الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
763 - باب قول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ}
قوله: تابعه عبد الرّحمن بن خالد.
قال (ح): قرأت بخط مغلطاي وقلده شيخنا ابن الملقن أن الذهلي أخرجه في أحاديث الزهريّ عن محمَّد بن بكر وروح بن عبادة جميعًا عن عبد الرّحمن بن خالد [وهذا الذي قاله لا وجود له، بل ليس لروح ولا لمحمد بن بكر عن عبد الرّحمن هذا] رواية أصلًا (1508).
قال (ع): أراد بمغلطاي صاحب التلويح وشيخه ابن الملقن، وهذا كلام لا وجه له من وجوه:
الأوّل: أنّه ناف والمثبت مقدم.
والثّاني: أن عدم إطلاعه على ذلك لا يستلزم عدم إطلاع صاحب التلويح عليه.
والثالث: فيه القدح لصاحب التلويح مع أنّه تبعه شيخه باعترافه فلا يُترك كلام شيخين عارفين بهذه الصيغة مع إطلاعهما على كتب كثيرة من هذا الفن ويُصغي إلى كلام من يطعن في الأكابر.
والرّابع: أن نفي رواية روح ومحمد بن بكر عن عبد الرّحمن بن خالد يحتاج إلى معرفة تاريخ زمانهم فلا يحكم بذلك بلا دليل (1509).
(1508) فتح الباري (12/ 101).
(1509)
عمدة القاري (23/ 279).
قلت: أمّا وجهه الأوّل فليس على إطلاقه، بل إذا كان النفي في شيء محصور قدم على الإثبات، وهو هنا كذلك فإنّه نسبه إلى حديث الزهريّ جمع الذهلي، وليس هو فيه كما قال، بل بسند آخر، وكان ينبغي للمعترض أن يراجع الكتاب المذكور، فإن وجده فيه اتجه الرد على النافي.
وأمّا وجهه الثّاني فيستفاد من الجواب الأوّل.
وأمّا وجهه الثّالث فمردود، لأنّه لا تفاضل هنا، فقد يقع للمفضول ما لا يقع للفاضل، والإِنسان لا يستنكر منه النِّسيان.
وأمّا وجهه الرّابع فلم ينحصر الوقوف على حقيقة الحال في ذلك في معرفة زمانهما وزمانه، بل الوقوف على حقيقة ذلك. يؤخذ ممّا سبق به أئمة هذا الفن في ترجمة كلّ من الثّلاثة، فلا يوجد في كتاب من كتب أسماء الرجال في ترجمة عبد الرّحمن بن خالد أن أحدًا من هذين الاثنين عد في الرواة عنه، ولا في ترجمة واحد منهما أنّه عد في شيوخهما، ويقرب ذلك أن المزي صاحب التهذيب جمع في ذلك فأوعى باعتراف أهل عصره وتسليمهم له في الفن، حتّى جاء مغلطاي فذكر أنّه غلط في أشياء جمعها في كتابه الذي سماه إكمال تهذيب الكمال، فأمّا تهذيب المزي فلم يقع فيه شيء ممّا نفيناه وهذا هو موجود بأيدي الطلبة، وأمّا استدراك مغلطاي فهو موجود بخطه، فلينظر المعترض هل ذكر في تصنيفه الذي استدرك فيه على المزي شيئًا ممّا نفاه (ح)؟ فإن وجد منه شيئًا اتجه له الاعتراض على (ح) ووجب على (ح) الرجوع إلى الحق، وإن لم يجد شيئًا فليعرف قدره ولا يتعد طوره، فإن لو ضرب من شرحه على ما نقله من التلويح والتوضيح والدراري والفتح لم يفضل له إِلَّا ما قدر له بالنسبة إلى ما ضرب عليه وبالكلية مع ذلك جمع في ديوان واحد وعزا كلّ قول لقائله بل هو على الدوام فإنّه يغير على كلامهم غير مناسب لهم خصوصًا الفتح، فلا يزال يسلب كلامه بعينه حتّى مباحثه
الّتي يعبر فيها بقوله: قلت فيقول هو أيضًا قلت وهذا هو الغاية في المصالقة أو الغفلة.
