المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة - جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد - جـ ٢

[الروداني، محمد بن سليمان المغربي]

فهرس الكتاب

- ‌الوقوف والإفاضة

- ‌الرمي، والحلق، والتحلل

- ‌الهَدْي

- ‌الإحصار والفوات والفدية والاشتراط

- ‌دخول مكة والخروج منها والتحصيب

- ‌النيابة في الحج وحج الصبى

- ‌التكبيرُ أيام التشريق، وخطبه صلى الله عليه وسلم وعدد حجه، واعتماره، وغير ذلك

- ‌فضل مكة والكعبة وما ورد في حرمها وزمزم والأذان بها والحجابة والسقاية

- ‌ما جاء في عمارة البيت وبنائه وهدمه وما يتعلق بذلك

- ‌كتاب الأضاحي

- ‌كتاب الصيد

- ‌كتاب الذبائح

- ‌المحرم والمكروه والمباح من الحيوانات

- ‌ما ورد قتله وعدمه من الحيوانات

- ‌العقيقة والفرع والعتيرة

- ‌كتاب اليمين

- ‌كتاب النذر

- ‌كتاب النكاح

- ‌ذكر تزويج النبي صلى الله عليه وسلم ببعض نسائه رضي الله عنهن

- ‌الحث على النكاح والخطبة والنظر وغيرها من آداب النكاح

- ‌الأولياء والشهود والاستئذان والكفاءة

- ‌الصداق والوليمة وإجابة الدعوة

- ‌موانع النكاح وفيه الرضاع

- ‌نكاح المتعة والشغار ونكاح الجاهلية وما يفسخ فيه النكاح وما لا

- ‌العدل بين النساء والعزل والغيلة والنشوز والشرط والاختصاء وغير ذلك

- ‌حق الزوج على الزوجة وحق الزوجة على الزوج

- ‌الغيرة والخلوة بالنساء والنظر إليهن

- ‌كتاب الطلاق

- ‌ألفاظه والطلاق قبل الدخول وقبل العقد وطلاق الحائض

- ‌طلاق المكره والمجنون والسكران والرقيق وغير ذلك

- ‌الخلع والإيلاء والظهار

- ‌اللعان وإلحاق الولد واللقيط

- ‌العدة والاستبراء والإحداد والحضانة

- ‌كتاب البيوع

- ‌الكسب والمعاش وما يتعلق بالتجارة

- ‌ما لا يجوز بيعه من النجاسات وما لم يقبض، وما لم يبد صلاحه والمحاقلة والمزابنة إلا العرايا وغير ذلك

- ‌ما لا يجوز فعله في البيع كالشرط والاستثناء والخداع وإخفاء العيب والنجش

- ‌بيعُ الغررِ والحصاةِ والمضطرِ والملامسةِ والمنابذةِ والحاضرِ للبادي، وتلقى الركبان، وبيعتينِ في بيعةِ، والتفريقُ بين الأقارب

- ‌الربا في المكيل والموزون والحيوان

- ‌بيع الخيار والرد بالعيب وثمر النخل ومال العبد المبيعين والحوائج

- ‌الشفعة والسلم والاحتكار والتسعير

- ‌الدين وآداب الوفاء والتفليس وما يقرب منها

- ‌العارية والعمرى والرقبى والهبة والهدية

- ‌الشركة والضمان والرهن والإجارة والوكالة والقراض والغصب

- ‌المزارعة وكراء الأرض وإحياء الموات واللقطة

- ‌كتاب القضاء

- ‌القضاء المذموم والمحمود وآدابه وكيفية الحكم

- ‌الدعاوى والبينات والشهادات والحبس وغير ذلك

- ‌الوقف والصلح والأمانة

- ‌كتاب العتق

- ‌فضله وآداب الملكية

- ‌عتق المشترك وولد زنا ومن مثل به وعند الموت وغير ذلك

- ‌أمُّ الولدِ والمدَبَّرُ والمكاتَبُ

- ‌كتاب الوصية

- ‌كتاب الفرائض

- ‌الولاء ومن لا وارث له وميراثه صلى الله عليه وسلم وبعض متاعه

- ‌كتاب الحدود

- ‌الحث على إقامة الحدود ودرئها والشفاعة فيها والتعزير

- ‌إثم القتل، وما يبيحه، وقاتل نفسه

- ‌القصاص في العمد والخطأ وبين الولد والوالد والجماعة والواحد والحر والعبد والمسلم والكافر

- ‌القتل في الجنون والسكر وبالمثقل والطب والسم وقتل الزانى وجناية الأقارب وما هو جِبار

- ‌قصاص ما دون النفس والعفو والقسامة وإحسان القتلة

- ‌الديات في النفس والأعضاء والجوارح والجنين وما يتعلق بذلك

- ‌حد الردة وسب النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌حد الزنا في الحر والعبد والمكره والمجنون والشبهة وبمَحرم

- ‌الحد في أهل الكتاب وفي اللواط والبهيمة والقذف

- ‌حد السرقة وما لا حد فيه

- ‌حد الشرب

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌آلات الطعام، وآداب الأكل: من تسمية، وغَسْلٍ، وباليمين، ومما يلي، ولعق وغير ذلك

