الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
وَمَنْ قَتَلَ أَوْ أتَى حَدًّا خَارِجَ الْحرَمِ، ثُمَّ لَجَأَ إِلَيْهِ،
ــ
قَطْعِ يَمِينِه، إن قُلْنا: تُقْطَعُ ثَمَّ. قُطِعَتْ ههُنا، وإلَّا فلا. وإن سَرَق وأخَذَ المالَ في المُحارَبةِ، قُطِعَتْ يَدُه اليُمْنَى لأسْبَقِهما، فإن كانتِ المُحارَبةُ سابقةً، قُطِعَتْ يَدُه اليُمْنَى ورِجْلُه اليُسْرَى في مَقامٍ واحدٍ، وحُسِمتا. وهل تُقْطَعُ يُسْرَى يَدَيْه للسَّرِقَةِ؟ على الرِّوايَتَيْن؛ فإن قُلْنا: تُقْطَعُ. انْتُظِرَ بُرْؤه مِن القَطْعِ للمُحارَبةِ؛ لأنَّهما حَدَّان. وإن كانتِ السَّرقَةُ سابقةً، قُطِعَتْ يُمْناه للسَّرِقَةِ، ولا تُقْطَعُ رِجْلُه للمُحارَبَةِ حتى تَبْرَأَ يَدُه. وهل تُقْطَعُ يُسْرَى يَدَيْه للمُحارَبةِ؟ على وَجْهَيْن.
فصل: وإن سَرَق وقَتَل في المُحارَبَةِ، ولم يَأْخُذِ المالَ، قُتِلَ حَتْمًا، ولم يُصْلَبْ، ولم تُقْطَعْ يَدُه؛ لأنَّهما حَدَّان فيهما قَتْل، فدَخَل ما دونَ القَتْل فيه، ولم يُصْلَبْ؛ لأَنَّ الصَّلْبَ مِن تَمامِ حَدِّ قاطِعِ الطَّريقِ إذا أخَذ المالَ مع القتلِ، ولم يُوجَدْ، وهذان حَدَّان كلُّ واحدٍ منهما مُنْفَصِلٌ عن صاحِبِه، فإذا اجْتَمَعا تَداخَلا. وإن قَتَل في المُحارَبةِ جماعةً، قُتِلَ بالأوَّلِ حَتْمًا، وللباقِينَ دِيَاتُ أوْلِيائِهم؛ لأَنَّ قَتْلَه اسْتُحِقَّ بقَتْلِ الأَوَّلِ، وتَحَتَّمَ بحيثُ لا يسْقُطُ، فتَعَيَّنتْ حُقوقُ الباقِين في الدِّيَةِ، كما لو مات (1).
فصل (2): (ومَن قَتَل، أو أتَى حَدًّا خارِجَ الحَرَمِ، ثم لَجَأ
(1) إلى هنا ينتهى الجزء السابع من نسخة أحمد الثالث.
(2)
بداية الجزء الثامن من نسخة أحمد الثالث والتى هى الأصل.
لَمْ يُسْتَوْفَ مِنْهُ فِيهِ، وَلَكِنْ لَا يُبَايَعُ وَلَا يُشَارَى حَتَّى يَخْرُجَ فَيُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ.
