الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لمرض أو كبر سن بقيت الكفارة متعلقة في ذمته، ولا يجزئ عنه الإطعام؛ لأن الله تعالى لم يذكره، والأبدال في الكفارة تتوقف على النص دون القياس.
المسألة الرابعة: الجناية على ما دون النفس:
وهي كل أذى يقع على الإنسان مما لا يودي بحياته، من الجراح وقطع الأعضاء ونحو ذلك، ويجب في ذلك القصاص لثبوت ذلك بالكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب: فقوله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ)[المائدة: 45].
وأما السنة: فقوله صلى الله عليه وسلم في قصة كسر الرّبَيِّع ثنية جارية: (كتاب الله القصاص)(1). وأجمع العلماء على وجوب القصاص فيما دون النفس، إن أمكن.
وهي ثلاثة أنواع:
1 -
الجناية بالجرح.
2 -
قطع طرف.
3 -
إبطال منفعة عضو.
النوع الأول: الجناية بالجرح:
وهذه الجناية تنقسم إلى قسمين:
أ- الجراح الواقعة على الوجه والرأس وتسمى الشجاج، جمع شجة.
ب- الجراحات في سائر البدن، وتسمى جرحاً، لا شجة.
القسم الأول: الجراحات الواقعة في الرأس والوجه، وهي عشرة أنواع:
1 -
الحَارِصَة، وهي التي تحرص الجلد، أي: تشقه قليلاً، ولا تدميه، كالخدش، وتسمى القاشرة والمليطاء، من الحَرْص، وهو الشقُّ.
(1) أخرجه البخاري برقم (6894)، ومسلم برقم (1675).
2 -
الدامية، وهي التي تدمي موضعها من الشق (تدمي الجلد) فيخرج منها دم يسير، وتسمى البازلة والدامعة، تشبيها بخروج الدمع من العين.
3 -
الباضِعَة، وهي التي تبضع اللحم بعد الجلد، أي تشقه شقاً خفيفاً، ولا تبلغ العظم.
4 -
المتلاحمة، وهي التي تغوص في اللحم، ولا تبلغ الجلدة التي بين اللحم والعظم.
5 -
السِّمْحَاق، وهي التي تبلغ الجلدة الرقيقة بين اللحم والعظم من الرأس، سُميت الجراحة باسمها.
وهذه الخمس ليس فيها قصاص ولا دية، وإنما يجب فيها حكومة، والحكومة هي أن يقوّم المجني عليه قبل الجناية كأنه عبد، ثم يُقَوَّم، وهي به قد برئت، فما نقص من القيمة، فللمجني عليه مثل نسبته من الدية.
6 -
المُوَضِّحة، وهي التي تخرق السمحاق وتوضح العظم أي تكشفه، وفيها خمس من الإبل، نصف عشر الدية.
7 -
الهاشمة، وهي التي توضح العظم وتهشمه أي تكسره، وفيها عشر من الإبل.
8 -
المُنَقِّلة، وهي التي تنقل العظم من موضع لآخر، سواء أوضحته، وهشمته، أو لا، وفيها خمس عشرة من الإبل.
9 -
المأمومة، وهي التي تبلغ أم الدماغ أي: جلدة الدماغ المحيطة به، ويقال لها الآمَّة، وفيها ثلث دية النفس.
10 -
الدامغة، وهي التي تخرق جلدة الدماغ، وتصل إليه، وفيها ثلث دية النفس أيضاً.
ويضاف إلى ذلك الجائفة، وهي التي تصل إلى باطن الجوف، مما لا يظهر للرائي، كداخل بطن، وداخل ظهر، وصدر، وحلق، ومثانة، وهذه ليست من
الشجاج، لأنها ليست في الرأس أو الوجه، إلا أنهم يذكرونها تبعاً بجامع التقدير فيها، وفيها ثلث دية النفس.
ودليل هذه الجراح:
1 -
حديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتاباً، وذكر فيه: (وفي المأمومة ثلث الدية، وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل
…
وفي الموضحة خمس من الإبل) (1).
2 -
إجماع العلماء على أن دية المنقلة خمس عشرة من الإبل.
3 -
اتفاق العلماء على أن في الجائفة ثلث الدية؛ لما في حديث عمرو بن حزم: (وفي الجائفة ثلث الدية).
4 -
أثر زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قضى في الهاشمة عشر من الإبل (2)، ولم يُعرف له مخالف.
5 -
ولما جاء في كتاب عمرو بن حزم السابق أن في المأمومة ثلث الدية، والدامغة أبلغ منها، فهي أولى منها بأن تكون فيها ثلث الدية.
وهذه الشجاج لا يجب القصاص فيها، إلا في الموضحة فقط لتيسر ضبطها واستيفاء مثلها، بخلاف ما عداها، فإنه لا يؤمن فيها الزيادة والنقص في طول الجراحة وعرضها، ولا يوثق باستيفاء المثل.
القسم الثاني: الجراحات في سائر البدن:
وهذه الجراحات تختلف باختلاف النوع، فما لا قصاص فيه إذا كان في الرأس أو الوجه فلا قصاص فيه أيضاً، إذا كان في سائر البدن، إلا الموضحة التي تقطع جزءاً من أجزاء البدن، كالصدر والعنق.
(1) أخرجه النسائي (2/ 252)، والحاكم (1/ 397)، والبيهقي (8/ 73). وهو صحيح، انظر: إرواء الغليل (7/ 326).
(2)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (9/ 314)، والبيهقي في سننه (8/ 72).
النوع الثاني: قطع الطرف:
تنقسم هذه الجنايه إلى ثلاثة أقسام:
1 -
عمد.
2 -
شبه عمد.
3 -
خطأ.
ولا يجب القصاص في الخطأ وشبه العمد، وإنما يجب في العمد كالقتل بشروط ثلاثة:
1 -
إمكان الاستيفاء بلا حيف، وذلك بأن يكون القطع من مفصل، أو له حد ينتهي إليه كالأنامل، والكوع، والمرفق. فلا قصاص في جراحة لا تنتهي إلى حد كالجائفة، ولا قصاص في كسر عظم غير السن، كعظم الفخذ والذراع والساق.
2 -
التماثل بين عضوي الجاني والمجني عليه في الاسم والموضع، فلا تؤخذ يمين بيسار، ولا خنصر ببنصر، ولا عضو أصلي بزائد.
3 -
استواء العضوين من الجاني والمجني عليه في الصحة والكمال، فلا تؤخذ صحيحة بشلاء، ولا كاملة الأصابع بناقصتها، وهكذا.
النوع الثالث: إبطال منفعة عضو:
إذا أبطل الجاني منفعة عضو المجني عليه فإنه لا قصاص عليه؛ لعدم إمكان الاستيفاء بلا حيف، وعليه في ذلك دية نفس كاملة.
ومن نقصت منفعة عضوه، فإن عرف قدره وجب له من الدية قسط الذاهب، كنصف الدية أو ربعها مثلاً، إذا كان الذاهب نصف المنفعة أو ربعها، وهكذا.
وان لم يمكن معرفة قدر الذاهب من المنفعة، وجبت حكومة، يقدرها الحاكم باجتهاده.
ومن المنافع: إزالة العقل والسمع والبصر، وإبطال الشم، وذهاب النطق والصوت والذوق، وزوال المضغ وزوال الإمناء، وإبطال قوة الإحبال، وغير ذلك.