- ‌ما ورد في أطعمة مخصوصة من مدح وإباحة وكراهة وحكم المضطر وغير ذلك

- ‌كتاب الأشربة

- ‌الشرب قائما ومن فم السقاء والتنفس عند الشرب وترتيب الشاربين وتغطية الإناء وغير ذلك

- ‌الخمور والأنبذة

- ‌الانتباذ في الظروف وما يحل منه وما يحرم وحكم الأوانى

- ‌كتاب اللباس

- ‌الزينة الذهب والحرير والصوف والشعر ونحوهما

- ‌آداب اللبس وهيئته

- ‌أنواع من اللباس وألوانها حيث يطلب اللبس وتركه

- ‌لبس الخاتم

- ‌الحلى والطيب

- ‌الشعور من الرأس واللحية والشارب

- ‌الخضاب للشعر واليدين والخلوق

- ‌الختان وقص الأظفار ونتف الإبط والاستحداد والوشم وغير ذلك

- ‌الصور والنقوش والستور

- ‌كتاب الخلافة والإمارة وما يتعلق بذلك

- ‌ذكر الخلفاء الراشدين وبيعتهم رضى الله عنهم

- ‌طاعة الإمام ولزوم الجماعة وملوك الجور

- ‌كتاب الجهاد

- ‌فضل الرباط والجهاد في سبيل الله

- ‌فضل الشهادة والشهداء

- ‌وجوب الجهاد وصدق النية فيه وآدابه

- ‌أحكام وأسباب تتعلق بالجهاد

- ‌الأمان والهدنة والجزية ونقض العهد والغدر

- ‌الغنائم والغلول ونحوه

- ‌النفل والخُمس

- ‌الفيء وسهم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌السّبق والرمي وذكر الخيل

- ‌كتاب السير والمغازي

- ‌كرامة أصل النبي صلى الله عليه وسلم وقدم نبوته ونسبه وأسماءه

- ‌مولده صلى الله عليه وسلم ورضاعه وشرح صدره ونشوءه

- ‌بدء الوحي وكيفية نزوله

- ‌صبر النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغه على أذى قومه وكسره الأصنام

- ‌الهجرة إلى الحبشة

- ‌خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وعرضه نفسه على القبائل والعقبة الأولى

- ‌ذكر العقبة الثانية والثالثة

- ‌هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة

- ‌عدد غزواته صلى الله عليه وسلم وما كان قبل بدر

- ‌غزوة بدر

- ‌من سمى من أهل بدر في البخاري

- ‌غزوة بنى النضير وإجلاء يهود المدينة وقتل كعب بن الأشرف وأبى رافع

الفصل: ‌هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة

‌هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة

ص: 548

6417 -

عائشة: لم أعقل أبوىَّ قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يومٌ إلا يأتينا فيه رسول صلى الله عليه وسلم بكرةً وعشيةً، فلما ابتُلى المسلمون خرج أبو بكر مهاجرًا نحو الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال: أين تريد يا أبا بكر؟

قال: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي فقال: إن مثلك لا يخرج ولا يخرج؛ إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فأنا لك جارٌ فارجع واعبد ربك ببلدك، فرجع وارتحل معه ابن الدغنة، فطاف في أشراف قريشٍ فقال لهم: أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق؟

فأنفذت قريشٌ جواره وقالوا له: مر أبا بكرٍ فليعبد ربه في داره وليصل فيها وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكرٍ فلبث يعبد ربه في داره، ثم بدا له فابتنى مسجدًا بفناء داره وكان يُصلي فيه، فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم (وهم)(1) يعجبون منه، وكان رجلاً بكاءً إذا قرأ القرآن، فأفزع ذلك كفار قريشٍ فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا: إنا كنَّا أجرنا أبا بكرٍ بجوارك على أن يعبد ربه في داره، فقد جاوز ذلك فابتنى مسجدًا وأعلن فيه، فأته، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى فاسأله أن يرد إليك ذمتك، فأتاه فقال قد علمت الذي عاقدتُ لك عليه، فإما أن تقتصر عليه، وإما

⦗ص: 549⦘

أن ترد لي ذمتي، فقال أبو بكر: إني أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار الله.

والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذٍ بمكة، فقال صلى الله عليه وسلم للمسلمين:((إني أريت دار هجرتكم سبخةً ذات نخل بين لابتين)) فهاجر من هاجر قبل المدينة، ورجع عامة من كان بالحبشة إلى المدينة، وتجهز أبو بكر قبل المدينة فقال له صلى الله عليه وسلم:((على رسلك إني أرجو أن يؤذن لي)) قال أبو بكرٍ: وهل ترجو ذلك بأبي أنت وأمي؟

قال: ((نعم)) فحبس أبو بكرٍ نفسه على النبي صلى الله عليه وسلم وعلف راحلتين من ورق السَّمر وهو الخبط أربعة أشهرٍ، فبينا نحن يومًا جلوسٌ في بيت أبي بكرٍ في نحر الظهيرة، قال قائلٌ لأبي بكرٍ: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنعًا في ساعةٍ لم يكن يأتينا فيها، قال أبو بكر: فداءٌ له أبي وأمي، والله ما جاء به هذه الساعة إلا أمرٌ، فجاءنا فاستأذن فأذن له فدخل، فقال لأبي بكرٍ:((أخرج من عندك)

