الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
112 -
بَاب مَا نزل فِي إبداء النسْوَة زينتهن وإخفائها
قَالَ تَعَالَى {وَقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن} خص الْإِنَاث بِهَذَا الْخطاب على طَرِيق التَّأْكِيد لدخولهن تَحت خطاب الْمُؤمنِينَ تَغْلِيبًا كَمَا فِي سَائِر الخطابات القرآنية
وَعَن مقَاتل قَالَ بلغنَا أَن جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ حدث أَن أَسمَاء بنت يزِيد كَانَت فِي نخل لَهَا لبني حَارِثَة فَجعل النِّسَاء يدخلن عَلَيْهَا غير متزرات فيبدو مَا فِي أرجلهن يَعْنِي الخلاخل وتبدو صدورهن وذوائبهن فَقَالَت أَسمَاء مَا أقبح هَذَا فَأنْزل الله فِي ذَلِك هَذِه الْآيَة وَبِالْجُمْلَةِ لَا يحل للْمَرْأَة أَن تنظر إِلَى الرجل لِأَن علاقتها بِهِ كعلاقته بهَا وقصدها مِنْهُ كقصده مِنْهَا قَالَ مُجَاهِد إِذا أَقبلت الْمَرْأَة جلس إِبْلِيس على رَأسهَا فزينها لمن ينظر وَإِذا أَدْبَرت جلس على عجيزتها فزينها لمن ينظر {ويحفظن فروجهن} أَي يجب عَلَيْهِنَّ حفظهَا عَمَّا يحرم عَلَيْهِنَّ وَالْمرَاد ستر الْفروج عَن أَن يَرَاهَا من لَا تحل لَهُ رؤيتها قَالَ أَبُو الْعَالِيَة كل مَا فِي
الْقُرْآن من حفظ الْفرج فَهُوَ عبارَة عَن صونه من الزِّنَى إِلَّا مَا فِي هَذَا الْموضع فَإِنَّهُ أَرَادَ بِهِ الاستتار حَتَّى لَا يَقع بصر الْغَيْر عَلَيْهِ
وَأخرج البُخَارِيّ وَأهل السّنَن وَغَيرهم عَن بهر بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده قَالَ قلت يَا رَسُول الله عوراتنا مَا نأتي مِنْهَا وَمَا نذر قَالَ احفظ عورتك إِلَّا من زَوجتك أَو مَا ملكت يَمِينك قلت يَا نَبِي الله إِذا كَانَ الْقَوْم بَعضهم فِي بعض قَالَ إِن اسْتَطَعْت أَن لَا يرينها أحد فَلَا يرينها قلت إِذا كَانَ أَحَدنَا خَالِيا قَالَ الله أَحَق أَن يستحيا مِنْهُ من النَّاس
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كتب الله على ابْن آدم حَظه من الزِّنَى أدْرك ذَلِك لَا محَالة فزنى الْعين النّظر وزنى اللِّسَان النُّطْق وزنى الْأُذُنَيْنِ السماع وزنى الْيَدَيْنِ الْبَطْش وزنى الرجلَيْن الخطو وَالنَّفس تتمنى والفرج يصدق ذَلِك أَو يكذبهُ وَلَفظ ابْن آدم يعم الرِّجَال وَالنِّسَاء
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن حُذَيْفَة مَرْفُوعا النظرة سهم من سِهَام إِبْلِيس مَسْمُومَة فَمن تَركهَا من خوف الله أثابه الله إِيمَانًا يجد حلاوة فِي قلبه وَالْأَحَادِيث فِي هَذَا الْبَاب كَثِيرَة
