الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْعَاقِلَةِ وَمَا تَحْمِلُهُ
عَاقِلَةُ الإِنْسَانِ عَصَبَاتُهُ كُلّهُمْ؛ قَرِيبُهُمْ وَبَعِيدُهُمْ مِنَ النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ، إِلَّا عَمُودَىْ نَسَبِهِ، آبَاؤُهُ وَأبنَاؤُهُ. وَعَنْهُ، أَنَّهُمْ مِنَ الْعَاقِلَةِ أَيْضًا.
ــ
بابُ العاقِلَةِ وما تحْمِلُه
(عاقِلَةُ الإِنْسانِ عَصَباتُه كلُّهم، قَريبُهم وبعيدُهم مِن النَّسَبِ والوَلاءِ، إلَّا عَمُودَىْ نَسَبِه، آباؤُه وأبْناؤُه. وعنه، أنَّهم مِن العاقِلَةِ أيضًا) اخْتَلَفَتِ الرِّوايةُ عن أحمدَ، رحمه الله، في العاقلةِ، فرُوِىَ عنه أنَّهم جَمِيعُ العَصَباتِ مِن النَّسَبِ والوَلاءِ، يَدْخُلُ فيهم الآباءُ، والأبْناءُ، والإِخْوةُ، وسائِرُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
العَصَباتِ مِن العُمُومةِ وأبْنائِهم. اخْتارَه أبو بكرٍ، والشَّريفُ أبو جعفرٍ. وهو مذهبُ مالكٍ وأبى حنيفة؛ لِما روَى عمرُو بنُ شُعَيْبٍ، عن أبِيه، عن جَدِّه، قال: قَضَى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أنَّ عَقْلَ المرأةِ بينَ عَصَبَتِها مَن كانوا لا يَرِثُون منها شيئًا إلَّا ما فضَلَ عن وَرَثَتِها، [وإن قُتِلَتْ فعَقْلُها بينَ ورَثَتِها](1). رَواه أبو داودَ (2). ولأنَّهم عَصَبةٌ، فأشْبَهُوا سائِرَ العَصَباتِ، يُحَقِّقُه أنَّ العَقْل موضوعٌ على التَّناصُرِ، وهم مِن أهْلِه، ولأَنَّ العَصَبةَ في تَحَمُّلِ العَقْلِ كهم في المِيراثِ، في تقْديمِ الأقْرَبِ فالأقْرَبِ، وآباؤُه وأبناؤُه أحَقُّ العَصَباتِ بمِيراثِه، فكانوا أوْلَى بتَحَمُّلِ عَقْلِه. وفيه رِوايةٌ ثانيةٌ، أنَّ الآباءَ والأبْناءَ ليسوا مِن العاقلةِ. وهو قولُ الشافعىِّ؛ لِمَا روَى أبو هُرَيْرَةَ، قال: اقْتَتَلَتِ امْرأتانِ من هُذَيْلٍ، فرَمَتْ إحْداهما الأُخْرَى بحَجَرٍ، فقَتَلَتْها، فاختَصَمُوا إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقَضَى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بدِيَةِ المرأةِ على عاقِلَتِها، ووَرَّثَها ولَدَها [ومَنْ](1) معهم. مُتَّفَقٌ عليه (3).
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في: باب ديات الأعضاء، من كتاب الديات. سنن أبى داود 2/ 496.
كما أخرجه النسائى، في: باب ذكر الاختلاف على خالد الحذاء، من كتاب القسامة. المجتبى 8/ 38. وابن ماجه، في: باب عقل المرأة على عصبتها وميراثها لولدها، من كتاب الديات. سنن ابن ماجه 2/ 884. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 224. وحسنه في الإرواء 7/ 332.