ومن جملة ما يقع له من ذلك أن (ح) ينقل شيئًا عن بعض مشايخه فيقول: قال شيخنا فلان، فيكتبه (ع) بعينه حتّى قوله قال شيخنا فلان، فيوهم الناظر فيه أن الشّيخ المذكور من مشايخ (ع) وليس كذلك، ونقل عن الكرماني شيئًا مشكلًا ثمّ أجاب عنه الكرماني ونحن نجيب بأحسن منه، ثمّ ساق كلام (ح) بعينه، وتتبع مثل هذا يكثر ويمل لكن من أراد أن يزداد عجبًا فليعمد إلى كتاب من الكتب الّتي ترجمها البخاريّ ككتاب الرقاق فيقابل كلام (ع) بكلام (ح) فإنّه يظهر له جرأة (ع) على المصالقة الظاهرة لكل من له أدنى فهم والله المستعان، حتّى إذا اتفق له الوقوف على شيء يظن أنّه غير مستقيم بحسب ما يصل إليه فهمه، فيجرد حينئذ السيف، ويضرب غير مصفح، وربما انعكس في الكثير من ذلك على ما أوضحته في هذا التعليق وبالله التوفيق.
قوله في رواية يونس عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وعمرة عن عائشة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ عَلى رُبْعِ دِينَارٍ".
قال الطحاوي: اختلف القول فيه فروى عن سفيان بن عيينة عن ابن شهاب عن عمرة عن عائشة كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقطع في ربع دينار فصاعدًا.
قال الطحاوي ويونس هذا لا يقارب عندكم ولا عند غيركم سفيان.
قال (ح): هذا يقتضي أن الشّافعيّة وغيرهم من المحدثين بل ومن جميع العلماء يقدمون ابن عيينة في الزهريّ على يونس وليس كذلك متفقًا عليه عند المحدثين بل أكثرهم على العكس، وممن جزم منهم بتقديم يونس على سفيان في الزهريّ يحيى بن معين وأحمد بن صالح المصري (1510).
(1510) فتح الباري (12/ 102).
قال (ع): سفيان إمام ورع عالم زاهد حجة ثبت مجمع على صحة حديثه، فكيف يقاربه يونس وقد قال ابن سعد: كان يونس حلو الحديث كثيرة وليس بحجة، وربما جاء بالشيء المنكر (1511).
قلت: هذا لا يدفع ما قاله (ح)؛ لأنّه رد نقل الطحاوي على الاتفاق يقول يحيى بن معين وأحمد بن صالح، ولم يقتصر عليهما إِلَّا للاختصار وإلا وافقهما جماعة.
قال عبد الرزّاق: عن عبد الله بن المبارك: ما رأيت أحدًا روى للزهري عن معمر. إِلَّا أن يونس أحفظ للسند.
وقال ابن مهدي: كان ابن المبارك يقول: كتابه صحيح، قال ابن مهدي: وكذلك أقول.
وقال حنبل بن إسحاق عن أحمد بن حنبل: ما أحد أعلم بحديث الزهريّ عن معمر إِلَّا ما كان من يونس، فإنّه كتب كلّ شيء هناك.
وأمّا ما نقله عن ابن سعد فإن ابن سعد والإمام أحمد وجماعة يطلقون المنكر على الفرد المطلق، وأمّا الجمهور فلا يطلقون على الفرد منكرًا إِلَّا إذا خالف المنفرد من هو أتقن منه، وإلى ذلك أشار مسلم في المقدِّمة.
قوله في آخر الباب: "لَعَنَ الله السَّارِقَ
…
الخ".
قال (ح): ختم الباب به إشارة إلى أن طريق الجمع بين الأخبار أن يجعل عمرة عن عائشة أصلًا، فيقطع في ربع دينار فصاعدًا، وكذا فيما بلغت قيمته [ذلك] فكأنّه قال: المراد بالبيضة ما تبلغ قيمتها ربع دينار فصاعدًا، وكذا الحبل، ففيه إيماء إلى ترجيحه ما سبق من التّأويل الذي نقله
(1511) عمدة إلقاري (23/ 280).
الأعمش؛ لأنّ فيها جمع بين الأخبار (1512).
قال (ع): ما لفظه ووجهه إعادته في هذا الباب يمكن أن يكون إشارة إلى أن البيضة والحبل المذكور فيهما القطع فيما تبلغ قيمتهما ربع دينار أو عشرة دراهم على الاختلاف بقرينة الأحاديث المذكورة في هذا الباب فلذلك ختمها بهذا الحديث.
قال: وقد ذكر هنا (ح) كلامًا لا يعجب سامعة فلذلك تركه (1513).
قلت: أخذ كلام (ح) بعينه فادعاه ثمّ لم يترك منه شيئًا إِلَّا أنّه زاد قوله أو عشرة ثمّ عقبة بأنّه تركه لكونه لا يعجبه، وليس لكونه لا يعجبه سبب إِلَّا أنّه يخالف مذهبه.
(1512) فتح الباري (12/ 108).
(1513)
عمدة القاري (23/ 282).