قال أبو بكرٍ: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله قال: ((فإني قد أذن لي في الخروج)) قال أبو بكرٍ: الصحابة يا رسول الله؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم)) قال أبو بكر: فخذ إحدى راحلتيَّ هاتين، فقال صلى الله عليه وسلم ((بالثمن)) فجهزناهما أحب الجهاز ووضعنا لهما سفرةً في جرابٍ، فقطعت أسماء من نطاقها فربطت به فم الجراب، فبذلك سميت ذات النطاق.

ثمَّ لحق صلى الله عليه وسلم أبو بكرٍ بغارٍ في جبل ثورٍ، فمكثا فيه ثلاث ليالٍ، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكرٍ، وهو غلامٌ شاب ثقف لقنٌ، يدلجُ من عندهما بسحرٍ فيصبح بمكة كبائتٍ، فلا يسمع أمرًا يكادان به إلا أتاهما بخبره حين يختلط الظلامُ، ويرعى عليها عامر بن فهيرة مولى أبي بكرٍ منحةً من غنمٍ فيريحها عليهما حين تذهب ساعةً من العشاء، فيبتان في رسلٍ، فاستأجر النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ رجلاً من بني الديل هاديًا خريتًا، وقد غمس حلفا من آل العاص ابن وائلٍ، وهو على دين قريشٍ، أمَّناه فدفعا إليه

⦗ص: 550⦘

راحلتيهما وواعداه غار ثورٍ بعد ثلاثٍ، فأتاهما، فارتحلا ومعهما عامرُ بن فهيرة والدليل فأخذ بهم طريق الساحل، قال ابن شهابٍ: أخبرني عبد الرحمن بن مالكٍ عن أبيه عن سراقة بن جعشم قال: جاءنا رسلُ قريشٍ يجعلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ ديةً، كلُ واحدٍ منهما لمن قتله أو أسره، فبينا أنا جالسٌ في قومي بني مدلجٍ أقبل رجلٌ منهم فقال: يا سراقة إني رأيت أسودةً بالساحل أراها محمدًا وأصحابه فعرفت أنهم هم، فقلت: إنهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلانًا وفلانًا انطلقوا بأعيننا، ثم لبثت في المجلس ساعةً، ثم قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي فتحبسها علىَ، فأخذت رمحي فخرجت من ظهر البيت فخططت بزجه الأرض وخفضت عاليه حتى أتيت فرسي فركبتها فرفعتها تقرب بي حتى دنوت منهم، فعثرت بي فرسي فخررت عنها، فقمت فاستخرجت الأزلام فاستقسمت بها أضرهم أم لا؟

فخرج الذي أكره فركبت فرسي وعصيتُ الأزلام تقرب بي، حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفتُ وأبو بكرٍ يُكثر الالتفات ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين، فخررتُ عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها، فلما استوت قائمةً إذا لأثر يديها عثانٌ ساطعٌ في السماء مثل الدخان، فاستقسمتُ بالأزلام فخرج الذي أكره فناديتهم الأمان، فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم فوقع في نفسي حين حُبست عنهم أن سيظهر أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت له: إنَّ قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم بما يريد الناس بهم، فعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يرزآني إلا أن قالا: أخف عنَّا ما استطعت، فسألته أن يكتب لي كتاب أمنٍ فأمر عامر بن فهيرة فكتب لي رقعةً من أدم ومضى صلى الله عليه وسلم، قال ابن شهاب: فأخبرني عروة أنه صلى الله عليه وسلم لقى الزبير في ركبٍ من المسلمين كانوا تجارًا قافلين من الشام، فكسى الزبير النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكرٍ ثياب بياضٍ، وسمع المسلمون بالمدينة مخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، فكانوا يغدون كل غداةٍ إلى الحرَّة فينتظرونه

⦗ص: 551⦘

حتى يردهم حرُّ الظهيرة، فانقلبوا يومًا بعدما أطالوا انتظارهم، فلما آووا إلى بيوتهم أوفى يهوديٌّ على أطمٍ لأمرٍ يُنظر إليه فبصر بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السرابُ، فلم يملك أن قال بأعلى صوته يا معشر العرب هذا جدُّكم الذي تنتظرونه، فثار المسلمون إلى السلاح فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرَّة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوفٍ، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، فقام أبو بكرٍ للناس وجلس صلى الله عليه وسلم صامتًا فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير النبي صلى الله عليه وسلم يجيء أبا بكرٍ حتى أصابت الشمس النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل أبو بكرٍ حتى ظل

عليه بردائه فعرفه الناس صلى الله عليه وسلم عند ذلك، فلبث في بني عمرو بن عوفٍ بضع عشرةً ليلةً، وأسس المسجد الذي أُسس على التقوى وصلى بهم فيه، ثم ركب راحلته فسار يمشي معه الناسُ حتى بركت عند مسجد الرسول بالمدينة، وهو يُصلى فيه يومئذٍ رجالٌ من المسلمين؛ وكان مربدًا للتمر لسهلٍ وسهيلٍ؛ يتيمين في حجر أسعد بن زرارة، فقال صلى الله عليه وسلم حين بركت راحلته:((هذا إن شاء الله المنزل)) ثم دعا الغلامين فساومهما بالمربد؛ ليتخذه مسجدًا، فقال: لا بل نهبه لك يا رسول الله، ثم بناه مسجدًا ثم فطفق ينقل معهم اللبن في بنيانه، ويقول وهو ينقلُ:

هذا الحمالُ لا حمالُ خيبر.

