الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِذَا زَنَى الْحُرُّ الْمُحْصَنُ، فَحَدُّهُ الرَّجْمُ حَتَّى يَمُوتَ. وَهَلْ يُجْلَدُ قَبْلَ الرَّجْمَ؟ عَلَى رِوَايَتَين.
ــ
اللَّه لَهُنَّ سَبِيلًا، فبَيَّنَتِ السُّنَّةُ السَّبِيلَ، فكان بَيانًا لا نَسْخًا. ويُمْكِنُ أن يُقالَ: إنَّ نَسْخَه حَصَل بالقُرآنِ، فإنَّ الجَلْدَ (1) في كِتابِ اللَّهِ تَعالى، والرَّجْمَ كان فيه، فنُسِخَ رَسْمُه، وبَقِىَ حُكْمُه.
4398 - مسألة: (إذا زَنَى الحُرُّ المُحْصَنُ، فحَدُّه الرَّجْمُ حتى يَمُوتَ. وهل يُجْلَدُ قَبلَ الرَّجْمِ؟ على رِوايَتَيْن)
الكلامُ في هذه المسألةِ في فصولٍ ثلاثةٍ:
أحدُها، في وُجوبِ الرَّجْمِ على الزَّانِى المُحْصَنِ، رجلًا كان أو امرأةً. هذا قولُ عامَّةِ أهلِ العلمِ مِن الصَّحابةِ، والتَّابعِين، ومَن بَعْدَهم مِن عُلَماءِ الأمْصارِ في جميعِ الأعْصارِ، ولا نَعلمُ أحدًا خالفَ فيه إلَّا الخَوارِجَ، فإنَّهم قالُوا: الجَلْدُ للبِكْرِ والثيبِ، لقَوْلِ اللَّهِ تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (2). وقالوا (3): لا يجوزُ تَرْكُ كتابِ اللَّهِ تعالى الثابتَ بالقَطْعِ واليَقِينِ، لأخْبارِ آحادٍ يجوزُ (4)
(1) بعده في م: «كان» .
(2)
سورة النور 2.
(3)
في م: «قال» .
(4)
في الأصل: «لا يجوز» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الكَذِبُ فيها، ولأَنَّ هذا يُفْضِى إلى نَسْخِ الكِتابِ بالسُّنَّةِ، وهو غيرُ جائِزٍ. ولَنا، أنَّه قد ثَبَت الرَّجْمُ عن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بقَوْلِه وفِعْلِه، في أخْبارٍ تُشْبِهُ المُتَواتِرَ، وأجْمَعَ عليه أصحابُ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على ما نَذْكُرُه في أثْناءِ البابِ في مَواضِعِه، إن شاءَ اللَّهُ تعالى، وقد أنزَلَه اللَّهُ تَعالى في كتابِه، وإنَّما نُسِخَ رَسْمُه دُونَ حُكْمِه، فرُوِىَ عن عمرَ بنِ الخَطَّابِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه قال: إنَّ اللَّهَ تعالى بَعَث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحَقِّ، وأنْزَلَ عليه الكِتابَ، فكان فيما أنْزَلَ عليه آيةُ الرَّجْمِ، فقَرَأتها وعَقَلْتُها ووَعَيْتُها، ورَجَم رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ورَجَمْنا بعدَه. فأخْشَى إن طال بالنَّاسِ زَمانٌ، يقولُ قائِلٌ: ما نَجِدُ الرَّجْمَ في كتابِ اللَّهِ. فيَضِلُّوا بتَرْكِ فَرِيضَةٍ أنْزَلَها اللَّهُ تعالى، فالرَّجْمُ حَقٌّ على مَن زَنَى إذا أحْصَنَ، مِن الرِّجال والنِّساءِ، إذا قامَت به البَيِّنَةُ، أو كان الحَبَلُ، أو الاعْتِرافُ، وقد قَرَأْتُها:(الشَّيْخُ والشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُما البَتَّةَ نَكَالًا مِنَ اللَّه وَاللَّهُ عَزِيرٌ حَكِيمٌ). مُتَّفقٌ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عليه (1). وأمَّا آيَةُ الجَلْدِ، فنقولُ بها، فإنَّ الزَّانِىَ يجبُ جَلْدُه، فإن كان ثَيِّبًا