ــ
إليه، لم يُسْتَوْفَ منه فيه، ولكن لا يُبايَعُ ولا يُشارَى حتى يَخْرُجَ فيُقامَ عليه الحَدُّ) وجملةُ ذلك، أنَّ مَن قَتَل خارِجَ الحرمِ، ثم لَجَأ إليه، لم يُسْتَوْفَ منه فيه. هذا قولُ ابنِ عباسٍ، وعَطاءٍ، وعُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، والزُّهْرِىِّ، ومُجاهِدٍ، وإسْحاقَ، والشَّعْبِىِّ، وأبى حنيفةَ وأصحابه. وأمَّا غيرُ القَتْلِ مِن الحُدودِ كلِّها والقِصاصِ فيما دُونَ النَّفْسِ، فعن أحمدَ فيه رِوِايَتان، إحْداهما، لا يُسْتَوْفَى مِن المُلْتَجِئ إلى الحَرَمِ فيه. والثانيةُ، يُسْتَوْفَى. وهذا مذهبُ أبى حنيفةَ؛ لأَنَّ المَرْوِىَّ عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم النَّهْىُ عن القتلِ بقَوْلِه عليه السلام:«فَلَا يُسْفَكُ فِيهَا دَمٌ» (1). وحُرْمَةُ النَّفْسِ أعْظَمُ، فلا يُقاسُ عليها غيرُها، ولأَنَّ الحَدَّ بالجَلْدِ جَرَى مَجْرَى التَّأْدِيبِ، فلم يُمْنَعْ منه، كتَأْدِيبِ السَّيِّدِ عبدَه. والأُولَى ظاهِرُ المذْهبِ، وظاهِرُ قَوْل الخِرَقِىِّ. قال أبو بكرٍ: هذه مسألةٌ وَجَدْتُها لحَنْبَلٍ عن عَمِّه، أنَّ
(1) أخرجه البخارى، في: باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب، من كتاب العلم، وفى: باب حدثنى محمد ابن بشار. . .، من كتاب المغازى. صحيح البخارى 1/ 37، 5/ 190. ومسلم، في: باب تحريم مكة وصيدها وخلاها. . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 987. والترمذى، في: باب ما جاء في حرمة مكة، من أبواب الحج. عارضة الأحوذى 4/ 23. والنسائى، في: باب تحريم القتال فيه، من كتاب مناسك الحج. المجتبى 5/ 161. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 31، 32.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحُدودَ كلَّها تُقامُ في الحَرَمِ، إلَّا القَتلَ، والعملُ على أنَّ (1) كلَّ جانٍ دَخَل الحَرَمَ، لم يُقَمْ عليه الحَدُّ حتى يَخْرُجَ منه. وقال مالكٌ، والشافعىُّ، وابنُ المُنْذِرِ: يُسْتَوْفَى منه؛ لعُمُومِ الأمْرِ بجَلْدِ الزَّانِى، وقَطْعِ السَّارِقِ، واسْتِيفاء القِصاصِ مِن غيرِ تَخْصِيص بمكانٍ دونَ مكانٍ، وقد رُوىَ عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال: إنَّ الحَرَمَ لَا يُعِيذُ عاصِيًا، وَلَا فَارًّا بخَرْبَةٍ (2) وَلَا دَمٍ (3). وقد أمَر النبىُّ صلى الله عليه وسلم بقَتْلِ ابنَ خَطَلٍ وهو مُتَعَلِّقٌ بأسْتارِ الكَعْبَةِ (4). حديثٌ حسنٌ (5) صحيحٌ. ولأنَّه حَيَوانٌ أُبِيحَ قَتْلُه
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في م: «بجزية» .
والخربة، بفتح الخاء على المشهور، ويقال: بالضم، وأصلها سرقة الإبل، وتطلق على كل خيانة. وفسرها البخارى بأنها البلية.
وأما الجزية فحكاها في الفتح عن الكرمانى واستغربها. فتح البارى 4/ 45.
(3)
هذا من كلام عمرو بن سعيد الأشدق كما سيذكر الشارح. وهو موجود في المصادر السابقة إلا النسائى.
(4)
أخرجه البخارى، في: باب قتل الأسير، من كتاب الجهاد، وفى: باب أين ركز النبى صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح، من كتاب المغازى. صحيح البخارى 4/ 82، 5/ 188. ومسلم، في: باب جواز دخول مكة بغير إحرام، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 989، 990. وأبو داود، في: باب قتل الأسير. . .، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 54، 55. والترمذى، في: باب ما جاء في المغفر، من أبواب الجهاد. عارضة الأحوذى 7/ 186. والنسائى، في: باب دخول مكة بغر إحرام، من كتاب مناسك الحج، وفى: باب الحكم في المرتد، من كتاب تحريم الدم. المجتبى 5/ 158، 7/ 97. والدارمى، في: باب في دخول مكة بغير إحرام. . .، من كتاب المناسك، وفى: باب كيف دخل النبى صلى الله عليه وسلم مكة. . .، من كتاب السير. سنن الدارمى 2/ 73، 221. والإمام مالك، في: باب جامع الحج، من كتاب الحج. الموطأ 1/ 423. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 164، 186، 231، 233، 240.
