الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
512 - باب القسامة في الجاهلية
قوله. في حديث عمرو بن ميمون في قصة القردة.
قال ابن التين: لعلّ هؤلاء كانوا من نسل الذين مسخوا فبقى فيهم ذلك الحكم.
وقال ابن عبد البرّ: إضافة الزِّنا إلى غير المكلَّف وإقامة الحدود في البهائم عند جماعة أهل العلم منكر، ولو صح لكانوا من الجن، لأنّ العبادات في الجن والإنس دون غيرهما.
قال الكرماني: يحتمل أن يقال: كانوا من الإنس فمسخوا قردة وتغيروا عن الصورة الإنسانية فقط، أو كانت الصورة صورة الزِّنا، فالرجم ولم يكن ثمّ تكليف لأحد، وإنّما هو ظنه الذي في الجاهلية مع أن هذه الحكاية لم توجد في بعض نسخ البخاريّ.
وقال الحميدي: هذا الحديث وقع في بعض فسخ البخاريّ، وأن أبا مسعود وحده ذكره في الأطراف.
قال: ولعله من الأحاديث المقحمة في كتاب البخاريّ.
قال (ح): مما ما ذكره هؤلاء فيه نظر، أمّا ابن التين فجوابه: ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود مرفوعًا: "إِنَّ الله لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا فَيَجْعَلْ لَهُمْ نَسْلًا".
وأمّا ابن عبد البرّ فجوابه: احتمل أن يكون صورة الواقعة كالزنا
والرجم ولا يلزم أن يكون ذلك زنا حقيقة ولا حدًا، وإنّما أطلق عليه لشبهة به ولا يستلزم تكليف غير الجن والانس.
وأمّا الحميدي فجوابه: أن من أثبت ذلك مقدم على من حذفه، ولا يلزم من سقوط هذه القصة من بعض النسخ سقوطها من الأصل، كما لا يلزم سقوطها من رواية النسفي سقوطها من رواية الفربري، ولا سيما وقد بينته رواية أبي ذر الهروي، وهو أحفظ من اتصلت رواية البخاريّ من طريقه عن شيوخهم الثلاثة مع جلالتهم واتصاف المستملي منهم بسعة الحفظ، وكفى بإيراد والإسماعيلي وأبي نعيم له في مستخرجيهما وأبي مسعود في أطرافه إثباتًا له، وأمّا تجويزه أن يزاد في صحيح البخاريّ ما ليس فيه، فهذا ينافي ما عليه العلماء من الحكم بتصحيح جميع ما أورده البخاريّ في كتابه إِلَّا مواضع يسيرة انتقدها أهل الحفظ كما قرره ابن الصلاح، وتبعه الأئمة بعده فيه، وتلك المواضع تتعلّق بالطعن في بعض رجاله أو بدعوى الانقطاع في بعض أسانيده لا فيما نحن فيه من دعوى إدخال ما ليس من كتابه فيه، ولا سيما الحديث الكامل، وهذا الذي قاله يتطرق منه عدم الوثوق بجميع ما في الصّحيح، لأنّه إذا أجاز في واحد لا بعينه جاز في كلّ فرد فرد، ولا يبقى لأحد وثوق بما في الكتاب وعمل الخلفاء [العلماء] قاطبة على ذلك، انتهى (691).
قال (ع) على عادته متعقبًا جميع ذلك بما يضحك منه أدنى من له فهم، ولولا أني شرطت في هذا التصنيف أن أذكر جميع ...... (692). أصابه لما ضيعت الوقت بكتابة ما لا يجدي بل يضر من تعمده ودفع في الحق بالصدر إظهارًا للتعصب وعدم مبالاة بمؤاخذته بما لا يصدر منه من تعمد الباطل.
(691) فتح الباري (7/ 160 - 161).
(692)
هكذا هو بياض في النسخ الثلاث.
قال في جواب (ح) لكلام ابن المنير: ثبت في صحيح مسلم أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم لما أتى بالضب لعلّه من القرود الّتي مسخت.
قلت: وهذا بعينه أورده (ح) بأن ذلك كان قبل إعلام الله تعالى لنبيه أن الممسوخ لا نسل له.
قال (ع): هذا فيه نظر لعدم الدّليل عليه.
قلت: الدّليل عليه أن الحديث عند مسلم، فالذي قلته طريق الجمع بينهما عند من ينصف ويفهم.
وأجاب (ع) عن الحميدي بأن وقوف الحميدي على الأصول أكثر وأصَحُّ من وقوف (ح) لأنّه جمع بين الصحيحين ومثله أدرى بحالهما ولو كان في أصل البخاريّ لم يجزم بنفيه عن الأصول.
قلت: ومقابله أنّه لو لم يكن موجودًا ما توارد الحفاظ في نقله الكتاب قبل الحميدي على روايته، وتجويز السّهو على واحد أولى من تجويزه على جماعة، والمثبت مقدم على النافي، ولا يلزم من سقوطه من رواية النسفي عدم ثبوته في رواية الفربري مع أنّه رواية الفربرى متصلة الثبوت عن جماعة عنه بخلاف رواية النسفي، فاعترض على قوله: أن العلماء اتفقوا على القطع بنسبة ما فيه إليه بأن من العلماء من تعرض إلى بعض رجاله لعدم الوثوق به ولكونه من أهل الأهواء (693).
قلت: لم يتوارد على محل واحد والله المستعان.
(693) عمدة القاري (16/ 300).