الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
178 -
بَاب مَا نزل فِي سُكْنى المطلقات ونفقتهن وإرضاعهن الْوَلَد
قَالَ تَعَالَى فِي سُورَة الطَّلَاق {أسكنوهن من حَيْثُ سكنتم} أَي يجب للنِّسَاء المطلقات وغيرهن من المفارقات من السُّكْنَى {من وجدكم} أَي من سعتكم وطاقتكم وَذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ إِلَى أَن للمطلقة ثَلَاثًا سُكْنى وَلَا نفقه لَهَا وَذهب نعْمَان وَأَصْحَابه إِلَى أَن لَهَا النَّفَقَة وَالسُّكْنَى وَذهب أَحْمد إِلَى أَنه لَا نَفَقَة وَلَا سُكْنى وَهَذَا هُوَ الْحق كَمَا قَرَّرَهُ فِي نيل الأوطار {وَلَا تضاروهن لتضيقوا عَلَيْهِنَّ} نَهَاهُم سُبْحَانَهُ عَن مضارتهن بالتضييق عَلَيْهِنَّ فِي الْمسكن وَالنَّفقَة وَقَالَ أَبُو الضُّحَى هُوَ أَن يطلقهَا فَإِذا بَقِي يَوْمَانِ من عدتهَا رَاجعهَا ثمَّ طَلقهَا {وَإِن كن} أَي المطلقات الرجعيات أَو البائنات دون الْحَوَامِل المتوفي عَنْهُن {أولات حمل فأنفقوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضعن حَملهنَّ} أَي إِلَى غَايَة هِيَ وضعهن للْحَمْل وَلَا خلاف بَين الْعلمَاء فِي وجوب النَّفَقَة وَالسُّكْنَى للحامل الْمُطلقَة فَأَما الْحَامِل الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا فَقيل ينْفق عَلَيْهَا من
جَمِيع المَال حَتَّى تضع وَقيل لَا ينْفق عَلَيْهَا إِلَّا من نصِيبهَا وَبِه قَالَ الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة غير أَحْمد وَهُوَ الْحق للادلة الْوَارِدَة فِي ذَلِك من السّنة المطهرة {فَإِن أرضعن لكم} أَوْلَادكُم بعد ذَلِك {فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ} أَي أجور إرضاعهن {وأتمروا بَيْنكُم بِمَعْرُوف} خطاب للأزواج والزوجات أَي بِمَا هُوَ مُتَعَارَف بَين النَّاس غير مُنكر عِنْدهم {وَإِن تعاسرتم} فِي حق الْوَلَد وَأجر الرَّضَاع فَأبى الزَّوْج أَن يُعْطي الْأُم الْأجر وأبت الْأُم أَن ترْضِعه إِلَّا بِمَا تُرِيدُ من الْأجر {فسترضع لَهُ أُخْرَى} أَي يسْتَأْجر مُرْضِعَة أُخْرَى ترْضع وَلَده وَلَا يجب عَلَيْهِ أَن يسلم مَا تطلبه الزَّوْجَة وَلَا يجوز لَهُ أَن يكرهها على الْإِرْضَاع بِمَا يُرِيد من الْأجر {لينفق ذُو سَعَة من سعته وَمن قدر عَلَيْهِ رزقه فلينفق مِمَّا آتَاهُ الله} من الرزق لَيْسَ عَلَيْهِ غير ذَلِك وتقديرها بِحَسب حَال الزَّوْج وَحده من عسره ويسره وَلَا اعْتِبَار بِحَالِهَا فَيجب لابنَة الْخَلِيفَة مَا يحب لابنَة الحارس وَهُوَ ظَاهر هَذَا النّظم القرآني فَجعل الِاعْتِبَار بِالزَّوْجِ فِي الْعسر واليسر وَلِأَن الِاعْتِبَار بِحَالِهَا يودي إِلَى الْخُصُومَة لِأَن الزَّوْج يَدعِي أَنَّهَا تطلب فَوق كفايتها وَهِي تزْعم أَنَّهَا تطلب قدر كفايتها فقدرت قطعا للخصومة وَالتَّقْدِير الْمَذْكُور مُسلم فِي نَفَقَة الزَّوْجَة وَنَفَقَة الْمُطلقَة إِذا كَانَت رَجْعِيَّة مُطلقًا أَو بَائِنا حَامِلا {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا مَا آتاها} من الرزق فَلَا يُكَلف الْفَقِير أَن ينْفق مَا لَيْسَ فِي وَسعه بل عَلَيْهِ مَا تبلغ إِلَيْهِ طاقته {سَيجْعَلُ الله بعد عسر يسرا} قَالَ أهل التَّفْسِير وَقد صدق الله وعده فِيمَن كَانُوا موجودين عِنْد نزُول الْآيَة فَفتح عَلَيْهِم جَزِيرَة الْعَرَب ثمَّ فَارس وَالروم حَتَّى صَارُوا أغْنى النَّاس وَصدق الْآيَة دَائِم غير أَن فِي الصَّحَابَة أتم لِأَن إِيمَانهم أقوى من غَيرهم