هذا أبر ربنا وأطهر.

اللهم إنَّ الأجر أجر الآخرة.

فارحم الأنصار والمهاجرة.

فتمثل بشعر رجلٍ من المهاجرين لم يسم لي.

قال ابن شهابٍ: لم يبلغنا أنه صلى الله عليه وسلم تمثل بيت شعرٍ تام غير هذه الأبيات. للبخاري (2).

(1) من (ب).

(2)

البخاري (3906).

ص: 548

6418 -

البراء بن عازب: جاء أبو بكر إلى أبي في منزله فاشترى منه رحلاً، فقال لعازبٍ: ابعث معي ابنك يحمله، فحملته، وخرج أبي معه ينتقد ثمنه فقال له: يا أبا بكرٍ كيف صنعتما ليلة سريت مع النبي صلى الله عليه وسلم؟

قال: نعم أسرينا ليلتنا حتى قام قائم الظهيرة وخلا الطريق، حتى

⦗ص: 552⦘

رفعت لنا صخرة طويلةٌ لها ظلٌ فنزلنا عندها، فسويت بيديَّ مكانًا ينام فيه صلى الله عليه وسلم في ظلها، ثم بسطت عليه فروةً، ثم قلت نم يا رسول الله وأنا أنفض لك ما حولك، فنام وخرجت أنفض ما حوله فإذا أنا براعٍ مقبلٌ بغنمه إلى الصخرة يريد منها الذي أردنا فقلت: لمن أنت؟

فقال: لرجلٍ من أهل المدينة، فقلت: أفي غنمك لبنٌ؟

قال: نعم، قلت: أفتحلب لي؟

قال: نعم، فأخذ شاةً، فقلت: انفض الضرع من الشعر والتراب والقذا، فحلب لي في قعبٍ معه كثبةً من لبنٍ، ومعي إداوةً أرتوي فيها النبي صلى الله عليه وسلم ليشرب منها ويتوضأ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فوافقته حين استيقظ، فصببتُ على اللبن من الماء حتى برد أسفله، فقلت: يا رسول الله اشرب من هذا اللبن فشرب وشربت حتى رضيت، ثم قال:((ألم يأن للرحيل؟)).

قلت: بلى، فارتحلنا بعد مازالت الشمس واتَّبعنا سراقة بن مالك ونحن في جلدٍ من الأرض، فقلتُ يا رسول الله: أتينا، فقال:((لا تحزن إنَّ الله معنا)) فدعا عليه فارتطمت فرسهُ إلى بطنها، فقال: إني علمتُ أنكما دعوتما علىَّ، فادعوا لي والله، لكما أن أرد عنكما الطلب، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنجا فرجع لا يلقى أحدًا إلا قال: كفيتم ما هاهنا، ولا يلقى أحدًا إلا ردّه ووفى لنا (1).

(1) البخاري (3615)، ومسلم (2009).

ص: 551

6419 -

وفي رواية: قال سراقة: هذه كنانتي فخذ سهمًا منها فإنك ستمر على إبلي وغلماني بمكان كذا وكذا فخذ منها حاجتك، قال:((لا حاجة لي)) فقدمنا المدينة ليلاً تنازعوا أيهم ينزل عليه، فقال:((أنزل على بني النجار أخوال بني عبد المطلب أكرمهم بذلك))، فصعد الرجال والنساء فوق البيوت، وتفرق الغلمانُ والخدم في الطريق ينادون يا محمد يا رسول الله. للشيخين (1).

(1) مسلم (2009) بعد (3014).

ص: 552

6420 -

أبو بكر: نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رءوسنا، فقلت: يا رسول الله لو أنَّ أحدهم (نظر)(1) إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه فقال: ((يا أبا بكرٍ ما ظنك باثنين الله ثالثهما)). للشيخين والترمذي (2).

(1) من (ب).

(2)

البخاري (3653)، ومسلم (2381).

