الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{إِلَّا الَّذين تَابُوا من بعد ذَلِك} أَي بعد اقترافهم لذنب الْقَذْف {وَأَصْلحُوا} أَعْمَالهم وأقوالهم بِالتَّوْبَةِ والانقياد للحد {فَإِن الله غَفُور رَحِيم} يغْفر ذنوبهم ويرحمهم قَالَ الْجُمْهُور إِذا تَابَ الْقَاذِف قبلت شَهَادَته وَزَالَ عَنهُ الْفسق وَقَالَ أَبُو حنيفَة يرْتَفع بِالتَّوْبَةِ وصف الْفسق لَا تقبل شَهَادَته أصلا وَالْحق هُوَ الأول
109 -
بَاب مَا نزل فِي الْمُلَاعنَة بَين الزَّوْج وَالزَّوْجَة
قَالَ تَعَالَى {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم} جمع زوج بِمَعْنى الزَّوْجَة لم يُقيد هُنَا بالمحصنات إِشَارَة إِلَى أَن اللّعان يشرع فِي قذف المحصنة وَغَيرهَا فَهُوَ فِي قذف المحصنة يسْقط الْحَد عَن الزَّوْج وَفِي قذف غَيرهَا يسْقط التَّعْزِير كَأَن كَانَت ذِمِّيَّة أَو أمة أَو صغيره تحْتَمل الْوَطْء بِخِلَاف قذف الصغيره الَّتِي لَا تحتمله وَبِخِلَاف قذف الْكَبِيرَة الَّتِي ثَبت زنَاهَا بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار فَإِن الْوَاجِب فِي قذفهما التَّعْزِير لكنه لَا يُلَاعن لدفعه كَمَا فِي كتب الْفُرُوع وَقد وَقع قذف الزَّوْجَة بالزنى لجَماعَة من الصَّحَابَة كهلال بن أُميَّة وعويمر الْعجْلَاني وَعَاصِم بن عدي {وَلم يكن لَهُم شُهَدَاء} يشْهدُونَ بِمَا رموهن بِهِ من الزِّنَى {إِلَّا أنفسهم فشهادة أحدهم} أَي الشَّهَادَة الَّتِي تزيل عَنهُ حد الْقَذْف أَو فَالْوَاجِب
شَهَادَة أحدهم أَو فَعَلَيْهِم أَن يشْهد أحدهم {أَربع شَهَادَات بِاللَّه إِنَّه لمن الصَّادِقين} فِيمَا رَمَاهَا بِهِ من الزِّنَى الْمَشْهُود بِهِ والشَّهَادَة {وَالْخَامِسَة أَن لعنة الله عَلَيْهِ إِن كَانَ من الْكَاذِبين} فِيمَا رَمَاهَا بِهِ من الزِّنَى {ويدرأ} أَي يدْفع {عَنْهَا} أَي عَن الْمَرْأَة {الْعَذَاب} الدنيوي وَهُوَ الْحَد وَالْمعْنَى أَنه يدْفع عَن الْمَرْأَة الْحَد {أَن تشهد أَربع شَهَادَات بِاللَّه إِنَّه} أَي الزَّوْج {لمن الْكَاذِبين} فِيمَا رماني بِهِ من الزِّنَى وتشهد الشَّهَادَة {وَالْخَامِسَة أَن غضب الله عَلَيْهَا إِن كَانَ} أَي الزَّوْج {من الصَّادِقين} فِيمَا رَمَاهَا بِهِ من الزِّنَى وَتَخْصِيص الْغَضَب بِالْمَرْأَةِ للتغليظ عَلَيْهَا لكَونهَا أصل الْفُجُور ومادته وَلِأَن النِّسَاء يكثرن اللَّعْن فِي الْعَادة وَمَعَ استكثارهن مِنْهُ لَا يكون لَهُ فِي قلوبهن كَبِير موقع بِخِلَاف الْغَضَب
وَعَن ابْن عَبَّاس أَن هِلَال بن أُميَّة قذف امْرَأَته عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِشريك ابْن سَحْمَاء فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْبَيِّنَة وَإِلَّا حد فِي ظهرك فَقَالَ يَا رَسُول الله إِذا رأى أَحَدنَا على امْرَأَته رجلا أينطلق يلْتَمس الْبَيِّنَة فَجعل النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول الْبَيِّنَة وَإِلَّا حد فِي ظهرك فَقَالَ هِلَال وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ إِنِّي لصَادِق ولينزلن الله مَا يبريء