الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلَّا السَّيِّدَ، فَإِنَّ لَهُ إِقَامَةَ الْحَدِّ بِالْجَلْدِ خَاصَّةً عَلَى رَقِيقِهِ الْقِنِّ. وَهَلْ لَهُ الْقَتْلُ فِى الرِّدَّةِ، وَالْقَطْعُ فِى السَّرِقَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ــ
فوَجَب تَفْوِيضُه إلى نائبِ اللَّهِ تعالى في خَلْقِه، ولأَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان يُقِيمُ الحَدَّ في حَياتِه، وخُلَفاؤُه بعدَه. ولا يَلْزَمُ حُضُورُ الإِمامِ إقامَتَه؛ لأَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال:«وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إلَى امْرأَةِ هذَا، فَإن اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» (1). وأمَرَ برَجْمِ ماعزٍ، ولم يَحْضُرْ. وأُتِىَ بسارِقٍ، فقال:«اذْهبُوا بِهِ (2) فَاقْطَعُوهُ» (3). وجميعُ الحُدُودِ في هذا سَواءٌ، حَدُّ القَذْفِ وغيرُه؛ لأنَّه لا يُؤْمَنُ فيه مِن (4) الحَيْفِ (5) والزِّيادَةِ على الواجِبِ، ويَفْتَقِرُ إلى الاجْتِهادِ، فأشْبَهَ سائِرَ الحُدُودِ.
4372 - مسألة: (إلَّا السَّيِّدَ، فإنَّ له إقامَةَ الحَدِّ بالجَلْدِ خاصَّةً على رَقِيقِه القِنِّ. وهل له القَتْلُ في الرِّدَّةِ، والقَطْعُ في السَّرِقَةِ؟ على رِوايَتَيْن)
وجملةُ ذلك، أنَّ للسَّيِّدِ إقامَةَ الحَدِّ بالجَلْدِ على رَقِيقِه القِنِّ، في
(1) تقدم تخريجه في 13/ 450.
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
أخرجه الحاكم، في: المستدرك 4/ 381. والدارقطنى، في: سننه 3/ 102. والبيهقى، في: السنن الكبرى 8/ 271.
(4)
سقط من: م.
(5)
في الأصل: «الجنف» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قولِ أكثرِ العُلَماءِ (1). رُوِى نحوُ ذلك عن علىٍّ، وابنِ مسعودٍ، وابنِ عمرَ، وأبى حُمَيْدٍ (2) وأبى أُسَيْدٍ (3) السَّاعِدِيَّيْن، وفاطمةَ بِنْتِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وعَلْقَمَةَ، والأسْوَدِ، والحسنِ، والزُّهْرِىِّ، وهُبَيْرَةَ بنِ يَرِيمَ (4)، وأبى مَيْسَرَةَ، ومالكٍ، والثَّوْرِىِّ، والشافعىِّ، وأبى ثَوْرٍ، وابنِ المُنْذِرِ. وقال ابنُ أبى لَيْلَى: أدْرَكْتُ بَقايا الأنْصارِ يَجْلِدُونَ وَلائِدَهم في مَجالِسِهم الحُدودَ إذا زَنَوْا (5). وعن الحسنِ بنِ محمدٍ، أنَّ فاطمةَ حَدَّتْ جارِيَةً لها زَنَتْ (6). وعن إبراهيمَ، أنَّ عَلْقَمَةَ والأسْوَدَ كانا يُقِيمانِ الحُدُودَ على مَنْ زَنَى مِن خَدَمِ عشائِرِهم (7). روَى ذلك سعيدٌ، في «سُنَنِهِ». وقال أصحابُ الرَّأْى: ليس له ذلك؛ لأَنَّ الحُدُودَ إلى
(1) في الأصل: «أهل العلم» .
(2)
أبو حميد الساعدى الصحابى الأنصارى المدنى اسمه عبد الرحمن بن سعد، وقيل غير ذلك، من فقهاء الصحابة، شهد أحدا ومابعده، توفى سنة ستين، وقيل: سنة بضع وخمسين. الاستيعاب 4/ 1633، سير أعلام النبلاء 2/ 481.
(3)
مالك بن ربيعة بن البَدَن، أبو أسيد الساعدى، من كبراء الأنصار، شهد بدرا والمشاهد، ذهب بصره في أواخر عمره، توفى سنة أربعين. الاستيعاب 3/ 1351، 1352، سير أعلام النبلاء 2/ 538 - 540.
(4)
في الأصل، تش، ر 3:«مريم» ، وفى م:«وهبيرة والحسن بن أبى مريم» .