ص: 553

6421 -

أنس: أقبل النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو مردف أبا بكرٍ، وأبو بكرٍ شيخٌ يعرفُ، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم شابٌ لا يُعرف، فيلقى الرجل فيقول: يا أبا بكرٍ من هذا الرجلُ الذي بين يديك؟

فيقول: هذا الرجل يهديني السبيل، فيحسبُ الحاسبُ أنه إنما يعني به الطريق، وإنما يعني سبيل الخير، فالتفت أبو بكسر فإذا هو بفارسٍ قد لحقهم فقال: يا رسول الله هذا فارسٌ قد لحقنا، فالتفت صلى الله عليه وسلم فقال:((اللهمَّ أصرعُه)) فصرعته فرسه ثم قامت تحمحم، فقال يا نبي الله مرني بما شئت، قال:((تقف مكانك لا تترك أحدًا يلحق بنا)) فكان أول النهار جاهدًا على النبي صلى الله عليه وسلم، وآخره مسلحةً له، فتزل صلى الله عليه وسلم جانب الحرَّة، ثم بعث إلى الأنصار فجاءوا فسلمُوا عليهما، فقالوا: اركبا آمنين مطاعين، فركبا وحفوا دونهما بالسلاح فقيل في المدينة: جاء نبيُّ الله، جاء نبيُّ الله، وأشرفوا ينظرون، فأقبل يسير حتى نزل دار أبي أيوب. للبخاري مطولاً (1).

(1) البخاري (3911).

ص: 553

6422 -

البراء: أول من قدم علينا من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم مصعب بن عميرٍ، وابن أمِّ مكتومٍ فجعلا يقرآن القرآن، ثم جاء عمارٌ وبلالٌ وسعدٌ، ثم جاء عمر في عشرين من الصحابة، ثم قدم النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيءٍ فرحهم به، حتَّى لرأيتُ الولائد والصبيان يقولون هذا رسول الله قد جاء، فما جاء حتَّى قرأت {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] في سور مثلها من المفصل (1).

(1) البخاري (4941).

ص: 553

6423 -

أبو عثمان النهدي: سمعت ابن عمر يغضب إذا قيل له: إنه هاجر قبل أبيه، قال: ابن عمر: قدمت أنا وعمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فوجدناه قايلاً، فرجعنا إلى المنزل فأرسلني عمر فقال: اذهب فانظر هل استيقظ؟

فوجدته قد استيقظ فبايعته ثم انطلقت إلى عمر فجئنا نهرول فبايعه ثم بايعته. هما للبخاري (1).

(1) البخاري (3916).

ص: 554

6424 -

جرير رفعه: ((إنَّ الله أوحى إلىَّ، أيُّ هؤلاء الثلاثة نزلت فهي دار هجرتك؛ المدينة أو البحرين أو قنسرين)). للترمذي (1).

(1) الترمذي (3923)، وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث الفضل بن موسى، تفرَّد به أبو عمَّار. وقال الألباني في ضعيف الترمذي (822): موضوع.

ص: 554

6425 -

أبوة موسى: بلغنا مخرج النبيِّ صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهما؛ أبو بدرة وأبو رهم في بضعةٍ وخمسين رجلاً من قومي، فركبنا سفينةً فألقتنا إلى النجاشي، فوافقنا جعفرًا وأصحابه عنده، فأقمنا معه حتى قدمنا جميعًا فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر، فأسهم لنا وما قسم لأحدٍ غاب عن فتحها إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه، وكان ناسٌ يقولون لنا سبقناكم بالهجرة، فدخلت أسماء بنت عميسٍ وهي ممن قدم معنا على حفصة فدخل عمر فقال حين رأى أسماء من هذه؟

قالت: أسماء بنت عميسٍ، قال: الحبشية هذه، البحرية هذه؟

قالت: نعم، فقال: سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم فغضبت وقالت: كلَاّ والله، كنتم معه يُطعم جائعكم ويعظ جاهلكم، وكنَّا في أرض البعداء البغضاء في الحبشة وذلك في الله وفي رسوله، وأيم الله لا أطعم طعامًا ولا أشرب شرابًا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا جاء صلى الله عليه وسلم أخبرته فقال:((ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرةٌ واحدةٌ، ولكم أهل السفينة هجرتان)) قالت:

⦗ص: 555⦘

فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالاً يسألوني عن هذا الحديث ما من الدنيا شيءٌ همَّ به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم صلى الله عليه وسلم. للشيخين (1).

(1) البخاري (4231)، ومسلم (2499).

ص: 554

6426 -

ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر من المهاجرين؛ لأنهم هجروا دار المشركين وكان من الأنصار مهاجرون لأنَّ المدينة كانت دار شركٍ، فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة (1).

(1) النسائي 7/ 144 - 145، وقال الألباني في صحيح النسائي (3884): صحيح الإسناد.

ص: 555

6427 -

عد الله بن السعدي: قلت: يا رسول الله يزعمون أنَّ الهجرة قد انقطعت، قال:((لن تنقطع الهجرةُ ما قوتل الكفار)) (1).

(1) النسائي 7/ 147، وقال الألباني في صحيح النسائي (3889): صحيح.

ص: 555

6428 -

يعلى بن أمية: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم بأبي أمية يوم الفتح فقلت: بايع أبي على الهجرة فقال: ((أبايعه على الجهاد وقد انقطعت الهجرة)) (1).

(1) النسائي 7/ 141، وقال الألباني في ضعيف النسائي (280): ضعيف.

ص: 555

6429 -

عمر: لا هجرة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).

(1) النسائي 7/ 146، وقال الألباني في صحيح النسائي (3888): صحيح.

