الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
137 -
بَاب مَا نزل فِي أَزوَاج النَّبِي صلى الله عليه وسلم وأمرهن بِالْعلمِ وَالْعَمَل
قَالَ تَعَالَى {يَا نسَاء النَّبِي لستن كَأحد من النِّسَاء} بل أنتن أكْرم عَليّ وثوابكن أعظم لدي {إِن اتقيتن} بَين سُبْحَانَهُ أَن هَذِه الْفَضِيلَة لَهُنَّ إِنَّمَا تكون لملازمتهن للتقوى لَا لمُجَرّد اتصالهن بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقد كن وَللَّه الْحَمد على غَايَة من التَّقْوَى الظَّاهِرَة والباطنة وَالْإِيمَان الْخَالِص وَالْمَشْي على طَريقَة الرَّسُول صلى الله عليه وسلم فِي حَيَاته وَبعد مماته {فَلَا تخضعن بالْقَوْل} أَي لَا تلن القَوْل عِنْد مُخَاطبَة النَّاس كَمَا تَفْعَلهُ المريبات من النِّسَاء وَلَا ترققن الْكَلَام {فيطمع الَّذِي فِي قلبه مرض} أَي فجور وشهوة أوشك وريبة أَو نفاق وَالْمعْنَى لَا تقلن قولا يجد الْمُنَافِق والفاجر بِهِ سَبِيلا إِلَى الطمع فيكُن وَالْمَرْأَة مَنْدُوبَة إِلَى الغلظة فِي الْمقَال إِذا خاطبت الْأَجَانِب لقطع الأطماع فِيهِنَّ {وقلن قولا مَعْرُوفا} أَي حسنا مَعَ كَونه خشنا بَعيدا من الرِّيبَة على سنَن الشَّرْع لَا يُنكر مِنْهُ سامعه شَيْئا بِبَيَان من غير خضوع {وَقرن فِي بيوتكن} أَي الزمنها قَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين نبئت
أَنه قيل لسودة زوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا تحجين وَلَا تعتمرين كَمَا تفعل أخواتك قَالَت قد حججْت واعتمرت وَأَمرَنِي الله أَن أقرّ فِي بَيْتِي فوَاللَّه لَا أخرج بَيْتِي حَتَّى أَمُوت قَالَ فوَاللَّه مَا خرجت من بَاب حُجْرَتهَا حَتَّى أخرجت بجنازتها {وَلَا تبرجن تبرج الْجَاهِلِيَّة الأولى} التبرج أَن تبدي الْمَرْأَة من زينتها ومحاسنها مَا يجب ستره مِمَّا تستدعي بِهِ شَهْوَة الرجل وَقد اخْتلف فِي المُرَاد بالجاهلية الأولى فَقيل مَا بَين آدم ونوح أَو زمن دَاوُد وَسليمَان وَقيل مَا بَين نوح وَإِدْرِيس وَكَانَت ألف سنة وَقيل مَا بَين نوح وَإِبْرَاهِيم وَقيل مَا بَين مُوسَى وَعِيسَى أَو مَا بَين عِيسَى وَمُحَمّد عليه السلام وَقيل مَا قبل الْإِسْلَام والجاهلية الْأُخْرَى قوم يَفْعَلُونَ مثل فعلهم فِي آخر الزَّمَان أَو الأولى جَاهِلِيَّة الْكفْر وَالْأُخْرَى جَاهِلِيَّة الفسوق والفجور فِي الْإِسْلَام وَقد بَين حكمهَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا يبدين زينتهن} وَقيل تذكر الأولى وَإِن لم تكن لَهَا أُخْرَى وَكَانَ نسَاء الْجَاهِلِيَّة يظهرن مَا يقبح إِظْهَاره حَتَّى كَانَت الْمَرْأَة تجْلِس مَعَ زَوجهَا وخليلها فينفرد خليلها بِمَا فَوق الْإِزَار إِلَى أَعلَى وينفرد زَوجهَا بِمَا دون الْإِزَار إِلَى أَسْفَل وَرُبمَا سَأَلَ أَحدهمَا صَاحبه
الْبَدَل قَالَ ابْن عَطِيَّة وَالَّذِي يظْهر لي أَنه أَشَارَ إِلَى الْجَاهِلِيَّة الَّتِي لحقنها وأدركنها فأمرن بالنقلة عَن سيرتهن فِيهَا وَهِي مَا كَانَ قبل الشَّرْع من سيرة الْكَفَرَة لأَنهم كَانُوا لَا غيرَة عِنْدهم فَكَانَ أَمر النِّسَاء دون حجبة وَجعلهَا أولى بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا كن عَلَيْهِ وَلَيْسَ الْمَعْنى أَن ثمَّ جَاهِلِيَّة أُخْرَى كَذَا قَالَ وَهُوَ قَول حسن وَيُمكن أَن يُرَاد بالجاهلية الْأُخْرَى مَا يَقع فِي الْإِسْلَام من التَّشَبُّه بِأَهْل الْجَاهِلِيَّة بقول أَو فعل أَي لَا تحدثن بأفعالكن وأقوالكن جَاهِلِيَّة تشابه الْجَاهِلِيَّة الَّتِي كَانَت من قبل
وَعَن عَائِشَة قَالَت الْجَاهِلِيَّة الأولى على عهد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام
وَكَانَت الْمَرْأَة تلبس الدرْع من اللُّؤْلُؤ فتمشي وسط الطَّرِيق لعرض نَفسهَا على الرِّجَال وَكَانَت عَائِشَة رضي الله عنها إِذا قَرَأت هَذِه الْآيَة تبْكي حَتَّى يبتل خمارها رَوَاهُ مَسْرُوق {وأقمن الصَّلَاة} الْوَاجِبَة {وآتين الزَّكَاة} الْمَفْرُوضَة {وأطعن الله وَرَسُوله} فِيمَا أَمر وَنهى وَخص الصَّلَاة وَالزَّكَاة لِأَنَّهُمَا أصل الطَّاعَات الْبَدَنِيَّة والمالية ثمَّ عمم فأمرهن بِالطَّاعَةِ لله وَرَسُوله فِي كل مَا هُوَ مَشْرُوع لِأَن من واظب عَلَيْهِمَا جرتاه إِلَى مَا وراءهما {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس} أَي الْإِثْم والذنب المدنسين للأعراض الحاصلين بِسَبَب ترك مَا أَمر الله بِهِ وَفعل مَا نهى عَنهُ فَيدْخل فِي ذَلِك كل مَا لَيْسَ فِيهِ رضَا الله تَعَالَى قيل الرجس الشَّك وَقيل السوء وَقيل عمل الشَّيْطَان والعموم أولى {أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ} من الأرجاس والأدناس {تَطْهِيرا} وَفِي اسْتِعَارَة الرجس للمعصية والترشيح لَهَا بالتطهير تنفير عَنْهَا بليغ وزجر لفاعلها شَدِيد
وَقد اخْتلف أهل الْعلم فِي أهل الْبَيْت فِي هَذِه الْآيَة فَقَالَ قوم من السّلف هُوَ زَوْجَات النَّبِي صلى الله عليه وسلم خَاصَّة وَالْمرَاد بِالْبَيْتِ بَيت النَّبِي صلى الله عليه وسلم ومساكن زَوْجَاته لقَوْله تَعَالَى {واذكرن مَا يُتْلَى فِي بيوتكن} وَلِأَن السِّيَاق فِيهِنَّ من قَوْله {يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك} إِلَى قَوْله {لطيفا خَبِيرا}
وَقَالَ قوم هم عَليّ وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن خَاصَّة وَمن حججهم الْخطاب فِي الْآيَة بِمَا يصلح للذكور وَالْإِنَاث وَهُوَ قَوْله {عَنْكُم} و {ليطهركم} وَلَو كَانَ للنِّسَاء خَاصَّة لقَالَ عنكن وليطهركن وَأجِيب بِأَن التَّذْكِير بِاعْتِبَار لفظ الْأَهْل كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ {أَتَعْجَبِينَ من أَمر الله رَحْمَة الله وَبَرَكَاته عَلَيْكُم أهل الْبَيْت}
وَيدل على القَوْل الأول مَا أخرجه ابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ نزلت فِي نسَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم خَاصَّة
وَقَالَ عِكْرِمَة من شَاءَ باهلته أَنَّهَا نزلت فِي أَزوَاج النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَرُوِيَ هَذَا عَنهُ بطرق وَفِي الْبَاب رِوَايَات أُخْرَى تدل على القَوْل الثَّانِي مَذْكُورَة فِي تَفْسِير فتح الْبَيَان فِي مَقَاصِد الْقُرْآن وتوسطت طَائِفَة ثَالِثَة بَين الطَّائِفَتَيْنِ فَجعلت هَذِه الْآيَة شَامِلَة لِلزَّوْجَاتِ ولعلي وَفَاطِمَة الْحسن وَالْحُسَيْن
وَالْحَاصِل أَن من جعل الْآيَة خَاصَّة بِأحد الْفَرِيقَيْنِ أعمل بعض مَا يجب إعماله وأهمل مَا لَا يجوز إهماله وَقد رجح هَذَا القَوْل جمَاعَة من الْمُحَقِّقين مِنْهُم الْقُرْطُبِيّ وَابْن كثير وَغَيرهمَا وَقَالَ جمَاعَة هم بَنو هَاشم فَهَؤُلَاءِ ذَهَبُوا إِلَى أَن المُرَاد بِالْبَيْتِ النّسَب {واذكرن مَا يُتْلَى فِي بيوتكن من آيَات الله وَالْحكمَة} أَي اذكرن مَوضِع النِّعْمَة إِذْ صيركن الله فِي بيُوت يُتْلَى فِيهَا الْقُرْآن وَالسّنة المطهرة واذكرن وتفكرن فِيهَا لتتعظن بمواعظ الله واذكرنها للنَّاس ليتعظوا بهَا ويهتدوا بهداها أَو اذكرنها بالتلاوة لَهَا لتحفظنها وَلَا تتركن الاستكثار من التِّلَاوَة
قَالَ الْقُرْطُبِيّ قَالَ أهل التَّأْوِيل يَعْنِي الْمُفَسّرين آيَات الله هِيَ الْقُرْآن وَالْحكمَة السّنة وَقَالَ قَتَادَة فِي الْآيَة الْقُرْآن وَالسّنة المطهرة وَكَذَا يُرَاد بهَا فِي أَلْفَاظ الحَدِيث الشريف كَحَدِيث الْكَلِمَة الْحِكْمَة ضَالَّة الْمُؤمن فَحَيْثُ وجدهَا فَهُوَ أَحَق بهَا أَو كَمَا قَالَ وتأويلها بِغَيْر هَذَا تَأْوِيل لم يدل عَلَيْهِ دَلِيل لَا من الْقُرْآن وَلَا من السّنة