وهو هبيرة بن يريم الشيبانى الكوفى أبو الحارث، روى عن على وطلحة، وعنه أبو إسحاق السبيعى وأبو فاختة، توفى سنة ست وستين. تهذيب التهذيب 11/ 23، 24.
(5)
أخرجه البيهقى، في: السنن الكبرى 8/ 245.
(6)
أخرجه الإمام الشافعى، انظر: ترتيب المسند 2/ 79. وعبد الرزاق، في: المصنف 7/ 394. والبيهقى، في: السنن الكبرى 8/ 245.
(7)
أخرجه عبد الرزاق، في: المصنف 7/ 394.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
السُّلْطانِ، ولأَنَّ مَن لا يَمْلِكُ إقامَةَ [الحَدِّ على](1) الحُرِّ لا يَمْلِكُهُ على العَبْدِ، كالصَّبِىِّ، ولأَنَّ الحَدَّ لا يَجِبُ إلَّا ببيِّنَةٍ أو إقْرارٍ، وتُعْتَبَرُ لذلك شُرُوطٌ؛ مِن عَدالَةِ الشُّهُودِ، ومَجِيئِهم مُجْتَمِعِينَ، أو في مَجْلِسٍ واحدٍ، وذِكْرِ حَقِيقَةِ الزِّنى، وغيرِ ذلك مِن الشُّرُوطِ التى تَحْتاجُ إلى فَقِيهٍ يَعْرِفُها، ويَعْرِفُ الخِلافَ فيها، [والصَّوابَ منها](2)، وكذلك الإقْرارُ، فيَنْبَغِى أن يُفَوَّضَ ذلك إلى الإمام أو نائِبِه، كحَدِّ الأحْرارِ، ولأنَّه حَدُّ هو حَقٌّ للَّهِ تعالى، فَيُفَوَّضُ إلى الإمام، كالقَتْلِ والقَطْعِ. ولَنا، ما روَى سعيدٌ (3)، ثَنا سُفيانُ، عنَ أيُّوبَ بنِ موسى، عن سعيدِ بنِ أبى (4) سعيدٍ، عن أبى هُرَيْرَةَ، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أحَدِكُمْ،
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: م.
(3)
وأخرجه البخارى، في: باب بيع العبد الزانى، من كتاب البيوع، وفى: باب إذا زنت الأمة، من كتاب الحدود. صحيح البخارى 3/ 93، 8/ 213. ومسلم، في: باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنى، من كتاب الحدود. صحيح مسلم 3/ 1328، 1329. وأبو داود، في: باب في الأمة تزنى ولم تحصن، من كتاب الحدود. سنن أبى داود 2/ 470. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 249، 376، 422، 494.
(4)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فَتَبَيَّنَ زِناهَا، فَلْيَجْلِدْهَا، وَلَا يُثَرِّبْ (1) بِهَا، فإنْ عَادَتْ، فَلْيَجْلدْهَا، وَلَا يُثَرِّبْ بِهَا، فإنْ عَادَتْ، فَلْيَجْلِدْهَا، وَلَا يُثَرِّبْ بِها، فإنْ عَادَتِ الرَّابِعَةَ، فَلْيَجْلِدْهَا، وليَبِعْهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ (2)». وقال: حدَّثَنا أبو الأحْوَصِ، ثَنا عبدُ الأعْلَى، عن أبى جَمِيلَةَ، [عن علىٍّ](3)، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:«وأَقِيمُوا الحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» (4). ورَواه الدَّارَقُطْنِىُّ (5). ولأَنَّ السَّيِّدَ يَمْلِكُ تَأْدِيبَ أمَتِه وتَزْوِيجَها، فَمَلَكَ إقامَةَ
(1) ثَرَّبَ فلانا وعليه: لامه وعيره بذنبه.
(2)
ضفير: حبل.
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
وأخرجه أبو داود، في: باب في إقامة الحد على المريض، من كتاب الحدود. سنن أبى داود 2/ 471. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 95، 145.
