الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
743 - باب في الحوض
قال عياض: اختلفت الأحاديث في مسافة سعة الحوض، وليس فيه حديث واحد حتّى يعد اضطرابًا وإلا [إنّما] جاء من [في] عدة أحاديث عن غير واحد سمعوه في مواطن كثيرة، وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يضرب في كلّ منها مثلًا، لبعد أقطار الحوض بما يسنح له من العبارة، ويقرب ذلك للعلم ببعد ما بين البلاد النائية.
قال: فبهذا يجمع بين الألفاظ المختلفة.
قال (ح): فيه نظر من جهة أن ضرب المثل والتقدير إنّما يكون فيما يتقارب، وأمّا المتباعد الذي يزيد تارة على مسافة ثلاثين يومًا وينقص إلى ثلاثة أيّام فلا (1450).
قال (ع): في نظره نظر، لأنّه يحتمل أنّه صلى الله عليه وسلم لما أخبر بثلاثة أيّام كان هذا المقدار، ثمّ إنَّ الله تعالى تفضل عليه باتساعه شيئًا بعد شيء، وكلما اتسع أخبره بقدر ما اتسع، وكل من روى بمقدار قال فيما رواه غيره بحسب ذلك، وهذا الوجه يحصل الجواب الشافي عن الاختلاف المذكور، فلا يحتاج بعد ذلك إلى كلام طويل غير طائل كما صدر ذلك عن صاحب النظر المذكور (1451).
قلت: هذا الجواب بعينه قد ذكر في الكلام الطويل، وكان (ع) لما
(1450) فتح الباري (11/ 471).
(1451)
عمدة القاري (23/ 138) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 370 - 371).
ارتضاه أوهم أنّه ظفر به، وأن فيه غنية عن بقية الكلام، وكان حقه أن ينسبه لمن أبرزه، وكان سياق الكلام الذي زعم أنّه لا طائل فيه مع أن الذي ارتضاه من جملته.
قال (ح) متصلًا بكلامه: وأجاب النووي بأنّه ليس في ذكر المسافة القليلة ما يدفع المسافة الكثيرة، فالأكثر ثابت، ولا معارضة، كأنّه أشار إلى أنّه أخبر أوَّلًا بالمسافة اليسيرة، ثمّ أعلم بالمسافة الطويلة، فأخبر بها حيث تفضل الله باتساعه شيئًا بعد شيء، فيكون الاعتماد على أطولها مسافة، وأجاب بعضهم باحتمال أن يكون التفاوت في الطرفين ورد. بحديث عبد الله ابن عمرو "زَوَايَاهُ سَوَاءٌ" وجمع آخر باختلاف السير البطيء، وهو سير الأثقال والسير السريع، وهو سير الركب المخفف محمل رواية أقلها على سير البريد مثلًا، فقد عهد منهم من يقطع مسافة الشهر في ثلاثة أيّام، ولكنه نادر جدًا، وفي هذا الجواب نظر، والذي قبله أقوى ما جمع به مع أن لفظ الخبر في المسافة اليسيرة أعلم الحافظ ضياء الدِّين في كتاب الحوض أن الصواب في سياقه مثل ما بينكم وبين جرباء وأدرج وهذا يوافق رواية أبي سعيد عند ابن ماجه كما بين الكعبة وبيت المقدس (1452).
فانظروا كم اشتمل هذا الكلام الذي زعم هذا المعترض أنّه غير طائل على طائل ولله الحمد.
قوله في حديث ابن عمر: "وَمَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ".
قال المازري ما ملخصه: هذا يخالف قول النحاة لا يقال أبيض من كذا بل أشد بياضًا.
قال (ح): قد وقع في رواية أبي ذر: "أَشَدُّ بَيَاضًا" فيحتمل أن تكون رواية من روى أبيض من اللبن من تصرف الرواة (1453).
(1452) فتح الباري (11/ 472).
(1453)
فتح الباري (11/ 472).
قال (ع): القول بأن هذا جاء من النّبيّ صلى الله عليه وسلم استعمل اللفظين فيكون فيه رد على النحاة (1454).
قلت: حكاية هذا تغني عن التصدى لرده.