ص: 555

6430 -

ابن عمرو بن العاص: قال رجلٌ: يا رسول الله أيُّ الهجرة أفضل؟

قال: ((أن تهجر ما كره ربك)) وقال: ((الهجرة هجرتان؛ هجرة الحاضر وهجرة البادي؛ أما البادي فيجيب إذا دعى، ويُطيع إذا أمر، وأما الحاضر فهو أعظمها بليةً وأعظمها أجرًا)). هي للنسائي (1).

(1) النسائي 7/ 144، وقال الألباني في صحيح النسائي (3883): صحيح.

ص: 555

6431 -

معاوية رفعه: ((لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها)). لأبي داود (1).

(1) أبو داود (2479)،والدارمي (2513) ،وصححه الألباني في صحيح النسائي (2166).

ص: 556

6432 -

سهل بن سعد: ما عدوا من مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ولا من وفاته، ما عدوا إلا من مقدمه المدينة. للبخاري (1).

(1) البخاري (3934).

ص: 556

6433 -

عروة: ومكث النبي صلى الله عليه وسلم بعد الحج بقية ذي الحجة والمحرم وصفر، ثم إن المشركين أجمعوا أمرهم ومكرهم حين ظنوا أنه صلى الله عليه وسلم خارجٌ، وعلموا أن له بالمدينة مأوى ومنعةً، وبلغهم إسلام الأنصار وأجمعوا على أن يقتلوه أو يسجنوه أو يخرجوه، فأخبره الله بمكرهم وقال:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ الله وَالله خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30] وبلغه صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم الذي أتى فيه دار أبي بكرٍ أنهم مثبتوه إذا أمسى على فراشه، وخرج من تحت الليل هو وأبو بكرٍ قبل غار ثورٍ، وعمد عليُّ فرقد على فراشه يواري العيون، وبات المشركون يأتمرون أنهم يقتحمون على صاحب الفراش فيوثقونه، فكان ذلك حديثهم حتى أصبحوا، فإذا على يقومُ عن الفراش، فسألوه عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا علم لي به، فعلموا أنه خرج فركبوا في كل وجهٍ يطلبونه، وبعثوا إلى أهل المياه يجعلون لهم جعلاً عظيمًا، وأتوا ثورًا حتى طلعوا فوق الغار، وسمعا أصواتهم فأشفق أبو بكرٍ، فقال له صلى الله عليه وسلم:{لا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا} [التوبة: 40] ودعا {فَأَنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ الله هِيَ الْعُلْيَا وَالله عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 40]. للكبير مطولاً بلينٍ وإرسال (1).

(1) قال الهيثمي 6/ 51: رواه الطبراني مرسلا، وفيه: ابن لهيعة، وفيه كلام، وحديثه حسن.

ص: 556

6434 -

أنس وغيره: قالوا لما كان ليلة بات صلى الله عليه وسلم في الغار أمر الله شجرةً فنبتت في وجه الغار، وأمر العنكبوت فنسجت على وجهه، وأمر حمامتين وحشيتين فوقعتا بفم الغار، وأتى المشركون حتى كانوا منه صلى الله عليه وسلم قدر أربعين ذراعًا، فنظر رجلٌ منهم فرأى الحمامتين، فقال لأصحابه: رأيت حمامتين على فم الغار فعرفت أن ليس فيه أحدٌ، فسمع صلى الله عليه وسلم قوله، فعلم أنَّ الله قد درأ بهما عنه، فسمت عليهما وفرض

⦗ص: 557⦘

جزاءهما، واتخذا في حرم الله فرخين، فأصل كل حمامٍ في الحرم من فراخهما. للبزار والكبير بخفي (1).

(1)((الكبير)) 20/ 443، وقال الهيثمي 6/ 52 - 53: رواه البزار والطبراني، وفيه جماعة لم أعرفهم.

ص: 556

6435 -

جابر: أن أبا بكرٍ وجد في الغار جحرًا فألقمه عقبه حتى أصبح، لئلا يخرج على النبي صلى الله عليه وسلم منه شيءٌ، فأقاما في الغار ثلاثًا ثم خرجا، حتى نزلا بخيمات أمِّ معبدٍ فأرسلت إليه بشفرةٍ وشاةٍ فقال صلى الله عليه وسلم:((اردد الشفرة وهات لي فرقًا)) فأرسلت إليه أن لا لبن فيها، قال:((هات لي فرقًا)) فجاءته بفرقٍ، فضرب ظهرها، فاجترت ودرت، فحلب فملأ القدح فشرب وسقى أبا بكرٍ ثم حلب فبعث به إلى أمِّ معبد. للبزار. بخفي (1).

(1) البزار كما في ((كشف الأستار)) (1742)، وقال الهيثمي 6/ 55: وفيه من لم أعرفه. وضعفه الألباني في المشكاة (5943).

