُ اشْتِراطَ الإِنْكارِ، وإنَّما يُكْتَفَى بالإِقْرارِ في غيرِ الحَدِّ إذا وُجِدَ بكَمالِه، وههُنا لم يَكْمُلْ، فلم يَجِبْ الاكتِفاءُ به، ووَجَب سَماعُ البَيِّنَةِ والعملُ بها. وعلى هذا، لو أقَرَّ مَرَّةً، أو دونَ الأرْبعِ، لم يَمْنَعْ ذلك سَماعَ البَيِّنَةِ عليه، ولو تَمَّتِ البَيِّنَةُ، وأقَرَّ على نَفْسِه إقْرارًا تامًّا، ثم رَجَع عن إقْرارِه، لم يَسْقُطْ عنه الحَدُّ برُجوعِه، وقولُه يَقْتَضِى خِلافَ ذلك.
(1) سورة النساء 15.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن شَهِد شاهدان، واعْتَرَفَ هو مَرَّتَيْن، لم تَكْمُلِ البَيِّنَةُ، ولم يَجِبِ الحَدُّ. لا نَعلمُ في ذلك خِلافًا بينَ مَن اعْتَبَرَ إقْرارَ أرْبَعِ مَرَّاتٍ، وهو قولُ أصحابِ الرَّأْى؛ لأَنَّ إحْدَى الحُجَّتَيْنِ لم تَكْمُلْ، ولا تُلَفَّقُ إحْدَاهما بالأُخْرَى، كإقْرارِ بعضَ مَرَّةٍ.
فصل: فإن كَمَلَتِ البَيِّنَةُ، ثم ماتَ الشُّهودُ أو غابُوا، جازَ الحُكمُ بها، وإقامةُ الحَدِّ. وبه قال الشافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا يُقامُ الحَدُّ؛ لجَوازِ أن يكونُوا رَجَعُوا، وهذه شُبْهَةٌ تَدْرَأُ الحَدَّ. ولَنا، أنَّ كلَّ شَهادةٍ جازَ الحُكْمُ بها مع حُضُورِ الشُّهودِ، جازَ الحكمُ مع غَيْبَتِهم، كسائرِ الشَّهاداتِ، واحْتمالُ رُجُوعِهم ليس بشُبْهَةٍ، كما لو حُكِمَ بشَهادتِهم.
فصل؛ وإن شَهِدُوا بزِنًى قديمٍ، أو أقَرَّ به، وَجَب الحَدُّ. وبهذا قال مالكٌ، والأوْزَاعِىُّ، والثَّوْرِىُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ. وقال أبو حنيفةَ: لا أقْبَلُ بَيِّنَةً على زِنًى قديمٍ، وأحُدُّه بالإِقْرارِ به. وهذا قولُ ابنِ حامدٍ: وذَكَرَه ابنُ أبى (1) موسى مذهبًا لأحمدَ؛ لِما رُوِى عن عمرَ، أنَّه قال: أيُّما شُهودٍ شَهِدُوا بحَدٍّ لم يَشْهَدُوا بحَضْرَتِه، فإنَّما هم شُهودُ ضِغْنٍ (2). ولأَنَّ تأْخِيرَه للشَّهادةِ إلى هذا الوَقْتِ، يدُلُّ على التُّهْمَةِ،
(1) سقط من: م.
(2)
أخرجه عبد الرزاق، في: المصنف 7/ 432. عن أبى عون عن عمر، رضى اللَّه عنه.