الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يُزَادُ في التَّعْزِيرِ عَلَى عَشْرِ جَلَدَاتٍ، في عيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لِقَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:«ولَا يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ، إِلَّا في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» . وَعَنْهُ، مَا كَانَ سبَبُهُ الْوَطْءَ، كَوَطْءِ جَارِيَتِهِ الْمُشْتَرَكَةِ والْمُزَوَّجَةِ وَنَحْوِهِ، ضَرْبُ مِائَةٍ، ويَسْقُطُ عَنْهُ النَّفْىُ،
ــ
4474 - مسألة: (ولا يُزادُ في التَّعْزِيرِ على عَشْرِ جَلَداتٍ، في غيْرِ هذا المَوْضِعٍ. وعنه، ما كان سببُه الوَطْءَ، كوَطْءِ جارِيَتِه المُشْتَرَكَةِ والمُزَوَّجَةِ ونحْوِه، ضُرِبَ مائةً، ويَسْقُطُ عنه)
التَّغرِيبُ. اخْتلفَتِ الرِّوايةُ عن أحمدَ، رحمه الله، في قَدْرِ التَّعْزيرِ، فرُوِىَ عنه أنَّه لا يُزادُ على عشْرِ جَلَداتٍ. نَصَّ عليه في مَواضِعَ. وهو قولُ إسحاقَ؛ لِما روَى أبو بُرْدَةَ، قال: سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «لَا يُجْلَدُ أحَدٌ فَوْقَ عَشْرِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جَلَدَاتٍ، إلَّا في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ». مُتَّفَقٌ عليه (1). والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لَا يَبْلُغُ به الحَدَّ. وهو الَّذى ذَكَرَه الخِرَقِىُّ. فيَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ لا يَبْلُغُ به أدْنَى حَدٍّ (2) مَشْرُوعٍ. وهذا قولُ أبى حنيفةَ، والشافعىِّ. فعلى هذا، لا يَبْلُغُ به أربعين سَوْطًا؛ لأنَّها حَدُّ العَبْدِ في الخَمْرِ والقذفِ. وهذا قولُ أبى حنيفةَ. وإن قُلْنا: إنَّ حَدَّ الخمرِ أربعون. لم يَبْلُغْ به عشرين سَوْطًا في حَقِّ العبدِ، وأربعين في حَقِّ الحُرِّ. وهذا مذهبُ الشافعىِّ. فلا يُزادُ العبدُ على تسعةَ عشَرَ سَوْطًا، ولا الحُرُّ على تسعةٍ وثلاثين. وقال ابنُ أبى ليلى، وأبو يوسفَ: أدْنَى الحُدودِ ثمانون، فلا يُزادُ في التَّعْزِيرِ على تسعةٍ وسَبْعين. ويَحْتَمِلُ كلامُ أحمدَ والخِرَقِىِّ، أن لا يَبْلُغَ بكلِّ جِنايةٍ حدًّا مشروعًا في جِنْسِها، ويجوزُ أن يَزِيدَ على حَدِّ غيرِ جِنْسِها. فعلى هذا، ما كان سَبَبُه (3) الوَطْءَ، جازَ أن يُجْلَدَ مائةً إلَّا سَوْطًا؛ ليَنْقُصَ عن حَدِّ الزِّنَى، وما كان
(1) أخرجه البخارى، في: باب كم التعزير والأدب؟ من كتاب الحدود. صحيح البخارى 8/ 215. ومسلم، في: باب قدر أسواط التعزيز، من كتاب الحدود. صحيح مسلم 3/ 1332، 1333.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في التعزير، من كتاب الحدود. سنن أبى داود 2/ 476. والترمذى، في: باب في التعزير، من أبواب الحدود. عارضة الأحوذى 6/ 249، 250. وابن ماجه، في: باب التعزير، من كتاب الحدود. سنن ابن ماجه 2/ 867. والدارمى، في: باب التعزير في الذنوب، من كتاب الحدود. سنن الدارمى 2/ 176. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 45.