ص: 557

6436 -

خنيس بن خالد: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه مروا على خيمتي أمِّ معبدٍ الخزاعية، وكانت امرأةٌ جلدةٌ تسقي وتطعمُ، فسألوها لحمًا وتمرًا ليشتروه منها فلم يصيبوا عندها شيئًا، وكان القوم مرملين مسنتين فنظر صلى الله عليه وسلم إلى شاةٍ في الخيمة، فقال:((ما هذه الشاة يا أم معبدٍ)

قالت: خلفها الجهد عن الغنم، قال:((فهل بها من لبنٍ)

قالت: هي أجهد من ذلك، قال:((أتأذنين أن أحلبها)

قالت: بلي بأبي أنت وأمي، فدعا بها فمسح على ضرعها وسمى الله ودعا لها في شاتها، فدرت واجترت، فحلب ثم سقاها وسقى أصحابه حتى رووا وشرب آخرهم، ثم حلب ثانيًا حتى ملأ الإِناء، ثم غادره عندها، ثم بايعها وارتحلوا فقل ما لبثت أن جاء زوجها أبو معبدٍ أعنزًا عجافًا، فلمَّا رأى اللبن عجب، وقال: من أين هذا يا أمَّ معبدٍ ولا حلوبة في البيت؟

قالت: لا والله إلَاّ أنه مر بنا رجلٌ مباركٌ من حاله كذا وكذا، قال: صفيه لي، قالت: رأيتُ رجلاً ظاهرُ الوضاءة، أبلج الوجه، حسنُ الخلق، لم تُعبه ثجلةٌ، ولم تزر به صعلةٌ، وسيمٌ قسيمٌ في عينيه دعجٌ، وفي أشفاره وطفٌ، وفي صوته صحلٌ، وفي عنقه سطعٌ، وفي لحيته كثافةٌ، أزج أقرنُ، إن صمت فعليه الوقارُ، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيدٍ، وأحلاه وأحسنهُ من قريبٍ، حلو المنطق لا هذرٌ ولا نزرٌ، كأن نطقهُ خرزات نظم ربعٍ لا تشنؤه من طولٍ ولا تقتحمه من قصرٍ،

⦗ص: 558⦘

غصنٌ بين غصنين، فهو أنضر الثلاثةً منظرًا، وأحسنهم قدرًا، له رفقاءُ يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا أمره، محفودٌ محسودٌ لا عابسٌ ولا مفندٌ قال أبو معبد: هو والله صاحبُ قريشٍ الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة، ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلنَّ إن وجدت إلى ذلك سبيلاً، وأصبح صوتٌ بمكة، يسمعون الصوت ولا يدرون من صاحبه وهو يقول:

جزى الله ربُّ الناس خير جزائه

رفيقين قالا خيمتي أم معبد

هما نزلاها بالهدى فاهتدت به

لقد فاز من أمسى رفيق محمد

فيا لقصى ما زوى الله عنكم به

من فعالٍ لا تجارى وسؤدد

ليهن بنى كعبٍ مكان فتاتهم

ومقعدها للمؤمنين بمرصد

سلوا أختكم عن شاتها وإنائها

فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد

دعاها بشاة حائلٍ فتحلبت

عليه صريحًا ضرة الشاة مزبد

فغادرها رهنًا لديها بحالبٍ

يرددها في مصدرٍ ثم مورد

فلما سمع حسان بن ثابتٍ أنشأ يجيب الهاتف ويقول:

لقد خاب قومٌ زال عنهم نبيهم

وقدس من يسري إليهم ويغتدي.

ترحل عن قوم فضلت عقولهم

وحل على قومٍ بنورٍ مجدِّد

هداهم به بعد الضلالة ربهم

وأرشدهم من يتبع الحق يرشد.

وقد نزلت منه على أهل يثرب

ركاب هدى حلت عليهم بأسعد.

نبي يرى ما لا يرى الناس حوله

ويتلو كتاب الله في كلِّ مسجد.

وإن قال في يومٍ مقالة غائب فتصديقها

في اليوم أو في ضحى الغد.

ليهن أبا بكرٍ سعادة جده.

بصحبته من يسعد الله يسعد.

للكبير. بخفي (1).

(1) الطبراني 4/ 48 - 51 (3605) وقال الهيثمي 6/ 56: وفي إسناده جماعة لم أعرفهم. وانظر السابق.

ص: 557

6437 -

قيس بن النعمان: لما انطلق النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ مستخفين نزلا بأبي معبد، فقال: والله إنَّ شاءنا لحوائل فما بقى لنا لبن، فقال صلى الله عليه وسلم:((فما تلك الشاة))؟ فأتى بها

⦗ص: 559⦘

فدعا بالبركة عليها ثم حلب عسا فسقاه، ثمَّ شربوا، فقال: أنت الذي تزعم قريش أنك صابئ؟ قال: ((إنهم ليقولون)) قال: أشهد أن ما جئت به حق، ثم قال: أتبعك، قال:((لا، حتى تسمع أنا قد ظهرنا فأتبعه بعد)). للبزار برجال الصحيح (1).

(1) البزار 2/ 301 (1743)، وقال الهيثمي 6/ 58: رجاله رجال الصحيح.