ظَهْري من الْحَد فَنزل جِبْرِيل وَأنزل عَلَيْهِ {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم} حَتَّى بلغ {إِن كَانَ من الصَّادِقين} فَانْصَرف النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأرْسل إِلَيْهِمَا فجَاء هِلَال فَشهد وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُول الله يعلم أَن أَحَدكُمَا لَكَاذِب فَهَل مِنْكُمَا تائب ثمَّ قَامَت الْمَرْأَة فَشَهِدت فَلَمَّا كَانَت عِنْد الْخَامِسَة وقفوها وَقَالُوا إِنَّهَا مُوجبَة فتلكأت أَي نكصت حَتَّى ظننا أَنَّهَا ترجع ثمَّ قَالَت لَا أفضح قومِي سَائِر الْيَوْم فمضت فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أبصروها فَإِن جَاءَت بِهِ أكحل الْعَينَيْنِ سابغ الأليتين خَدلج السَّاقَيْن فَهُوَ لِشَرِيك بن سَحْمَاء فَجَاءَت بِهِ كَذَلِك
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَوْلَا مَا مضى من كتاب الله لَكَانَ لي وَلها شَأْن أخرجه البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة
وَأخرج هَذِه الْقِصَّة أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَعبد الرَّزَّاق وَأحمد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس مُطَوَّلَة وأخرجها البُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهمَا وَلم يسموا الرجل وَلَا الْمَرْأَة وَفِي آخر الْقِصَّة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ اذْهَبْ فَلَا سَبِيل لَك عَلَيْهَا فَقَالَ يَا رَسُول الله مَالِي قَالَ لَا مَال لَك إِن كنت صدقت عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا استحللت من فرجهَا وَإِن كنت كذبت عَلَيْهَا فَذَاك أبعد لَك مِنْهَا
وَأخرج الشَّيْخَانِ وَغَيرهمَا عَن سهل بن سعد قَالَ جَاءَ عُوَيْمِر إِلَى عَاصِم بن عدي فَقَالَ سل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَرَأَيْت رجلا وجد مَعَ امْرَأَته رجلا فَقتله أيقتل بِهِ أم كَيفَ يصنع فَسَأَلَ عَاصِم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فعاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْمسَائِل فَقَالَ عُوَيْمِر وَالله لَآتِيَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ولأسألنه فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ قد أنزل عَلَيْهِ فَدَعَا بهما فلاعن بَينهمَا قَالَ عُوَيْمِر إِن انْطَلَقت بهَا يَا رَسُول الله لقد كذبت عَلَيْهَا ففارقها قبل أَن يَأْمُرهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَصَارَت سنة للمتلاعنين فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أبصروها فَإِن جَاءَت بِهِ أسحم أدعج الْعَينَيْنِ عَظِيم الأليتين فَلَا أرَاهُ إِلَّا قد صدق وَإِن جَاءَت بِهِ أُحَيْمِر كَأَنَّهُ وحرة فَلَا أرَاهُ إِلَّا كَاذِبًا فَجَاءَت بِهِ مثل النَّعْت الْمَكْرُوه
وَفِي الْبَاب أَحَادِيث كَثِيرَة يَأْتِي بَعْضهَا فِي مَحَله وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عمر بن الْخطاب وَعلي وَابْن مَسْعُود قَالُوا لَا يجْتَمع المتلاعنان أبدا