(5)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لعصْيانِه، فأشْبَهَ الكَلْبَ العَقُورَ. ولَنا، قولُ اللَّهِ تعالى:{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} (1). يعنى الحرم، بدليلِ قولِه تعالى:{فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} (1). والخبرُ أُرِيدَ به الأمْرُ؛ لأنَّه (2) لو أُرِيدَ به (3) الخبرُ، لأفْضَى إلى وُقُوعِ الخبرِ خِلافَ المُخْبرِ. وقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلا يَحِلُّ لامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليومِ الآخِرِ، أَنْ يَسْفِكَ فيها دَمًا، ولا يَعْضِدَ بها شَجَرةً، فإنْ أحدٌ تَرَخَّصَ لقِتالِ رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُولوا: إنَّ اللَّهَ أَذِنَ لرَسُولِه، ولمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وإنَّما أذِنَ لى سَاعَةً مِن نَهَارٍ، وقد عادتْ حُرمَتُها اليوْمَ كحُرْمَتِها بالأمسِ، فليُبَلِّغِ الشَّاهدُ (4) الغَائبَ» . . وقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاواتِ والأرْضَ، وَإنَّمَا أُحِلَّتْ لِى سَاعَةَّ مَنْ نَهَارٍ، ثُمَّ عَادَتْ إلَى حُرْمَتِهَا، فَلَا يُسْفَكُ فِيهَا دَمٌ» . مُتَّفقٌ عليهما (5). والحُجَّةُ فيه مِن
(1) سورة آل عمران 97.
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
سقط من: م.
(4)
بعده في الأصل: «منكم» . وهو في المسند 4/ 32.
(5)
الأول تقدم تخريجه في صفحة 222.
والثانى أخرجه دون آخره البخارى، في: باب لا يعضد شجر الحرم، من كتاب المحصر وجزاء الصيد. صحيح البخارى 3/ 18. ومسلم، في: باب تحريم مكة وصيدها. . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 986، 987.
كما أخرجه النسائى، في: باب حرم مكة، وباب تحريم القتال فيه، من كتاب مناسك الحج. المجتبى 5/ 160، 161. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 253، 259، 315، 316. كلهم من حديث ابن عباس.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَجْهَيْن؛ أحدُهما، أنَّه حَرَّمَ سَفْكَ الدَّم بها على الإِطْلاقِ، وتَخْصِيصُ مَكَّةَ بهذا يَدُلُّ على أنَّه أرادَ العُمُومَ، فإنَّه لو أرادَ سَفْكَ الدَّمِ الحرامِ، لم تَخْتَصَّ به مكةُ، فلا يكونُ التَّخْصِيصُ مُفِيدًا. والثانى، قولُه:«إِنَّما أُحِلَّتْ لِى سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ عَادَتْ حُرْمَتُهَا» . ومَعْلُومٌ أنَّه إنَّما أُحِلَّ له سفْكُ دَمٍ حَلالٍ في غيرِ الحَرَمِ، فحَرَّمَها الحَرَمُ، ثم أُحِلَّتْ له ساعةً، ثم عادتِ الحُرْمَةُ، ثم أكَّدَ هذا بمنْعِه قياسَ غيرِه عليه. والاقْتِداءُ به بقولِه:«فَإن