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
في الأصل: «يشبه» .
وَكَذَلِكَ يَتَخَرَّجُ في مَن أَتَى بَهِيمَةً. وَغَيْرُ الْوَطْءِ لَا يُبْلَغُ بِهِ أَدْنَى الْحُدُودِ.
ــ
سَبَبُه غيرَ الوَطْءِ، لم يَبْلُغْ به أدْنَى الحُدودِ (1)؛ لِما ذَكَرْنا من حديثِ النُّعْمانِ بنِ بَشِيرٍ، في الَّذى وَطِئَ جاريةَ امرأتِه بإذْنِها. أنَّه يُجْلَدُ مائةً. وهذا تَعْزِيرٌ؛ لأنَّه في حَقِّ المُحْصنِ إنَّما هو الرَّجْمُ. وعن سعيدِ بن المُسَيَّبِ، عن عمرَ، في أمَةٍ بينَ رجليْن، وَطِئَها أحدُهما: يُجْلَدُ الحَدَّ إلَّا سَوْطًا واحِدًا (2). رَواه الأثرَمُ، واحْتَجَّ به أحمدُ. قال القاضى: هذا عندى من نَصِّ أحمدَ لا يَقْتَضِى اخْتِلافًا في التَّعْزِيرِ، بل المذهبُ أنَّه لا يُزادُ على عَشْرِ جَلَداتٍ؛ اتِّبَاعًا للأثَرِ (3)، إلَّا في وَطْءِ جاريةِ امرأتِه؛ لحديثِ النُّعْمانِ، وفى الجارِيَةِ المُشتَرَكَةِ؛ لحديثِ عمرَ، وما عَدَاهما يَبْقَى على العُمومِ؛ لحديثِ أبى بُرْدَةَ. وهذا قولٌ حَسَنٌ (4). وإذا ثَبَت تَقْدِيرُ أكثَرِه، فليسَ أقَلُّه مُقَدَّرًا؛ لأنَّه لو تَقَدَّرَ لَكانَ حَدًّا، ولأَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قَدَّرَ أكثرَه، ولم يُقَدِّرْ أقَلَّه، فيُرجَعُ فيه إلى اجْتِهادِ الإِمامِ أو الحاكِمِ فيما يَراه،
(1) في الأصل: «الحد» .
(2)
أخرجه عبد الرزاق، في: باب الأمة فيها شركاء يصيبها بعضهم، من كتاب الطلاق. المصنف 7/ 358. وسعيد بن منصور، في: باب الأمة تكون بين الرجلين يصيبها أحدهما، من كتاب الطلاق. السنن 2/ 57. وابن أبى شيبة، في: باب في الجارية تكون بين رجلين. . .، من كتاب الحدود. المصنف 10/ 9.
(3)
في الأصل: «للآية» .
(4)
في الأصل، تش:«الحسن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وما يَقْتَضِيه حالُ الشَّخْصِ. وقال مالكٌ: يجوزُ أن يُزادَ التَّعْزِيرُ على الحَدِّ، إذا رَأَى الإِمامُ؛ لِما رُوِى أنَّ مَعْنَ بنَ زَائِدَةَ، عَمِلَ خاتَمًا على نَقْشِ خاتَمِ بيتِ المالِ، ثم جاءَ به صاحبَ بيتِ المالِ، فأخَذَ منه مالًا، فبَلَغَ عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، فضَرَبَه مائةً، وحَبَسه، وكُلِّمَ فيه، فضَرَبَه مائةً أُخْرَى، فكُلِّمَ فيه من بعدُ، فضربَه مائةً ونَفاه (1). وروَى أحمدُ بإسْنادِه، أنَّ عليًّا أُتِى بالنَّجَاشِىِّ قد شَرِب خَمْرًا في رمضانَ، فجَلَدَه (2)
(1) لم نجده فيما بين أيدينا. ومعن بن زائدة من أجواد العرب أدرك العصرين الأموى والعباسى، فكيف يدرك عمر رضى اللَّه عنه! انظر: وفيات الأعيان 5/ 244.