(5)
في: سننه 3/ 158.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحَدِّ عليها، كالسُّلْطانِ. وبهذا فارَقَ الصَّبِىَّ. إذا ثَبَت هذا، فإنَّما يَمْلِكُ إقامَةَ (1) الحَدِّ بشُرُوطٍ أرْبَعَةٍ؛ أحَدُها، أن يكونَ جَلْدًا (2)، كحَدِّ الزِّنَى، والشُّرْبِ، وحَدِّ القَذْفِ، فأمَّا القَتْلُ في الرِّدَّةِ، والقَطْعُ في السَّرِقَةِ، فلا يَمْلِكُهما (3) إلَّا الإِمامُ. وهذا قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ. وفيهما (4) رِوايةٌ أُخْرَى، أنَّ السَّيِّدَ يَمْلِكُهُما. وهو ظاهِرُ مَذْهَبِ الشافعىِّ؛ لعُموم قولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«أَقِيمُوا الحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيمَانُكُمْ» . ورُوِىَ أنَّ ابنَ عُمَرَ قَطَع عبدًا سَرَقَ (5). وكذلك عائشةُ (6). وعن حَفْصَةَ أنَّها قَتَلَتْ أمَةً لها سَحَرَتْها (7). ولأَنَّ ذلك حَدٌّ، أَشْبَه الجَلْدَ. ولَنا، أنَّ الأَصْلَ تَفْوِيضُ
(1) سقط من: م.
(2)
في الأصل، تش:«حدا» .
(3)
في الأصل: «يملكها» .
(4)
في م: «فيها» .
(5)
أخرجه الإمام مالك، في: باب ما جاء في قطع الآبق والسارق. من كتاب الحدود. الموطأ 2/ 833.
والإمام الشافعى، انظر: الباب الثانى في حد السرقة. ترتيب المسند 2/ 83. وعبد الرزاق، في: المصنف 10/ 239.
(6)
أخرجه الإمام مالك، في: باب ما يجب فيه القطع، من كتاب الحدود. الموطأ 2/ 832، 833. والإمام الشافعى في: الباب السابق. ترتيب المسند 2/ 84، 85.
(7)
أخرجه الإمام مالك، في: باب ما جاء في الغيلة والسحر، من كتاب العقول. الموطأ 2/ 871. وعبد الرزاق، في: المصنف 10/ 180، 181. وابن أبى شيبة، في: المصنف 9/ 416، 10/ 136. والبيهقى، في: السنن الكبرى 8/ 136.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحَدِّ إلى الإِمامِ؛ لأنَّه حَقٌّ للَّهِ تعالى، فَيُفَوَّضُ إلى نائِبِه، كما في حَقِّ الأحْرارِ، ولِما ذَكَرَه أصحابُ أبى حنيفةَ، وإنَّما فُوِّضَ إلى السَّيِّدِ الجَلْدُ خاصَّةً؛ لأنَّه تأْدِيبٌ (1)، والسَّيِّدُ يَمْلِكُ تأديبَ عبدِه وضَرْبَه على الذَّنْبِ، وهذا مِن جِنْسِه، وإنَّما افْتَرَقا في أنَّ هذا مُقَدَّرٌ، والتأديبُ غيرُ مُقَدَّرٍ، وهذا لا أثَرَ له في مَنْعِ السَّيِّدِ منه، بخِلافِ القَطْعِ والقَتْلِ، فإنَّهما إتْلافٌ لجُمْلَتِه أو بعضِه الصَّحيحِ، ولا يَمْلِكُ السَّيِّدُ هذا مِن عبدِه، وِلا شيئًا مِن جِنْسِه، والخبرُ الوارِدُ في حَدِّ السَّيِّدِ عبدَه، إنَّما جاء في الزِّنَى خاصَّةً، وإنَّما قِسْنا عليه ما يُشْبِهُه مِن الجَلْدِ. وقولُه:«أَقِيمُوا الحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيمَانُكُمْ» . إنَّما جاء في سِياقِ الحَدِّ في الزِّنَى، فإنَّ أوَّلَ الحديثِ عن علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، قال: أُخْبِرَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم بأمَةٍ لهم (2) فَجَرَتْ، فأرْسَلَنِى إليها، فقال:«اجْلدْهَا الحَدَّ» . قال: فانطلَقْتُ فوَجَدْتُها لم تَجِفَّ مِن دَمِها، فرَجَعْتُ إليه، فقال:«أَفَرَغْتَ؟» فقلتُ: وَجَدْتُها لم تَجِفَّ مِن دَمِها. قال: «إذا جَفَّتْ مِنْ دَمِهَا، فَاجْلدْهَا الحَدَّ، وَأَقيمُوا الحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيمَانُكُمْ» (3). فالظَّاهِرُ أنَّه إنَّما أرادَ ذلك الحَدَّ وشِبْهَه. وأمَّا فِعْلُ حَفْصَةَ، فقد أنْكَرَه عُثمانُ عليها، وشَقَّ عليه.
(1) في تش: «نائب» .
(2)
في م: «له» .
(3)
بنحوه أخرجه الطحاوى عن أبى حميد عن على، في: باب حد البكر في الزنى، من كتاب الحدود. شرح معانى الآثار 3/ 136. =