(3)
تقدم تخريجه في 25/ 38.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وفى روايةٍ: ثم ماتَتِ القاتِلَةُ، فجعلَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِيراثَها لبَنِيها، والعَقْلَ على العَصَبةِ (1). وفى رِوايةٍ عن جابرِ بنِ عبدِ اللَّهِ، قال: فجعلَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دِيَةَ المَقْتُولَةِ على عاقِلَتِها، وبَرَّأَ زَوْجَها ووَلَدَها. قال: فقالت عاقلةُ المَقْتُولَةِ: مِيراثُها لنا. فقال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مِيراثُهَا لِزَوْجِهَا ووَلَدِهَا» . رواه أبو داودَ (2). إذا ثبَتَ هذا في الأوْلادِ، قِسْنا عليه الوالدَ، لأنَّه في معْناه، ولأَنَّ مالَ ولَدِه ووَالِدِه كمالِه، ولهذا لم تُقْبَلْ شَهادَتُهِم له، ولا شَهادَتُه لهما (3)، ووجَبَ على كلِّ واحدٍ منهما الإِنْفاقُ على الآخَرِ إذا كان مُحْتاجًا والآخَرُ مُوسِرًا، فلا يجبُ في مالِه دِيَةٌ، كما لم تَجِبْ في مالِ القاتلِ. وفيه رِوايةٌ ثالثةٌ، أنَّ الإِخْوَةَ ليسوا مِن العاقلةِ، كالوالدِ والوَلَدِ. وهى ظاهِرُ كَلامِ الخِرَقِىِّ، وغيرُه مِن أصْحابِنا يَجْعَلُونهم مِن العاقلةِ بكلِّ حالٍ، ولا نعلمُ عن غيرِهم خِلافَهم.
(1) هذه الرواية أخرجها البخارى، في: باب جنين المرأة وأن العقل على الوالد. . .، من كتاب الديات. صحيح البخارى 9/ 14. ومسلم، في: باب دية الجنين. . .، من كتاب القسامة. صحيح مسلم 3/ 1309. وأبو داود، في: باب دية الجنين، من كتاب الديات. سنن أبى داود 2/ 499. والنسائى، في: باب دية جنين المرأة، من كتاب القسامة. المجتبى 8/ 42.
(2)
في: باب دية الجنين، من كتاب الديات. سنن أبى داود 2/ 498.
كما أخرجه ابن ماجه، في: باب عقل المرأة على عصبتها وميراثها لولدها، من كتاب الديات. سنن ابن ماجه 2/ 884.
(3)
في م: «لهم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن كان الوَلَدُ ابنَ ابنِ عَمٍّ، أو كان الوالِدُ أو الوَلَدُ مَوْلًى أو عَصَبةَ مَوْلًى، فإنَّه يَعْقِلُ في ظاهرِ كلام أحمدَ. قاله القاضى. وقال أصْحابُ الشَّافعىِّ: لا يَعْقِلُ؛ لأنَّه والِدٌ ووَلَدٌ، فلم يَعْقِلْ، كما لو لم يَكُنْ كذلك. ولَنا، أنَّه ابنُ ابنِ عَمٍّ، أو مَوْلًى، فيَعْقِلُ، كما لو لم يكُنْ وَلَدًا؛ وذلك لأَنَّ هذه القَرابَةَ أو الوَلاءَ سَبَبٌ يَسْتَقِلُّ بالحُكْمِ مُنْفَرِدًا، فإذا وُجِدَ مع ما لا يُثْبِتُ الحُكْمَ أثْبَتَه، كما لو وُجِدَ مع الرَّحِمِ المُجَرَّدِ (1)، ولأنَّه يَثْبُتُ حُكْمُه في (2) القَرابةِ الأُخْرَى، بدليلِ أنَّه يَلى نِكاحَها، مع أنَّ الابنَ لا (2) يَلى النِّكاحَ عندَهم.
فصل: وسائرُ العَصَباتِ مِن العاقلةِ، بَعُدوا أو قَرُبوا مِن النَّسَبِ، والمَوْلَى وعَصَبَتُه. وبهذا قال عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ، والنَّخَعِىّ، وحَمَّادٌ، ومالكٌ، والشَّافعىُّ. ولا أعلمُ عن غيرِهم خِلافَهم؛ وذلك لأنَّهم عَصَبةٌ يَرِثُونَ المالَ إذا لم يَكُنْ وَارِثٌ أقْرَب منهم، فيَدْخُلونَ في العَقْلِ، كالقَريبِ، ولا يُعْتَبَرُ أن يكونوا وارِثِين في الحالِ، بل متى كانوا يَرِثُونَ لولا الحَجْبُ عَقَلُوا؛ لأَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بالدِّيَةِ بينَ عَصَبةِ المرأةِ، مَن كانوا لا يَرِثُون منها إلا ما فَضَلَ عن وَرَثَتِها. ولأَنَّ المَوالِىَ مِن العَصَباتِ، فأشْبَهوا المُناسِبينَ.