{وَلَا يبدين زينتهن} أَي مَا يتزين بِهِ من الحلى وَغَيرهَا مثل الخلخال والخصاب فِي الرجل والسوار فِي المعصم والقرط فِي الْأذن والقلائد فِي الْعُنُق فَلَا يجوز للْمَرْأَة إظهارها وَلَا يجوز للْأَجْنَبِيّ النّظر إِلَيْهَا {إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} أَي مَا جرت الْعَادة وَالْحِيلَة على ظُهُوره وَاخْتلف النَّاس فِي ظَاهر هَذِه الزِّينَة مَا هُوَ فَقيل هُوَ الثِّيَاب وَقيل الْوَجْه وَقيل الْوَجْه والكفان وَقيل هُوَ الْخَاتم والسوار والكحل والخضاب فِي الْكَفّ وَقيل الجلباب والخمار وَنَحْوهمَا مِمَّا فِي الْكَفّ والقدمين من الْحلِيّ وَنَحْوهَا هَذَا ظَاهر النّظم القرآني وَإِن كَانَ المُرَاد موَاضعهَا كَانَ الِاسْتِثْنَاء رَاجعا إِلَى مَا يشق عَلَيْهَا ستره كالكفين والقدمين وَنَحْو ذَلِك
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة أَن أَسمَاء بنت أبي بكر دخلت على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهَا ثِيَاب رقاق فَأَعْرض عَنْهَا وَقَالَ يَا أَسمَاء إِن الْمَرْأَة إِذا بلغت الْمَحِيض لم يصلح أَن يرى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَأَشَارَ إِلَى وَجهه وكفيه وَهَذَا مُرْسل وَإِنَّمَا رخص لَهَا فِي هَذَا الْقدر لِأَن الْمَرْأَة لَا تَجِد بدا من مزاولة الْأَشْيَاء بِيَدَيْهَا وَمن الْحَاجة إِلَى كشف وَجههَا خُصُوصا فِي الشَّهَادَة والمحاكمة وَالنِّكَاح وتضطر إِلَى الْمَشْي فِي الطرقات وَظُهُور قدميها وخاصة الفقيرات مِنْهُنَّ فَيجوز نظره لأَجْنَبِيّ إِن لم يخف فتْنَة فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي يحرم لِأَنَّهُ مَظَنَّة الْفِتْنَة وَرجح حسما للباب قَالَه الْمحلي {وَليَضْرِبن بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبهنَّ} جمع خمار وَهُوَ مَا تغطي بِهِ الْمَرْأَة رَأسهَا والجيب مَوضِع الْقطع من الدرْع والقميص وَقيل المُرَاد بهَا هُنَا الْعُنُق أَي مَحَله قَالَ الْمُفَسِّرُونَ إِن نسَاء الْجَاهِلِيَّة كن يسدلن خمرهن من خلفهن وَكَانَت جُيُوبهنَّ من قُدَّام وَاسِعَة فتنكشف نحورهن
وقلائدهن فأمرن أَن يضربن مقانعهن على الْجُيُوب ليستر بذلك مَا كَانَ يَبْدُو مِنْهَا
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت رحم الله نسَاء الْمُهَاجِرَات الأولات لما أنزل الله {وَليَضْرِبن بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبهنَّ} شققْنَ أكثف مروطن فَاخْتَمَرْنَ بِهِ أخرجه البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهم وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن جرير وَغَيرهمَا عَنْهَا بِلَفْظ أَخذ النِّسَاء أزرهن فشققنها من قبل الْحَوَاشِي فَاخْتَمَرْنَ بهَا {وَلَا يبدين زينتهن} أَي مَوَاضِع الزِّينَة الْبَاطِنَة وَهِي مَا عدا الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ والصدر والساق وَالرَّأْس وَنَحْوهَا {إِلَّا لبعولتهن} أَي أَزوَاجهنَّ {أَو آبائهن أَو آبَاء بعولتهن أَو أبنائهن أَو أَبنَاء بعولتهن أَو إخوانهن أَو بني إخوانهن أَو بني أخواتهن أَو نسائهن} المختصات بِهن من جِهَة الِاشْتِرَاك فِي الْإِيمَان الملابسات