الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
123 -
بَاب مَا نزل فِي إِجَابَة الْمَرْأَة الرجل على كِتَابَته إِلَيْهَا
{قَالَت يَا أَيهَا الْمَلأ إِنِّي ألقِي إِلَيّ كتاب كريم إِنَّه من سُلَيْمَان وَإنَّهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم أَلا تعلوا عَليّ وأتوني مُسلمين قَالَت يَا أَيهَا الْمَلأ أفتوني فِي أَمْرِي مَا كنت قَاطِعَة أمرا حَتَّى تَشْهَدُون قَالُوا نَحن أولُوا قُوَّة وأولو بَأْس شَدِيد وَالْأَمر إِلَيْك فانظري مَاذَا تأمرين قَالَت إِن الْمُلُوك إِذا دخلُوا قَرْيَة أفسدوها وَجعلُوا أعزة أَهلهَا أَذِلَّة وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ وَإِنِّي مُرْسلَة إِلَيْهِم بهدية فناظرة بِمَ يرجع المُرْسَلُونَ} {فَلَمَّا جَاءَت قيل أهكذا عرشك قَالَت كَأَنَّهُ هُوَ وأوتينا الْعلم من قبلهَا وَكُنَّا مُسلمين وصدها مَا كَانَت تعبد من دون الله إِنَّهَا كَانَت من قوم كَافِرين قيل لَهَا ادخلي الصرح فَلَمَّا رَأَتْهُ حسبته لجة وكشفت عَن سَاقيهَا قَالَ إِنَّه صرح ممرد من قَوَارِير قَالَت رب إِنِّي ظلمت نَفسِي وَأسْلمت مَعَ سُلَيْمَان} سُورَة النَّمْل
قَالَ تَعَالَى {قَالَت} أَي بلقيس {يَا أَيهَا الْمَلأ إِنِّي ألقِي إِلَيّ كتاب كريم} الْمَلأ الْأَشْرَاف والكريم الْمُعظم أَو الْمَخْتُوم فَإِن كَرَامَة الْكتاب خَتمه كَمَا رُوِيَ ذَلِك مَرْفُوعا قَالَ ابْن المقفع من كتب إِلَى أَخِيه كتابا وَلم يختمه فقد استخف بِهِ {أَنه من} عبد الله {سُلَيْمَان} بن دَاوُد إِلَى بلقيس ملكة سبأ {وَإنَّهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} أَي مفتتح بِالتَّسْمِيَةِ أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَيْمُون بن مهْرَان أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يكْتب بِاسْمِك اللَّهُمَّ حَتَّى نزلت هَذِه الْآيَة فَكَانَ يكْتب الْبَسْمَلَة وَبعدهَا السَّلَام على من اتبع الْهدى
{أَلا تعلوا} لَا تتكبروا {على} كَمَا تَفْعَلهُ جبابرة الْمُلُوك {وأتوني مُسلمين} أَي طائعين منقادين للدّين مُؤمنين بِمَا جِئْت بِهِ قيل لم يزدْ سُلَيْمَان على مَا نَص الله فِي كِتَابه وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاء كَانُوا يَكْتُبُونَ جملا لَا يطيلون وَلَا يكثرون قيل طبعه سُلَيْمَان بالمسك أَي جعل عَلَيْهِ قِطْعَة مِنْهُ كالشمع ثمَّ خَتمه بِخَاتمِهِ {قَالَت يَا أَيهَا الْمَلأ أفتوني فِي أَمْرِي مَا كنت قَاطِعَة أمرا حَتَّى تَشْهَدُون} أَي تشيروا عَليّ {قَالُوا نَحن أولُوا قُوَّة} فِي الْعدَد وَالْعدة {وأولو بَأْس شَدِيد} عِنْد الْحَرْب واللقاء {وَالْأَمر إِلَيْك} أَي إِلَى رَأْيك ونظرك {فانظري} أَي تأملي {مَاذَا تأمرين} إيانا بِهِ فَنحْن سامعون لأمرك مطيعون لَهُ فَلَمَّا سَمِعت تفويضهم الْأَمر إِلَيْهَا لم ترض بِالْحَرْبِ بل مَالَتْ للصلح وبينت السَّبَب فِي رغبتها فِيهِ {قَالَت إِن الْمُلُوك إِذا دخلُوا قَرْيَة} من الْقرى {أفسدوها} أَي خربوا