(1) في تش: «المحرم» .
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: العاقِلَةُ مَن تَحْمِلُ العَقْلَ. والعَقْلُ: الدِّيَةُ. سُمِّيَتْ عَقْلًا (1)؛ لأنَّها تَعْقِلُ لِسانَ وَلِىِّ المَقْتُولِ. وقيل: إنَّما سُمِّيَتِ العاقلةَ؛ لأنَّهم يَمْنَعُونَ عن القاتلِ، والعَقْلُ المَنْعُ، ولهذا سُمِّىَ بعضُ العُلُومِ عَقْلًا؛ لأنَّه يَمْنَعُ من الإِقْدامِ مِن المَضارِّ. ولا خِلافَ بين أهلِ العلمِ في أنَّ العاقِلَةَ العَصَباتُ، وأنَّ غَيْرَهم مِن الإِخْوَةِ مِن الأُمِّ، وسائر ذَوِى الأرْحامِ، والزَّوْجِ، وكلِّ من عدَا العَصباتِ، ليسوا مِن العاقلةِ.
ولا يَعْقِلُ المَوْلَى من أسْفَلَ. وبه قال أبو حنيفةَ، وأصْحابُ مالكٍ. وقال الشافعىُّ في أحَدِ قَوْلَيْه: يَعْقِل؛ لأنَّهما شَخْصان يَعْقِل أحَدُهما صاحِبَه، فيَعْقِلُ الآخَرُ عنه، كالأخَوَين (2). ولَنا، أنَّه ليس بعَصَبةٍ له، ولا وَارِثٍ، فلها يَعْقِلْ عنه (3)، كالأجْنَبِىِّ، وما ذكَرُوه يَبْطُل بالذَّكَرِ مع الأُنْثَى، والصَّغيرِ مع الكبيرِ، والعاقلِ مع المَجْنُونِ.
فصل: ولا يَعْقِل مَوْلى المُوالاةِ، وهو الذى يُوالى رَجُلًا يَجْعَلُ له
(1) في م: «عاقلة» .
(2)
في م: «كالآخرين» .
(3)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَلاءَه ونُصْرَتَه، ولا الحَليفُ، وهو الرجلُ يُحالِفُ آخَرَ على أن يَتَناصَرا على دَفْعِ الظُّلْمِ، وَيَتَضافَرا على مَن قَصَدَهُما أو قَصَدَ أحَدَهُما، ولا العَدِيدُ، وهو الذى لا عَشِيرةَ له، يَنْضَمُّ إلى العَشيرَةِ، فيَعُدُّ نَفْسَه منهم. وبهذا قال الشافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: يَعْقِلُ مَوْلَى المُوالاةِ ويَرِثُ. وقال مالكٌ: إذا كان الرجلُ في غيرِ عَشِيرَتِه، فعَقْلُه على القَوْمِ الذين هو معهم. ولَنا، أنَّه مَعْنًى يتَعَلَّقُ بالتَّعْصِيبِ، فلا يُسْتَحَقُّ بذلك، كوِلايةِ النِّكاحِ.
فصل: ولا مَدْخَلَ لأهْلِ الدِّيوانِ في المُعاقَلَةِ (1). وبهذا قال الشافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: يتَحَمَّلُونَ جَمِيعَ الدِّيَةِ، فإن عُدِمُوا، فالأقارِبُ حِينئِذٍ يَعْقِلُونَ؛ لأَنَّ عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، جَعَلَ الدِّيَةَ على أهلِ (2) الدِّيوانِ في الأَعْطِيَةِ إلى ثلاثِ سِنِينَ (3). ولَنا، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم
(1) في الأصل، تش، م:«العاقلة» .
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
تقدم تخريجه في 25/ 313.