لَهُنَّ بِالْخدمَةِ والصحبة فجوز للنِّسَاء أَن يبدين زينتهن الْبَاطِنَة لهَؤُلَاء لِكَثْرَة المخالطة الضرورية بَينهم وبينهن وَعدم خشيَة الْفِتْنَة من قبلهم لما فِي الطباع من النفرة عَن مماسة القرائب وَقد روى عَن الْحسن وَالْحُسَيْن عليهما السلام أَنَّهُمَا كَانَا لَا ينْظرَانِ إِلَى أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ ذَهَابًا مِنْهُمَا إِلَى أَن أَبنَاء البعولة لم يذكرُوا فِي الْآيَة الَّتِي فِي أَزوَاج النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهِي قَوْله {لَا جنَاح عَلَيْهِنَّ فِي آبائهن} وَالْمرَاد بأبناء بعولتهن ذُكُور أَوْلَاد الْأزْوَاج وَيدخل فِي قَوْله {أبنائهن} أَوْلَاد الْأَوْلَاد وَإِن سفلوا وَكَذَا آبَاء البعولة وآباء الْآبَاء وآباء الْأُمَّهَات وَإِن علوا وَكَذَلِكَ أَبنَاء البعولة وَإِن سفلوا وَكَذَلِكَ أَبنَاء الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات
وَذهب الْجُمْهُور إِلَى أَن الْعم وَالْخَال كَسَائِر الْمَحَارِم فِي جَوَاز النّظر إِلَى مَا يجوز لَهُم وَقَالَ الشّعبِيّ وَعِكْرِمَة لَيْسَ الْعم وَالْخَال من الْمَحَارِم قَالَ الْكَرْخِي وَعدم ذكر الْأَعْمَام والأخوال لما أَن الْأَحْوَط أَن يتسترن مِنْهُم حذرا من أَن يصفوهن لأبنائهم وَالْمعْنَى أَن سَائِر الْقرَابَات تشترك مَعَ الْأَب وَالِابْن فِي
الْمَحْرَمِيَّة إِلَّا إبني الْعم وَالْخَال وَهَذَا من الذلالات البليغة فِي وجوب الِاحْتِيَاط عَلَيْهِنَّ من النّسَب
وَلَيْسَ فِي الْآيَة ذكر الرَّضَاع وَهُوَ كالنسب وَيخرج من هَذِه الْآيَة الشَّرِيفَة نسَاء الْكفَّار من أهل الذِّمَّة وَغَيرهم فَلَا يحل لَهُنَّ أَن يبدين زينتهن لَهُنَّ لِأَنَّهُنَّ لَا يتحرجن عَن وصفهن للرِّجَال وَفِي هَذِه الْمَسْأَلَة خلاف بَين أهل الْعلم قَالَ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما هن المسلمات لَا تبديها ليهودية وَلَا نَصْرَانِيَّة وَهُوَ النَّحْر والقرط والوشاح وَمَا يحرم أَن يرَاهُ إِلَّا محرم وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن الْمُنْذر عَن عمر بن الْخطاب أَنه كتب إِلَى أبي عُبَيْدَة أما بعد فَإِنَّهُ بَلغنِي أَن نسَاء من نسَاء الْمُؤمنِينَ يدخلن الحمامات مَعَ نسَاء أهل الشّرك فانه من قبلك عَن ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن ينظر إِلَى عورتها إِلَّا أهل ملتها {أَو مَا ملكت أيمانهن} فَيجوز لَهُم نظرهن إِلَّا مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة فَيحرم نظره لغير الْأزْوَاج وَظَاهر الْآيَة يَشْمَل العبيد وَالْإِمَاء من غير فرق بَين أَن يَكُونُوا مُسلمين أَو كَافِرين وَبِه قَالَ جمَاعَة من أهل الْعلم وَكَانَ الشّعبِيّ يكره أَن ينظر الْمَمْلُوك إِلَى شعر مولاته وَجوزهُ غَيره وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو دَاوُد وَغَيرهمَا عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَتَى فَاطِمَة بِعَبْد قد وهبه لَهَا وَعَلَيْهَا ثوب إِذا قنع بِهِ رَأسهَا لم يبلغ رِجْلَيْهَا وَإِذا غطت بِهِ رِجْلَيْهَا لم يبلغ رَأسهَا فَلَمَّا رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَا تلقى قَالَ إِنَّه لَيْسَ عَلَيْك بَأْس إِنَّمَا هُوَ أَبوك وغلامك وَهُوَ ظَاهر الْقُرْآن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد عَن أم سَلمَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا كَانَ لإحداكن مكَاتب وَكَانَ لَهُ مَا يُؤَدِّي فلتحتجب مِنْهُ
قَالَ سُلَيْمَان الْجمل عَن شيخة فَيجوز لَهُنَّ أَن يكشفن لَهُم مَا عدا مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة وَيجوز للعبيد أَيْضا أَن ينْظرُوا لَهُ وَأَن يكشفوا لَهُنَّ من أبدانهم مَا عدا مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة وَلَكِن بِشَرْط الْعِفَّة وَعدم الشَّهْوَة من الْجَانِبَيْنِ {أَو التَّابِعين غير أولي الإربة من الرِّجَال} أَي الْحَاجة وَالْمرَاد بهؤلاء الحمقى الَّذين لَا حَاجَة لَهُم فِي النِّسَاء وَقيل البله وَقيل الْعنين وَقيل الْخصي وَقيل المخنث وَقيل الشَّيْخ الْكَبِير وَقيل الْمَجْبُوب وَلَا وَجه لهَذَا التَّخْصِيص بل الْمَجْبُوب الَّذِي بَقِي أنثياه والخصي الَّذِي بَقِي ذكره والعنين الَّذِي لَا يقدر على إتْيَان النِّسَاء والمخنث المتشبه بِالنسَاء وَالشَّيْخ الْهَرم كالفحل كَذَا أطلق الْأَكْثَرُونَ
وَالْمرَاد بِالْآيَةِ ظَاهرهَا وهم من يتتبع أهل الْبَيْت فِي فضول الطَّعَام وَلَا حَاجَة لَهُ فِي النِّسَاء وَلَا يحصل مِنْهُ ذَلِك فِي حَال من الْأَحْوَال فَيدْخل فِي هَؤُلَاءِ من هُوَ بِهَذِهِ الصّفة وَيخرج من عداهُ
وَعَن عَائِشَة قَالَت كَانَ مخنث يدْخل على أَزوَاج النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَكَانُوا يَدعُونَهُ من غير أولي الإربة فَدخل النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَوْمًا وَهُوَ عِنْد بعض نِسَائِهِ وَهُوَ ينعَت امْرَأَة قَالَ إِذا أَقبلت أَقبلت بِأَرْبَع وَإِذا أَدْبَرت أَدْبَرت بثمان فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَلا أرى هَذَا يعرف مَا هَهُنَا لَا يدخلن عليكن فحجبوه {أَو الطِّفْل الَّذين لم يظهروا على عورات النِّسَاء} أَي لم يبلغُوا حد الشَّهْوَة للجماع وَقيل لم يعرفوا الْعَوْرَة من غَيرهَا من الصغر وَقيل لم يبلغُوا أَوَان الْقُدْرَة على الْوَطْء والعورة هِيَ مَا يُرِيد الْإِنْسَان ستره من بدنه وَغلب على السوأتين وَاخْتلف الْعلمَاء فِي وجوب ستر مَا عدا الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ من الْأَطْفَال فَقيل لَا يلْزم لِأَنَّهُ لَا تَكْلِيف عَلَيْهِم وَهُوَ الصَّحِيح وَكَذَا اخْتلف فِي عَورَة