(2)
في م: «فضربه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثمانينَ الحَدَّ، وعشرينَ سَوْطًا لفِطْرِه في (1) رمضانَ (2). ورُوِىَ أنَّ أبا الأَسْوَدِ اسْتَخْلَفَه ابنُ عباسٍ على قضاءِ البصرةِ، فأُتِىَ بسارِقٍ قد كان جَمَعَ المَتاعَ في البيتِ، ولم يُخْرِجْه، فقال أبو الأسْوَدِ: أعْجَلْتُمُ المِسْكِينَ. فضَرَبَه خمسةً وعشرين سَوْطًا وخَلَّى سبيلَه (3). ولَنا، حديثُ أبى بُرْدَةَ، وهو صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عليه. وروَى الشَّالَنْجِىُّ (4) بإسْنادِه، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:«مَنْ بَلَغَ حَدًّا في غَيْرِ حَدٍّ، فَهُوَ مِنَ المُعْتَدِينَ» . ولأَنَّ العُقوبَةَ على قَدْرِ الإِجْرامِ، والمَعاصِىَ المَنْصُوصَ على حُدُودِها أعْظَمُ من غيرِها، فلا يجوزُ أن يَبْلُغَ في أهْوَنِ الأَمْرَيْن عُقُوبَةَ أعْظَمِهما. وما قالُوه يُفْضِى إلى أنَّ مَن قَبَّلَ امرأةَ حَرامًا، يُضْرَبُ أكثرَ مِن حَدِّ الزِّنَى، وهذا غيرُ جائزٍ، لأَنَّ الزِّنَى مع عِظَمِه وفُحْشِه، لا يجوزُ أن يُزَادَ على حَدِّه، فما دُونَه أوْلَى.
(1) سقط من: الأصل.
(2)
أخرجه عبد الرزاق، في: باب الشراب في رمضان وحلق الرأس، من كتاب الأشربة. المصنف 9/ 231. والطحاوى، شرح معانى الآثار 3/ 153، ومشكل الآثار 3/ 168.
(3)
أخرجه ابن أبى شيبة، في: باب في السارق يؤخذ قبل أن يخرج من البيت بالمتاع، من كتاب الحدود. المصنف 9/ 477.
(4)
وأخرجه البيهقى، في: باب ما جاء في التعزير وأنه لا يبلغ به أربعين، من كتاب الأشربة والحد فيها. السنن الكبرى 8/ 327. وقال: والمحفوظ هذا الحديث مرسل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فأمَّا حديثُ مَعْنٍ، فَلعَلَّه كانت له ذُنُوبٌ كثيرةٌ، فأُدِّبَ على جميعِها، أو تَكَرَّرَ منه الأخْذُ، أو كان ذَنْبُه مُشْتَمِلًا على جِناياتٍ؛ أحدُها، تَزْوِيرُه، والثانى، أخْذُه لمالِ (1) بيتِ المالِ بغيرِ حَقِّه، والثالثُ، فَتْحُه بابَ هذه الحِيلَةِ لغيرِه، وغيرُ هذا، وأمَّا حديثُ النَّجَاشِىِّ، فإنَّ عليًّا ضَرَبَه الحَدَّ لشُرْبِهِ، [ثم عَزَّرَه عشرين لفِطْرِه، فلم يبلُغْ بتَعْزِيرِه حَدًّا. وقد ذَهَب أحمدُ إلى هذا، ورَأَى أنَّ مَن شَرِب](2) الخمرَ في رمضانَ يُحَدُّ (1)، ثم يُعَزَّرُ؛ لجِنايَتِه من وَجْهَيْن. والذي يَدُلُّ على صِحَّةِ ما ذَكَرْناه، ما رُوِى أنَّ عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، كَتَب إلى أبى موسى، أن لا يَبْلُغَ بنَكالٍ أكثرَ من عشرينَ سَوْطًا (3).
