الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(8) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم أمض لأصحابي هجرتهم" ومرثيته لمن مات بمكة
1800 -
عن سعد بن أبي وقاص قال: عادني النبي صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع من وجع (1) أَشْفَيت منه على الموت، فقلت: يا رسول اللَّه! بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مالِ، ولا يرثني إلَّا ابنة لي واحدة، أفتصدق بثلثي مالي؟ قال:"لا"، قال: أتصدق (2) بِشَطْرِه؟ قال: "لا"(3)، قال:"الثلث يا سعد، والثلث كثير، إنك أَنْ تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عَالَةً يتكففون الناس، ولست بنافق نفقة تبتغي بها وجه اللَّه إلَّا آجرك اللَّه بها، حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك (4) "، قلت: يا رسول اللَّه! أُخَلَّفُ بعد أصحابي؟ قال: "إنك لن تُخَلَّفَ، فتعمل عملًا تبتغي به وجه اللَّه إلَّا ازددت به درجة ورفعة، ولعلك تُخَلَّف حتى ينتفع بك أقوام، ويُضَرَّ بك آخرون، اللَّهم أمضِ لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم، لكن البائس سعدُ بن خولة" يرثي له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن توفي بمكة.
(1) في "صحيح البخاري": "من مرض".
(2)
في "صحيح البخاري": "فأتصدق".
(3)
"قال: لا" ليست في "صحيح البخاري".
(4)
أي: في فم امرأتك.
_________
1800 -
خ (3/ 78 - 79)، (63) كتاب مناقب الأنصار، (49) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"اللَّهم أَمْضِ لأصحابي هجرتهم"، ومرثيته لمن مات بمكة، من طريق الزهري، عن عامر بن سعد بن مالك، عن أبيه به، رقم (3936).
الغريب:
"الوجع": المرض عند العرب. "أَشْفَيْت": أشرفت، يقال: أشفى وأشاف بمعنى.
وقوله: "ولا يرثني إلَّا ابنة واحدة" ظاهره: أنَّه ليس له وارث سوى الابنة المذكورة، وقد قيل: كان له ورثة سواها؛ فإنَّه مات عن ثلاثة من الذكور، أحدهم عامر الذي روى هذا الحديث عنه، وتأول من قال هذا قوله: بأنه لا يرثه من النساء إلَّا واحدة، أو بأنه لا يرثه بالسهم إلَّا واحدة، وكل محتمل (1)، واللَّه أعلم.
و"عَالَةٌ": فقراء. و"يَتَكَفَّفُون": يمدون أكفهم طالبين من أكفّ الناس.
و"أُخلَّفُ"؛ يعني: يتركني أصحابي ويرتحلون، فأجابه صلى الله عليه وسلم بأنه لن يخلَّف بمكة، وأن يعبرها حتى ينتفع به أقوام وسيتضرر به آخرون، كما قد وقع؛ فإنَّه صح من مرضه، ولم يقم بمكة، وأبقاه اللَّه تعالى حتى عاش بعد ذلك نيفًا وأربعين سنة، وولي العراق، وفتحها اللَّه عليه، فأسلم على يديه خلق كثير، فنفعهم اللَّه به، وقتل وأسر من الكفار كثيرًا، واستضروا به، فوقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، فكان ذلك من جملة صدق النبي صلى الله عليه وسلم ومن أعلام نبوته.
وقوله: "اللهم أمض لأصحابي هجرتهم"؛ أي: تقبلها منهم، وأبق عليهم حالها وحكمها فلا تنقلهم من موضع هجرتهم الذي هاجروا إليه، إلى المواضع التي هاجروا منها، واللَّه أعلم، وإلى هذا أشار بقوله:"إن الهجرة قد ثبتت لأهلها".
(1) وربما لم يكن قد ولد له الذكور حينئذٍ.