الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
567 - باب القراء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
-
ذكر فيه حديث قتادة: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعة كلهم من الأنصار: أُبَيُّ بن كعب ومعاذ ابن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد.
تابعه الفضل بن موسى عن حسين بن واقد عن ثمامة عن أنس [حدّثنا معلي بن أسدّ حدّثنا عبد الله بن المثنى حدثني ثابت البناني وثمامة عن أنس] قال: مات النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد.
قال (ح): في هذين الطريقين تكلف:
أحدهما: التصريح بصيغة الحصر في الثّاني دون الأوّل.
ثانيهما: ذكر أبي الدرداء فيه بدل أبىّ بن كعب.
فأمّا صيغة الحصر فقد أجبت عنها بأجوبة نحو العشرة.
وأمّا الثّاني فجزم الإسماعيلى بأن أحدهما هو الصّحيح لا محالة، وعن البيهقي أن الصواب الأوّل، وبنحوه قال الداودي، وتصرف البخاريّ يقتضي تصحيحها، فيحتاج إلى بيان طريق الجمع، وهو أنّهم خمسة، لكن كان أنس إذا حدث ينسى أبيّ، وحجة من رجح الرِّواية الّتي فيها أبيّ بن كعب أنّه له زيادة شهرة في القرآن، ولكن يقوي ذكر أبي الدرداء مجيئه في رواية مرسلة رجالها ثقات، واعترض بأخرى مثلها يرويها غير رجال الأولى، فصار
لكل منهما جهة في الترجيح فاعتدلا (987).
قال (ع): بعض هذا الكلام سبق إليه الكرماني، وكأن (ح) رضي به فلم يتعقبه، وكان من عادته أنّه إذا نقل شيئًا من كلامه يردّ عليه لعدم المبالاة به، وقد خالف عادته في رضاه باحتمال أن يكون أنس حدث به مرتين مع أن أصل الحديث واحد والراوي واحد (988).
قلت: حفظ (ع) شيئًا وغابت عنه أشياء، ومن أراد معرفة السبب فيما لم يحط به علمًا على القاعدةُ إذا اتَّحد مخرج الحديث أنّه يصار إلى الترجيح، بخلاف ما إذا لم يتحد، فإنّه يحمل على التعدد فيهما على تسليم اتحاد المخرج، والمصير إلى الترجيح اقتضى ذلك ترجيح الرِّواية الّتي فيها أبيّ، لكن عارض ذلك وجود ما يقتضي الترجيح للرواية الّتي فيها أبو الدرداء من جهة أخرى، فتعين الرجوع إلى الجمع ضرورة، فلذلك يحمل على الآخر على أن أنسًا حدث به مرتين يذهل في كلّ منهما عن ذكر واحد من الخمسة، ويقتضي على أربعة والعلم عند الله تعالى.
قوله في حديث ابن عبّاس قال: قال عمر: أُبَيٌّ أَقْرُؤنَا
…
الحديث من رواية البخاريّ عن صدقة بن الفضل بسنده.
قال (ح): وقع في تفسير البقرة عن شيخ آخر وهو عمرو بن علي بالسند المذكور إلى ابن عبّاس قال: قال عمر: أقرؤنا أبيّ وأقضانا على
…
الحديث.
قال المزي في الأطراف: ليس في رواية صدقة: وأقضانا على.
قلت: قد ثبت ذكره في رواية النسفي عن البخاريّ، وقد ألحق الدمياطي في نسخته ذكر على هنا، وليس بجيد، لأنّه ساقط عن رواية
(987) فتح الباري (9/ 52 - 53).
(988)
عمدة القاري (20/ 28).
التّرمذيّ الّتي عليها رواية الدمياطي (989).
قال (ع): هذا عجيب، كيف ينكر هذا على الدمياطي وقد سبقه النسفي به، والذي لاح للدمياطي ما لاح لهذا القائل فلهذا قدم، كذا بالإنكار (990)
قلت: لو لم يكن في اعتراضات (ع) إِلَّا هذا الموضع، لكان كافيًا في إقراره بعدم معرفته بقوانين الرِّواية، وذلك أن الدمياطى لم يعمد إلى شرح البخاريّ وجمع طرقه كما جرت عادة الشراح، وإنّما صحح نسخته وحشاها، فتارة تكون تلك الحاشية الأصل بأن تكون سقطت أوَّلًا من الأصل الذي كتب منه فيستدركها، وتارة يريد أن يزيد فائدة ليست من صلب الرِّواية، بل على سبيل التنبيه والإِفادة، فيذكرها ويميزها عن صفة الأصل، بأن يكتب فوقها حاشية وما أشبه ذلك، وهنا ألحق في صلب الرِّواية هذه اللفظة، وهي "أقضانا على" روايته الّتي ألحق فيها هذا من طريق الفربري ولم تقع هذه الزيادة في رواية الفربري.
وأمّا رواية النسفي الّتي وجدت فيها فلم يبن الدمياطي روايته عليها، بل على رواية الفربري، بل على أخص من ذلك، فإنّه عبر بها عن شيخين، وبين أن اللّفظ لأحدهما، فاقتضى ذلك أن كلّ شيء يورده فيه ممّا يختص به أحد شيخيه، ولو زاد هو رواية من صرح بأن اللّفظ فاقتضى إلحاقه هذه من غير أن يميز أنّها حاشية أن شيخه رواها له بسنده إلى الفربري عن البخاريّ وليس ذلك في رواية شيخه أصلًا، فلو لم يكن هذا المعترض لا يدري من قانون هذا الفن هذا المقدار، فمار هو الذي تعجب منه؟ وما الذي لاح له أنّه لاح للدمياطى حتّى يكون عذرًا في هذا الإلحاق؟ فالله المستعان.
(989) فتح الباري (9/ 53).
(990)
عمدة القاري (20/ 28) وعبارة العمدة "كذا قدم الإنكار".