الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الهجرة إلى الحبشة
6396 -
عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أمه ليلى: كان عمر من أشد الناس علينا في إسلامنا، فلما تهيأنا للخروج إلى الحبشة أتى وأنا على بعيري فقال: أين يا أم عبد الله؟
فقلت: آذيتمونا في ديننا فنذهب في أرض الله حيث لا نؤذى، فقال: صحبكم الله، ثم ذهب فجاء زوجي عامر فأخبرتُه بما رأيتُ من رقة عمر، فقال: ترجين أن يسلم، والله لا يُسلمُ حتى يُسلمَ حمار الخطابِ. للكبير (1).
(1)((الكبير)) 25/ 29 - 30 (47)، وقال الهيثمي 6/ 24: رواه الطبراني، وقد صرح ابن إسحاق بالسماع، فهو صحيح. وانظر صحيح السيرة النبوية للألباني صـ 190.
6397 -
ابن مسعودٍ: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشيِّ نحو ثمانين رجلاً، فيهم جعفر وعبد الله بن عرفطة وعثمان بن مظعونٍ وأبو موسى، فأتينا النجاشي، وبعث قريشٌ عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بهديةٍ، فلمَّا دخلا على النجاشيِّ سجدا له وقالا له: إن نفرًا من بني عمنا نزلوا أرضك ورغبوا عنا وعن ملتنا. قال: فأين هم؟
قال: في أرضك فبعث إليهم، قال جعفر: أنا خطيبكم اليوم، فاتَّبعوه، فسلَّم ولم يسجد، فقالوا له: مالك لا تسجدُ للملك؟
قال: إنا لا نسجدُ إلا لله تعالى قال: وما ذاك؟
قال: إنَّ الله تعالى بعث إلينا رسوله صلى الله عليه وسلم، وأمرنا أن لا نسجد إلا لله تعالى، وأمرنا بالصلاة والزكاة، قال عمرو: فإنهم يخالفونك في عيسى، قال: ما تقولون في عيسى وأمه؟
قالوا: نقولُ كما قال الله تعالى، هو كلمة الله وروحه ألقاها إلى العذراء البتول التي لم يمسها بشرٌ، ولم يفرضها ولدٌ، فرفع النجاشيُّ عودًا من الأرض وقال: يا معشر القسيسين والرهبان، والله ما تزيدون على الذي يقول ما يسوى هذا، مرحبًا بكم وبمن جئتم من عنده، أشهد أنه رسول الله، وأنه الذي نجده في الإنجيل، وأنه الذي بشر به عيسى، انزلوا حيث شئتم، فوالله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أكون أنا أحمل نعليه، وأوضِّئه، وأمر بهدية الآخرين فردت عليهما، ثم تعجَّل ابن مسعودٍ حتى أدرك بدرًا. للكبير بلين (1).
(1) ذكره الهيثمي في ((المجمع)) 6/ 24 وقال: رواه الطبراني، وفيه حريج بن معاوية ويقه أبو حاتم وضعفه ابن معين وبقية رجاله ثقات. وصححه الألباني في صحيح السيرة النبوية 1/ 165.
6398 -
ولأحمد عن أمِّ سلمة نحوه وفيه: إنَّ الذي بعثوه مع عمرو بن العاص هو عبد الله بن أبي ربيعة المخزوميِّ، ومعهما هدايا للنجاشيِّ وكل بطارقته من أدم؛ لكونه أعجبُ ما يأتيهم من مكةَ.
وفيه أنَّ جعفرًا قال: أيها الملك، كنَّا قومًا أهل جاهليةٍ، نعبدُ الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطعُ الأرحام، ونسئ الجوار، ويأكل القويُّ منا الضعيف، حتى بعث الله إلينا رسولاً منَّا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلعُ ما كنا نعبدُ نحن وآباؤنا من دون الله من الحجارة والأوثان، وأمرنا بالصدق والأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكفِّ عن المحارم والدماء والفواحش وشهادة الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصن، وأمرنا أن نعبد الله لا نشركُ به شيئًا، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فعدد عليه أمور الإسلام، فصدقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به، فعدى علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا وشقوا علينا، فخرجنا إلى بلدك واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك، فقال النجاشي: هل معك مما جاء به من شيءٍ؟
قال: نعم، فقرأ عليه صدرًا من {كهيعص} [مريم:1] فبكى النجاشيُّ، وبكت أساقفته، ثم قال: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدةٍ، انطلقا، فوالله لا أسلمهم إليكما أبدًا، ولا أكادُ، ثم قال: اذهبوا فأنتم سيومٌ بأرضي - والسيومُ الآمنون- من سبَّكم غُرِّم، قاله ثلاثًا،
⦗ص: 538⦘
قالت: وأقمنا عنده في خير دارٍ، مع خير جارٍ، وإن عدوًا للنجاشيِ نزل به فوالله ما علمنا حربًا قط أشد من حربٍ حربناه عند ذلك؛ تخوفًا أن يظهر عليه من لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف (1).
(1) أحمد 1/ 202 - 203، وقال الهيثمي 6/ 25 - 27: رجاله رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع. وصححه الألباني في فقه السيرة صـ 115.
6399 -
وللكبير والبزار عن عمير بن إسحاق نحو ذلك وفيه: أن عمرو بن العاص قال: فتفرقنا من عند النجاشيِّ ولم يكن أحدٌ أحبُ إلى أن ألقاه من جعفر، فاستقبلني في طريقٍ مرةً فنظرتُ خلفه وخلفي، فلم أر أحدًا، فقلت: أتعلم أني أشهدُ أن لا إله إلا الله وأنّ محمدًا عبده ورسوله؟
قال: فقد هداك الله فاثبت، ثم ذكر أنهم أخذوا كل شيءٍ له، ثم أتى جعفرًا وانطلق معه إلى النجاشيِّ، فقال جعفر: إنَّ عمرًا تابعني على ديني، قال: كلا، قلت: بلى، قال لإنسانٍ اذهب معه فإن فعل فلا يقولُ شيئًا إلا
⦗ص: 539⦘
كتبته، قال عمرو: فجعلت أقول، وجعل يكتب، حتى كتب كل شيء لي، حتى القدح، ولو شئت آخذُ شيئًا من أموالهم إلى مالي فعلت (1).