رُجِمَ مع الجلدِ، والآيةُ لم تَتَعَرَّضْ لنَفْيِه (2). وإلى هذا أشارَ علىٌّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، حينَ جَلَد شُرَاحَةَ (3)، ثم رَجَمَها، [وقال] (4): جَلَدْتُها بكتابِ اللَّهِ، ثم رَجَمْتُها بسُنَّةِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (5). ثم لو قُلْنا: إنَّ الثَّيِّبَ لا يُجْلَدُ. لكان هذا تَخْصِيصًا للآيَةِ العامَّةِ، وهذا سائِغٌ بغيرِ خِلافٍ، فإنَّ عُمُوماتِ القُرْآنِ في الإِثْباتِ كلَّها مُخَصَّصَةٌ. وقولُهم: إنَّ هذا نَسْخٌ. ليس بصَحِيحٍ، وإنَّما هو تَخْصِيصٌ، ثم لو كان نَسْخًا، [لكان نَسْخًا](6) بالآيَةِ التى ذَكَرَها عمرُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه. وقد رَوَيْنا أنَّ رُسُلَ الخَوارِجِ جاءوا عمرَ بنَ عبدِ العزيزِ، رحمه الله، فكانَ مِن جُمْلَةِ ما عابُوا عليه الرَّجْمُ، وقالوا: ليس في كتابِ اللَّهِ إلَّا الجَلْدُ. وقالوا: الحائِضُ أوْجَبْتُم عليها قَضاءَ الصَّوْمِ دونَ الصَّلاةِ، والصلاةُ أوْكَدُ. فقال لهم عمرُ: وأنتُم لا تَأخُذونَ إلَّا بما في كتابِ اللَّهِ؟ قالوا: نعم. قال: فأخْبِرُونِى عن عَدَدِ الصَّلَواتِ المفْرُوضاتِ، وعَدَدِ رَكَعاتِها وأرْكَانِها وواجِباتِها، أين تَجِدُونَه في كتابِ اللَّهِ؟ وأخْبِرُونِى عمَّا تجبُ الزَّكاةُ فيه، ونُصُبِها، ومَقادِيرِها؟
(1) تقدم تخريجه في: 23/ 158.
(2)
في م: «إلى كيفية» .
(3)
سقط من: تش، م.
(4)
سقط من: م.
(5)
تقدم تخريجه في صفحة 197.
(6)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قالوا: أنْظِرْنا. فرَجَعُوا يَوْمَهم ذلك، فلم يَجِدوا شيئًا ممَّا سَألهم عنه في القُرْآنِ. فقالوا لم نَجِدْه في القُرْآنِ. قال: فكيفَ ذَهَبْتُم إليه؟ قالوا: لأَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَه، وفَعَلَه المسلمون بعدَه. فقال لهم: فكذلك الرَّجْمُ، وقَضاءُ الصَّوْم، [فإنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم رَجَم، ورَجَم خُلَفاؤُه بعدَه والمسلمون، وأَمَر النبىُّ صلى الله عليه وسلم بقَضاءِ الصَّوْمِ](1) دُونَ الصَّلاةِ، وفَعَل ذلك نِساؤُه ونِساءُ أصحابِه.
إذا ثَبَت هذا، فمعْنَى الرَّجْمِ أن يُرْمَى بالحِجارَةِ وغيرِها حتى يَمُوتَ بذلك. قال ابنُ المُنْذِرِ (2): أجْمَعَ أهلُ العلمِ على أنَّ المَرْجُومَ يُدَامُ عليه الرَّجْمُ حتى يَمُوتَ. ولأَنَّ إطلاقَ الرَّجْمِ يَقْتَضِى القَتْلَ به؛ لقَوْلِه تعالى: {لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} (3). وقد رَجَم رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اليَهُودِيَّين اللَّذَيْنِ زَنَيَا، وماعِزًا، والغامِدِيَّةَ، حتى ماتوا (4).
الفصلُ الثانى: أنَّه يُجْلَدُ، ثم يُرْجَمُ، في إحْدَى الرِّوايَتَيْن. فَعَل ذلك علىٌّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه. وبه قال ابنُ عباسٍ، وأُبَى بنُ كَعْبٍ، وأبو ذَرٍّ،
(1) سقط من: الأصل.
(2)
انظر: الإجماع 69.
(3)
سورة الشعراء 116.