قوله: "بَيْنَمَا أَنَا أَسيِرُ في الجَنَّةِ إذْ أَنَا بِنَهْرٍ" الحديث عن رواية أنس.
قال الداودي: إن كان هذا محفوظًا دل أن الحوض الذي يدفع عنه أقوام غير الذي في الجنَّة، أو يكون هو الذي يراهم، وهو داخل الجنَّة من خارجها، فيناديهم فينصرفون عنه.
قال (ح): هذا تكلف عجيب، ويغني عنه أن الحوض الذي خارج الجنَّة، وهو يُمَدُّ من النهر الذي داخل الجنَّة، وهو الكوثر كما تقدّم، فلا إشكال أصلًا (1455).
قال (ع): هذا يحتاج إلى دليل أنّهْ يمد من النهر الذي في الجنَّة، قال:
(1454) عمدة القاري (23/ 139) وعبارته: إنَّ نسبته إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم أولى من نسبة الرواة إلى الغلط على زعم النحاة، واستشهاده لذلك برواية مسلم لا يفيده لأنّه لا مانع أن يكون النّبيّ صلى الله عليه وسلم استعمل أفضل التفضيل من اللون، فيكون حجة على النحاة.
قال البوصيري (ص 371 - 372) إنَّ قولهم مقتضى كلام النحاة الخ، فيه هضم لحقوق الكوفيين ومن وافقهم من البصريين المحجوزين لذلك، لسماعه بكثرة في جميع ما منعه النحاة، كأحمق وأهوج، وأخرق وأنوق وألد الخصام، وفي مقدمته هذا الحديث الذي رواه صحابة كثيرون، حتّى إن قلنا: إنهم المتصرفون، فيكفي في الحجية؛ لأنّهم فصحاء أيضًا، فما قاله العيني هو الذي يركن إليه، ثمّ ممّا ينبغي أن ينبه عليه أن الذي منع من النحاة لأجل إثبات القواعد يجب تقييده بما إذا لم يكن المتصرف عربيًا فصيحًا، وإلا جاز كأكثر الصحابة، فاعرفه.
(1455)
فتح الباري (11/ 473).
وأحسن من هذا ما تقدّم أن له حوضَيْن (1456).
قلت: تقدّم ذكر الدّليل الذي طالت ذكرته في أول الكلام على هذا الباب في الرد على القرطبي في جزمه بأن للنبي صلى الله عليه وسلم حوضيْن، فذكرت حديث أبي ذر عند مسلم في صفة الحوض:"يَصُبُّ مِيزَابَانِ مِنَ الجَنَّةِ" ونحوه في حديث ثوبان، وأصرح منه حديث ابن مسعود:"وَيُفتَحُ نَهْرُ الكَوْثَرِ إلى الْحَوْضِ" أخرجه الإِمام أحمد.
قوله في آخر الباب: "وَسيُؤْخَذُ نَاسٌ دُونِي فَأقُولُ: يَارَبِّ مِنيِّ وَمِنْ أُمَّتِي، فيقَالُ: هَلْ شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ".
قال (ح): فيه إشارة إلى أنّه لم يعرف أشخاصهم بعينها، وإن كان يعرف أنّهم من أمته بالعلّامة (1457).
قال (ع): فيه نظر لا يخفى (1458).
(1456) عمدة القاري (23/ 140).
(1457)
فتح الباري (11/ 476).
(1458)
عمدة القاري (23/ 372).
قال البوصيري (ص 372) إنّه لم يبين وجه النظر، ولعلّه ما تكرر في الأحاديث من قولهم يعرفونني وأعرفهم، وقد قال قريبًا:"فإذا زمرة حتّى إذا عرفتهم الخ" ويكاد حديث مسلم "يردّ علي الحوض رجال من صحابتي، حتّى إذا رأيتهم ورفعوا إلي اختلجوا دوني الخ" أن يكون صريحًا في معرفة أشخاصهم.
فالظاهر منه أنّه عرفهم وعرفوه بالشخص، ويحتمل أنّهم عرفهم بالعلامة كما هي في عبارة ابن حجر الّتي أسقطها العيني، والله أعلم.