مبانيها وغيروا مغانيها وأتلفوا أموالها وَفرقُوا شَمل أَهلهَا إِذا أخذوها عنْوَة وقهرا أخربوها قَالَه ابْن عَبَّاس {وَجعلُوا أعزة أَهلهَا أَذِلَّة} أَي أهانوا أَشْرَافهَا وحطوا مَرَاتِبهمْ فصاروا عِنْد ذَلِك أَذِلَّة وَإِنَّمَا يَفْعَلُونَ ذَلِك لأجل ان يتم لَهُم الْملك وتستحكم لَهُم الْوَطْأَة وتتقرر لَهُم فِي قُلُوبهم المهابة وَالْمَقْصُود من قَوْلهَا هَذَا تحذير قَومهَا من مسير سُلَيْمَان إِلَيْهِم ودخوله بِلَادهمْ {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} أَرَادَت أَن هَذِه عَادَتهم المستمرة الَّتِي لَا تَتَغَيَّر لِأَنَّهَا كَانَت فِي بَيت الْملك الْقَدِيم فَسمِعت نَحْو ذَلِك وَرَأَتْ {وَإِنِّي مُرْسلَة إِلَيْهِم} أَي إِنِّي أجرب هَذَا الرجل بإرسال رُسُلِي إِلَيْهِ {بهدية} مُشْتَمِلَة على نفائس الْأَمْوَال فَإِن كَانَ ملكا أرضيناه بذلك وكفينا أمره وَإِن كَانَ نَبيا لم يرضه ذَلِك لِأَن غَايَة مطلبه ومنتهى أربه
هُوَ الدُّعَاء إِلَى الدَّين فَلَا ينجينا مِنْهُ إِلَّا إجَابَته ومتابعته والتدين بِدِينِهِ وسلوك طَرِيقَته وَلِهَذَا قَالَت {فناظرة بِمَ يرجع المُرْسَلُونَ} بالهدية من قبُول أَو رد فعاملة بِمَا يَقْتَضِيهِ ذَلِك وَذَلِكَ أَن بلقيس كَانَت امْرَأَة لَبِيبَة عَاقِلَة قد سادت الْأُمُور وجربتها وَقد طول الْمُفَسِّرُونَ فِي ذكر هَذِه الْهَدِيَّة فَلَا فَائِدَة فِي التَّطْوِيل بذكرها هُنَا ثمَّ ذكر سُبْحَانَهُ قصَّة رد الْهَدِيَّة وَطلب عرشها وإتيانه فِي طرفَة الْعين وتنكيره لَهَا إِلَى قَوْله {فَلَمَّا جَاءَت} أَي بلقيس إِلَى سُلَيْمَان {قيل أهكذا عرشك قَالَت كَأَنَّهُ هُوَ} أجابت أحسن جَوَاب إِذْ لم تقل هُوَ هُوَ وَلَا لَيْسَ بِهِ وَذَلِكَ من رجاحة عقلهَا {وأوتينا الْعلم من قبلهَا وَكُنَّا مُسلمين وصدها مَا كَانَت تعبد من دون الله إِنَّهَا كَانَت من قوم كَافِرين قيل لَهَا ادخلي الصرح} أَي الْقصر أَو الصحن أَو كل بِنَاء مُرْتَفع {فَلَمَّا رَأَتْهُ حسبته لجة} أَي مُعظم المَاء وَقيل الْبَحْر {وكشفت عَن سَاقيهَا} لتخوض المَاء خوفًا عَلَيْهَا أَن تبتل فَإِذا هِيَ أحسن النِّسَاء ساقا سليمَة مِمَّا قَالَت الْجِنّ فِيهَا غير أَنَّهَا كَانَت كَثِيرَة الشّعْر فَلَمَّا فعلت ذَلِك وَبَلغت إِلَى هَذَا الْحَد {قَالَ} لَهَا سُلَيْمَان عليه السلام بعد أَن صرف بَصَره عَنْهَا {إِنَّه صرح ممرد من قَوَارِير} أَي مسقف بسطح {قَالَت رب إِنِّي ظلمت نَفسِي} أَي بِمَا كنت عَلَيْهِ من عبَادَة غَيْرك {وَأسْلمت مَعَ سُلَيْمَان} مُتَابعَة لَهُ دَاخِلَة فِي دينه وَهُوَ الْإِسْلَام {لله رب الْعَالمين}
أخرج ابْن الْمُنْذر وَعبد بن حميد وَابْن أبي شيبَة وَغَيرهم عَن ابْن عَبَّاس فِي أثر طَوِيل أَن سُلَيْمَان تزَوجهَا بعد ذَلِك قَالَ أَبُو بكر بن أبي شيبَة مَا أحْسنه من حَدِيث قَالَ ابْن كثير فِي تَفْسِيره بعد حِكَايَة هَذَا القَوْل بل هُوَ مُنكر جدا وَلَعَلَّه من أَوْهَام عَطاء بن السَّائِب على ابْن عَبَّاس وَالله أعلم