أحَدٌ تَرَخَّصَ بقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقُولُوا: إنَّ اللَّهَ أذِنَ لِرَسُولِه، وَلَمْ يَأذَنْ لَكُمْ» . وهذا يَدْفَعُ ما احْتَجُّوا به مِن قَتْلِ ابنِ خَطَلٍ، فإنَّه مِن رُخْصَةِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، التى مَنَعَ النَّاسَ أن يَقْتَدُوا به فيها، وبَيَّنَ أنَّها له على الخُصوصِ، وما رَوَوْه مِن الحديثِ، فهو مِن كلامِ عمرِو ابنِ سعيدٍ الأشْدَقِ، يَرُدُّ به قولَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حينَ روَى له أبو شُرَيحٍ هذا الحديثَ، وقولُ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أحَقُّ أن يُتَّبَعَ. وأمَّا جَلْدُ الزَّانِى، وقطعُ السَّارِقِ، والأمْرُ بالقِصاصِ، فإنَّما هو مُطْلَقٌ في الأمْكِنَةِ والأزْمِنَةِ، فإنَّه يَتَناوَلُ مَكانًا غيرَ مُعَيَّنٍ، ضَرُورَةَ أنَّه لا بُدَّ مِن مكانٍ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فيُمْكِنُ إقامَتُه في مكانٍ غيرِ الحَرَمِ، ثم لو كان عامًّا، فإنَّ ما رَوَيْناه خاصًّا يُخَصُّ به، مع أنَّه قد خُصَّ ممَّا ذكرُوه الحامِلُ، والمريضُ المرْجُوُّ بُرْؤُه، فتأخَّر الحدُّ عنه، وتأخَّرَ (1) قتلُ الحامِلِ، فجازَ أن يُخَصَّ أيضًا بما ذَكَرْناه. والقِياسُ على الكلبِ العَقورِ لا يَصِحُّ، فإنَّ ذلك طبعُه الأَذَى، فلم يُحَرِّمْه الحَرَمُ ليُدْفَعَ أذاه عن أهلِه، وأمَّا الآدَمِىُّ، فالأصْلُ فيه الحُرْمَة، وحُرْمَتُه عَظِيمَة، وإنَّما أُبِيحَ (2) لعارضٍ، فأشْبَهَ الصائِلَ مِن الحيواناتِ المُباحَةِ مِن المَأكُولاتِ، فإنَّ الحَرَمَ يَعْصِمُها. إذا ثَبَت هذا، فإنَّه لا يُبايَعُ، ولا يُشارَى، ولا يُطْعَمُ، ولا يُؤْوَى، ويُقالُ له: اتَّقِ اللَّهَ واخْرُجْ إلى الحِلِّ؛ ليُسْتَوْفَى منك الحَقُّ الذى قِبَلَكَ. فإذا خَرَج اسْتُوفِىَ حَقُّ اللَّهِ منه. وهذا قولُ جميعِ مَن ذَكَرْناه. وإنَّما كان كذلك، لأنَّه لو أُطْعِمَ أو أُوِىَ، لتَمَكَّنَ مِن الإِقامَةِ دائِمًا، فيضِيعُ الحَقُّ الذى عليه، وإذا مُنِعَ مِن ذلك، كان وسيلةً إلى خُرُوجِه فيُقامُ فيه حَقُّ اللَّهِ تعالى. وليس علينا إطْعامُه، كما أنَّ الصَّيْدَ لا يُصادُ في الحَرَمِ، وليس علينا القيامُ به. قال ابنُ عباسٍ، رحمه الله: مَن أصابَ حَدًّا، فلَجَأ إلى الحَرَمِ، فإنَّه لا يُجَالَسُ، ولا يُبايَعُ، ولا يُؤْوَى، ويَأتِيه الذى. يَطْلُبُه، فيقولُ: أىْ فلانُ، اتَّقِ اللَّهَ. فإذا خَرَج مِن الحَرَمِ، أُقِيمَ عليه الحَدُّ. رَواه الأثرَمُ (3). فإن قَتَل مَن له
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في الأصل: «صح» .
(3)
وأخرجه ابن جرير، في تفسيره 4/ 12، 13.