(4)
تقدم تخريج حديث اليهوديين في 10/ 446، 447، وصفحة 197، وحديث ماعز والغامدية في صفحة 196، 204.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رَضِىَ اللَّهُ عنهم. واخْتارَه [وذَكَر ذلك أبو بَكرٍ عبدُ العزيزِ عنهم](1). وبه قال الحسنُ، وداودُ، وابنُ المُنْذِرِ. والرِّوايةُ الثَّانِيَةُ، يُرْجَمُ ولا يُجْلَدُ. رُوِى عن عمرَ وعثمانَ، أنَّهما رَجَما ولم يَجْلِدا. ورُوِىَ عن ابنِ مسعودٍ أنَّه قال: إذا اجْتَمَعَ حَدَّانِ للَّهِ، فيهما القَتْلُ، أحاطَ القَتْلُ بذلك (2). وبهذا قال النَّخَعِىُّ، والزُّهْرِىُّ، والأوْزَاعِىُّ، ومالكٌ، والشافعىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصحابُ الرَّأْى. واخْتارَه أبو إسحاقَ الجُوزْجَانِىُّ و [أبو بكرٍ](3) الأَثْرَمُ، ونَصَراه في «سُنَنِهما» ، لأَنَّ جابرًا روَى أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم رَجَم ماعِزًا ولم يَجْلِدْه (4)، ورَجَمَ الغامِدِيَّةَ ولم يَجْلِدْها. وقال:«وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إلى امْرَأةِ هذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» . مُتَّفَقٌ عليه (5). ولم يَأمُرْه بجَلْدِها، وكان هذا آخِرَ الأَمْرَيْن مِن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فيَجِبُ تَقْدِيمُه. قال الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أبا عبدِ اللَّهِ يقولُ في حديثِ عُبادَةَ: إنَّه أوَّلُ حَدٍّ (6) نَزَلَ، وإنَّ حديثَ ماعِزٍ بعدَه، رَجَمَه رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ولم يَجْلِدْه، وعمرُ رَجَم ولم يَجْلِدْ. ونَقَل عنه إسماعيلُ بنُ سعيدٍ
(1) سقط من: الأصل، تش، ر 3، ص.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 212.
(3)
سقط من: م.
(4)
انظر ما أخرجه ابن أبى شيبة، في: المصنف 10/ 83. والبيهقى، في: السنن الكبرى 8/ 212. كلاهما عن جابر بن سمرة.
(5)
تقدم تخريجه في: 13/ 450.
(6)
في الأصل، تش، م:«حديث» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نحوَ هذا. ولأنَّه حَدٌّ فيه قَتْلٌ، فلم يَجْتَمِعْ معه جَلْدٌ، كالرِّدَّةِ، ولأَنَّ الحُدُودَ إذا اجْتَمَعَتْ وفيها قَتْلٌ، سَقَط ما سِواهُ، فالحَدُّ الواحِدُ أَوْلَى. ووَجْهُ الرِّوايَةِ الأُولَى قولُه تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (1). وهذا عامٌّ، ثم جاءتِ السُّنَّةُ بالرَّجْمِ في حَقِّ الثَّيِّبِ، والتَّغْرِيبِ (2) في حَقِّ البِكْرِ، فوَجَبَ الجمعُ بينَهما. وإلى هذا أشارَ علىٌّ بقولِه: جَلَدْتُها بكتابِ اللَّهِ، ورَجَمْتُها بسُنَّةِ رسولِ اللَّهِ. وقد صَرَّحَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم بقوْلِه في حديثِ عُبادَةَ:«والثَّيِّبُ بالثَّيِّبِ، الْجَلْدُ والرَّجْمُ» (3). وهذا الصَّريحُ الثابِتُ بيَقِينٍ لا يُتْرَكُ إلَّا بمِثْلِه، والأحادِيثُ الباقِيَة ليست صَرِيحةً، فإنَّه ذَكَر الرَّجْمَ ولم يَذْكُرِ الجَلْدَ، فلا يُعارَضُ به الصَّرِيحُ، بدليلِ أنَّ التَّغْرِيبَ يجبُ بذِكْرِه في هذا الحديثِ، وليس بمَذْكُورٍ في الآيَةِ، ولأنَّه زانٍ، فَيُجْلَدُ كالبِكْرِ، ولأنَّه قد شُرِعَ في حَقِّ البِكرِ عُقوبَتانِ؛ الجَلْدُ، والتَّغْرِيبُ، فيكونُ الرجمُ (4) مكانَ التَّغْرِيبِ. فعلى هذه الرِّوايةِ، يَبْدأُ بالجَلْدِ أوَّلًا، ثم يَرْجُمُ، فإن وَالَى بينَهما جاز؛ لأَنَّ إتْلافَه مقصودٌ، فلا تَضُرُّ المُوالاةُ بينَهما، وإن جَلَدَه يومًا ثم رَجَمَه في آخَرَ، جاز، كما فَعَل علىٌّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، جَلَد شُراحَةَ يومَ الخميسِ، ثم رَجَمَها يومَ الجُمُعةِ.
(1) سورة النور 2.
(2)
في الأصل: «التعزير» .
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 236
(4)
في م: «الجلد في» .