(1) البزار كما في ((كشف الأستار)) (1740)، قال الهيثمي 6/ 28 - 29: عمير بن إسحاق: وثقه ابن حبان وغيره، وفيه كلام لا يضر، وبقية رجاله ثقات. وصححه الألباني في فقه السيرة صـ 185.
6400 -
وللكبير عن أبي موسى بنحوه وزاد: وكان عمرو بن العاص رجلاً قصيرًا، ومعه امرأته، وكان عمارة رجلاً جميلاً، فشربا خمرًا حين أقبلا إلى النجاشيِّ فقال عمارة لعمرو: مر امرأتك تقبلني، فقال له عمرو: ألا تستحي، فرماه عمارة في البحر، فجعل عمرو يناشده حتى أدخله عمارة السفينة، فحقد عمرو على ذلك، وقال للنجاشيِّ إنك إذا خرجت خلفك عمارة في أهلك، فدعا النجاشيُّ عمارة، فنفخ في إحليله فطار مع الوحش (1).
(1) ذكره الهيثمي 6/ 31، وقال: رجاله رجال الصحيح.
6401 -
وله من طريقٍ آخر: فأمر النجاشيُّ بعمارة، فنفخ في إحليله فاستطير حتى لحق بالصحارى يسعى فيها مع الوحش، فجاء بعد ذلك أهله فسقوه شربةً من سويقٍ فمات (1).
(1) ذكره الهيثمي 6/ 31 - 32، وقال: فيه: محمد بن كثير الثقفي، وهو ضعيف.
6402 -
عروة: في تسمية الذين خرجوا إلى الحبشة المرة الأولى قبل خروج جعفر وأصحابه، الزبير بن العوام، سهيل بن بيضاء، عامر بن ربيعة، عبد الله بن مسعودٍ، عبد الرحمن بن عوفٍ، عثمان بن عفان، مع امرأته رقية بنت النبيِّ صلى الله عليه وسلم، عثمانُ بن مظعونٍ، مصعب بن عميرٍِ، أبو حذيفة بن عتبة، مع امرأته سهلة بنت سهيلٍ، وولدت له بالحبشة محمد بن أبي حذيفة، أبو سبرة بن أبي رهمٍ، مع امرأته أمِّ كلثوم بنت سهيلٍ، أبو سلمة بن عبد الأسد، مع امرأته أمِّ سلمة، ولما نزلت سورة النجم وقرأ صلى الله عليه وسلم {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم:20] ألقى الشيطانُ فيها عند ذلك ذكر الطواغيت فقال: وإنهنَّ من الغرانيق العلى، وإنَّ شفاعتهنَّ لترتجى، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشركٍ، وذلت بها ألسنتهم، واستبشروا وقالوا إن محمدًا قد رجع إلى دينه الأول ودين قومه، فلما بلغ صلى الله عليه وسلم آخر السورة سجد،
⦗ص: 540⦘
وسجد معه كل من حضره من مسلمٍ ومشركٍ، غبر أنَّ الوليد بن المغيرة وكان رجلاً كبيرًا فرفع ملء كفه ترابًا فسجد عليه، فعجب المسلمون من سجود المشركين من غير إيمان ولا يقينٍ، ولم يسمعوا الذي ألقى الشيطان، ففشت تلك الكلمة في الناس، وأظهرها الشيطانُ، حتى بلغت الحبشة، فلمَّا سمع عثمان بن مظعونٍ ومن معه أنَ الناس أسلموا وسجدوا لله أقبلوا سراعًا، فكبر ذلك عليه صلى الله عليه وسلم، فلمَّا أمسى أتاه جبريل فشكى إليه، فأمره فقرأ عليه، فلمَّا بلغها تبرأ منها جبريل، فشق ذلك عليه صلى الله عليه وسلم، وقال:((تكلمت بكلام الشيطان وشركني في أمر الله فنسخ الله ما ألقى الشيطان)) وأنزل عليه {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: 52] إلى بعيد فلمَّا برأه الله من سجع الشيطان وفتنته
انقلب المشركون بضلالهم (وعداوتهم)(1)، وبلغ المسلمون ممن كان بالحبشة وقد شارفوا مكة فلم يستطيعوا الرجوع من شدة البلاء الذي أصابهم، وخافوا أن يدخلوا مكة فيبطش بهم فلم يدخل رجلٌ منهم إلا بجوارٍ فأجار الوليد بن المغيرة عثمان بن مظعونٍ، ثم ردَّ عليه جواره حين أبصر ما يلقاهُ المسلمون من أذية المشركين لهم، وأحب عثمان أن يكون من جملة المسلمين يثاب على ما يلقاه من الأذى في الله تعالى. للكبير. مطولاً بلين وإرسال.
قلت ردَّ الأئمة من هذا الحديث قضية إلقاء الشيطان لعصمه الوحي معلوم، والحديثُ بدون ذلك معروفٌ محفوظ (2). والله أعلمُ.
(1) في (أ): عدواته، وما أثبتناه من (ب).
(2)
ذكره الهيثمي 6/ 32 - 33، وقال: حديث مرسل، وفيه: ابن لهيعة أيضا وهو ضعيف. وانظر لزاما كتاب العلامة الألباني: نصب المجانيق على قصة الغرانيق.