الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني: الوصية، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: معناها وأدلة مشروعيتها:
1 -
تعريفها: الوصية لغة: معناها العهد إلى الغير، أو الأمر.
وشرعاً: هبة الإنسان غيره عيناً، أو ديناً، أو منفعة، على أن يملك الموصى له الهبة بعد موت الموصي.
وقد تشمل الوصية ما هو أعم من ذلك، فتكون بمعنى: الأمر بالتصرف بعد الموت -كما عرفها بعضهم بذلك- فتشمل الوصية لشخص بغسله، أو الصلاة عليه إماماً، أو دفع شيء من ماله لجهة.
2 -
أدلة مشروعيتها: وهي مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع:
لقوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)[البقرة: 180].
ولما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما حق امرئ مسلم، يبيت ليلتين، وله شيء يريد أن يوصي فيه، إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه)(1). وقد أجمع العلماء على جوازها.
المسألة الثانية: الأحكام المتعلقة بها:
ويتعلق بالوصية الأحكام الآتية:
1 -
يجب على المسلم أن يُدَوِّن ما له وما عليه من الحقوق في وصيةٍ يبين فيها ذلك؛ لحديث ابن عمر السابق.
2 -
تستحب الوصية بشيء من المال، يُصرف في طرق البر والخير والإحسان؛ ليصل إليه ثوابه بعد موته، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ الله تصدَّق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في
(1) متفق عليه: رواه البخاري برقم (2738)، ومسلم برقم (1627).
حسناتكم، ليجعلها لكم زيادة في أعمالكم) (1).
3 -
جواز الوصية بالثلث فأقل، أما جواز الثلث: فلحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته: أتصدق بثلثي مالي؟ قال: (لا)، قلت: فبالشطر؟ قال: (لا). قلت: فبالثلث؟ قال: (الثلث، والثلث كثير). وأما استحباب أقل من الثلث: فلقول ابن عباس رضي الله عنهما: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(الثلث، والثلث كثير)(2).
4 -
أن الوصية لا تصح بأكثر من ثلث ما يملك لمن له وارث؛ لحديث سعد ابن أبي وقاص المتقدم، إلا إذا أجاز الورثة ذلك. أما إذا لم يكن له وارث فتصح بالمال كله.
5 -
لا تصح الوصية لأحد من الورثة؛ لما روى أبو أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال:(إن الله قد أعطى كلَّ ذي حق حقَّه، فلا وصية لوارث)(3).
6 -
تحرم الوصية بأمر فيه معصية؛ لأنها شُرِعت لزيادة حسنات الموصي، كما مضى في حديث أبي الدرداء.
7 -
أن الدَّيْن والواجبات الشرعية كالزكاة والحج والكفارات مقدمة على الوصية لقوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ)[النساء: 11]، وقال عليٌّ رضي الله عنه:(قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية).
8 -
يشترط في الوصي أن يكون جائز التصرف في ماله، فيكون عاقلاً، بالغاً، حراً، مختاراً.
9 -
يحرم أن يوصِيَ لجهة معصية، كأن يوصي لمعابد الكفار، أو لشراء آلات
(1) تقدم تخريجه في الصفحة قبل السابقة.
(2)
متفق عليه: رواه البخاري (5/ 363)، ومسلم برقم (1628).
(3)
رواه أبو داود برقم (2853)، والترمذي برقم (2203)، وابن ماجه برقم (2713)، وصححه الشيخ الألباني (صحيح ابن ماجه رقم 2193).
اللهو أو نحو ذلك، وتكون وصية باطلة.
10 -
تستحب الوصية لمن له مال كثير ووارثه غير محتاج؛ لقوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ)[البقرة: 180]، والخير هو المال الكثير، وتكره لمن ماله قليل ووارثه محتاج؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس). وكثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ماتوا، ولم يوصوا.
11 -
تحرم الوصية إذا كان قصد الموصي المضارة بالورثة؛ لقوله تعالى: (غَيْرَ مُضَارٍّ)[النساء: 12].
12 -
لا يصح قبول الوصية ولا ملكها إلا بعد موت الموصي؛ لأن ذلك وقت ثبوت حقه، هذا إذا كانت الوصية لمعين، أما إن كانت لغير معين، كالفقراء والمساكين، أو على طلبة العلم، أو المساجد، ودور الأيتام، فإنها لا تحتاج إلى قبول وتلزم بمجرد الموت.
13 -
يجوز للموصي أن يرجع في وصيته أو بعضها، وله نقضها. قال عمر رضي الله عنه: يغير الرجل ما شاء من وصيته (1).
14 -
تصح الوصية لكل شخص يصح تمليكه سواء أكان مسلماً أم كافراً. قال تعالى: (إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا)[الأحزاب: 6].
(1) سنن البيهقي: (6/ 281). وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه (9/ 71) من قول عطاء وطاوس وأبي الشعثاء.