ص: 558

6438 -

أوس بن عبد الله بن حجر الأسلمي: أنه مرَّ به النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكرٍ بحذوات الجحفة فحملهما على فحل إبله وبعث معهما غلامًا له، فقال: لا تفارقهما حتى يقضيا حاجتهما منك ومن جملك، فسلك بهما ثنية الرمحا ثم ثنية الكوبة ثم المرة ثم شعب ذات كشطٍ ثم المدلجة ثم الغابة ثم ثنية المرة ثم المدينة، ثم رد صلى الله عليه وسلم الجمل والغلام إلى سيده، وأمره أن يأمر سيده أوسًا أن يسم إبله في أعناقها؛ لأنه كان مغفلاً لا يسم الإِبل. للكبير بخفي (1).

(1) الطبراني 1/ 223 - 224 (611)، وقال الهيثمي 6/ 55: فيه جماعة لم أعرفهم.

ص: 559

6439 -

صهيبٌ رفعه: ((أريت دار هجرتكم سبخةً بين ظهراني حرةٍ، فإما أن تكون هجرٌ، وإما أن تكون يثرب)) فخرج صلى الله عليه وسلم إلى المدينة معه أبو بكر، وهممت أن أخرج معه وصدني فتيانٌ من قريشٍ، ثم خرجت فلحقني منهم ناسٌ يريدون ردي، فقلت لهم: هل لكم أن أعطيكم أواقي من ذهبٍ وحلةً سيراء وتخلون سبيلي؟

ففعلوا فبعثتهم إلى مكة، فقلت: أحفروا تحت أسكفة الباب فإن تحتها الأواقي، واذهبوا إلى فلانة فخذوا الحلة. وخرجت حتى قدمت عليه صلى الله عليه وسلم، فلمَّا رآني قال:((ربح البيع ثلاثًا)) فقلت: يا رسول الله، ما سبقني إليك أحدٌ، وما أخبرك إلا جبريل عليه السلام. للكبير بخفي (1).

(1) الطبراني 8/ 31 - 32 (7296)، وقال الهيثمي 6/ 60: فيه جماعة لم أعرفهم.

ص: 559

6440 -

ولرزين نحوه وفيه: فنزلت {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ (يَشْرِي) (1) نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ الله} [البقرة: 207] الآية وتلاها صلى الله عليه وسلم على صهيبٍ.

(1) في الأصل: يشتري، والصواب ما أثبتناه قطعًا.

ص: 559

6441 -

عروةُ: خرج عمر وعياش بن أبي ربيعة في أصحابٍ لهم فنزلوا بني عمرو بن عوفٍ، فطلب أبو جهلٍ والحارث ابنا هشامٍ عياش بن أبي ربيعة، وهو أخوهما لأمٍ، فقدما المدينة فذكرا له حزن أمه وأنها حلفت أن لا يظلها بيتٌ ولا يمسُّ رأسها

⦗ص: 560⦘

دهنٌ حتى تراك، ولولا ذلك لم (نطلبك)(1)، وكان يعلم من حبها إياه ما يصدقهما، فرقَّ لها وأبي أن يتبعهما حتى عقد له الحارث، فلمَّا خرج معهما أوثقاه، فلم يزل هنالك موثقًا حتى خرج مع من خرج قبل فتح مكة، وكان صلى الله عليه وسلم دعا له بخلاصٍ وحفظٍ. للكبير بلين وإرسال (2).

(1) في (أ): تطلبك، والمثبت من ((مجمع الزوائد)).

(2)

ذكره الهيثمي 6/ 62، وقال: رواه الطبراني مرسلا، وفيه: ابن لهيعة، وفيه ضعف.

ص: 559

6442 -

وللبزار نحوه عن عمر وزاد: قال عمر: فكنَّا نقولُ والله لا يقبلُ الله توبةً من قومٍ عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر، وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم، فلمَّا قدم علينا صلى الله عليه وسلم المدينة أنزل الله فيهم وفي قولنا لهم وقولهم لأنفسهم {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله} إلى {وأنتم لا تشعرون} [الزمر: 53] فكتبتها في صحيفةٍ وبعثت بها إلى هشام بن العاص، قال هشام: فلم أزل أقرأها حتى فهمتها وألقي في نفسي أنها إنما نزلت فينا، فجلست على بعيري فلحقتُ بالنبي صلى الله عليه وسلم (1).

(1) البزار كما في ((كشف الأستار)) 2/ 302 - 304 (1746)، وقال الهيثمي 6/ 61: رجاله ثقات.

ص: 560

6443 -

ابن عباس: كان قدومنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمسٍ من الهجرة، خرجنا متواصلين مع قريشٍ عام الأحزاب، وأنا مع أخي الفضل، ومعنا غلامنا أبو رافعٍ، حتى انتهينا إلى العرج، ثمَّ أخذنا في طريقٍ حتى خرجنا على بني عمرو بن عوفٍ، فدخلنا المدينة فوجدناه صلى الله عليه وسلم في الخندق وأنا يومئذٍ ابن ثمان سنين وأخي ابن ثلاث عشرة. للأوسط (1).

(1)((الأوسط)) 4/ 65 - 66 (3624)، وقال الهيثمي 6/ 64: رواه الطبراني في ((الأوسط)) من طريق عبد الله بن عمارة الأنصاري، عن سليمان بن داود بن الحصين، وكلاهما لم يوثق ولم يضعف، وبقية رجاله ثقات.

ص: 560