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
أخرجه عبد الرزاق، في: باب لا يبلغ بالحدود العقوبات، من كتاب الطلاق. المصنف 7/ 413.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: والتَّعْزِيرُ يكونُ بالضَّرْبِ والحَبْسِ والتَّوْبِيخِ. ولا يجوزُ قَطْعُ شئٍ منه، ولا جَرْحُه، ولا أخْذُ مالِه؛ لأَنَّ الشَّرْعَ لم يَرِدْ بشئٍ من ذلك عن أحَدٍ يُقْتَدَى به، ولأَنَّ الواجِبَ أدَبٌ، والتَّأْدِيبُ لا يكونُ بالإِتْلافِ، وإن رَأَى الإِمامُ العَفْوَ عنه، جازَ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: والتَّعْزِيرُ فيما شُرِعَ فيه التَّعْزِيرُ واجِبٌ، إذا رَآه الإِمامُ. وبه قال مالكٌ، وأبو حنيفةَ. وقال الشافعىُّ: ليس بواجِبٍ؛ لأَنَّ رجلًا جاءَ إلى النبىِّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنِّى لَقِيتُ امرأةً، فأصَبْتُ منها ما دونَ أن أطأَها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فقال «أصَلَّيْتَ مَعَنَا؟» . قال: نعم. فَتَلا عليه: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (1). وقال في الأنْصارِ: «قْبَلُوا مِن مُحْسِنِهم، وتَجاوَزُوا عن مُسِيئِهم» (2). وقال رجلٌ للنبىِّ صلى الله عليه وسلم في حُكْمٍ حَكَم به للزُّبَيْرِ: أن كان ابنَ عَمَّتِكَ؟ فغَضِبَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم، فلم يُعَزِّرْه على مَقالَتِه (3). وقال
(1) سورة هود 114. والحديث تقدم تخريجه، في صفحة 282.
(2)
أخرجه البخارى، في: باب قول النبى صلى الله عليه وسلم: «اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم» ، من كتاب مناقب الأنصار. صحيح البخارى 5/ 43. ومسلم، في: باب من فضائل الأنصار رضى اللَّه تعالى عنهم، من عناب فضائل الصحابة. صحيح مسلم 4/ 1949. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 289، 290، 3/ 162، 176، 187.
(3)
تقدم تخريجه في 6/ 1421.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
له رجلٌ: إنَّ هذه لَقِسْمَةٌ ما أُرِيدَ بها وَجْهُ اللَّه (1). ولَنا، أنَّ ما كان من التَّعْزِيرِ مَنْصُوصًا عليه، كوَطْءِ جاريةِ امرأتِه، أو (2) جاريةٍ مُشْتَرَكَةٍ، فيَجِبُ امْتِثالُ الأمرِ فيه، وما لم يَكُنْ مَنْصُوصًا عليه، إذا رأى الإِمامُ المَصْلَحَةَ فيه، أو عَلِم أنَّه لا يَنْزَجِرُ إلَّا به، [وجَبَ؛ فإنَّه زَجْر](3) مَشْرُوعٌ لحَقِّ اللَّهِ تعالى، فوَجَبَ، كالحَدِّ. وإن رأى الإِمامُ العَفْوَ عنه
(1) أخرجه البخارى، في: باب حدثنى إسحاق بن نصر، من كتاب الأنبياء، وفى: باب الصبر على الأذى، من كتاب الأدب، وفى: باب إذا كانوا أكثر من ثلاثة. . .، من كتاب الاستئذان. صحيح البخارى 4/ 191، 8/ 31، 80. ومسلم، في: باب إعطاء المؤلفة قلوبهم، من كتاب الزكاة. صحيح مسلم 2/ 739. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 380، 411، 441.
(2)
في م: «و» .
(3)
في الأصل: «زاجر» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جازَ؛ لِما ذَكَرْنا من النُّصُوصِ. واللَّهُ أعلمُ. وإن كان التَّعْزِيرُ لحَقِّ آدَمِىٍّ فطَلَبَه، لَزِمَه إجابَتُه، كسائرِ حُقُوقِ الآدَمِيِّينِ.