الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
36 -
بَاب مَا نزل فِي سِهَام النِّسَاء من الْمِيرَاث
قَالَ تَعَالَى {يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم} هَذَا تَفْصِيل لما أجمل فِي الْآيَة الأولى من أَحْكَام الْمَوَارِيث وَقد اسْتدلَّ بهَا على جَوَاز الْبَيَان عَن وَقت الْحَاجة وَهَذِه الْآيَة بِطُولِهَا ركن من أَرْكَان الدَّين وعمدة من عمد الْأَحْكَام وَأم من أُمَّهَات الْآيَات لاشتمالها على مَا يهم من علم الْفَرَائِض وَقد كَانَ هَذَا الْعلم من أجل عُلُوم الصَّحَابَة رضي الله عنهم وَأكْثر مناظراتهم فِيهِ وَهَذِه الْآيَة ناسخة لما كَانَ فِي صدر الْإِسْلَام من الموارثة بِالْحلف وَالْهجْرَة وَالْمُعَاقَدَة
{للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} المُرَاد حَال اجْتِمَاع الذُّكُور وَالْإِنَاث أما حَال الإنفراد فللذكر جَمِيع الْمِيرَاث وللأنثى النّصْف وللأنثيين فَصَاعِدا الثُّلُثَانِ {فَإِن كن} الْأَوْلَاد المتروكات {نسَاء} لَيْسَ مَعَهُنَّ ذكر {فَوق اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثلثا مَا ترك} أَي الْمَيِّت وَظَاهر النّظم القرآني أَن الثُّلثَيْنِ فَرِيضَة الثَّلَاث من الْبَنَات فَصَاعِدا وَلم يسم للاثنتين فَرِيضَة وَلِهَذَا اخْتلف فِي فريضتهما فَذهب الْجُمْهُور إِلَى أَن لَهما إِذا انفردتا عَن الْبَنِينَ الثُّلثَيْنِ وَذهب ابْن عَبَّاس إِلَى أَن فريضتهما النّصْف وأوضح مَا يحْتَج بِهِ الْجُمْهُور حَدِيث جَابر قَالَ جَاءَت امْرَأَة سعد بن
الرّبيع إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَت يَا رَسُول الله هَاتَانِ ابنتا سعد بن الرّبيع قتل أَبوهُمَا مَعَك فِي أحد شَهِيدا وَإِن عَمهمَا أَخذ مَالهمَا فَلم يدع لَهما مَالا وَلَا تنكحان إِلَّا وَلَهُمَا مَال فَقَالَ يقْضِي الله فِي ذَلِك فَنزلت آيَة الْمِيرَاث فَأرْسل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى عَمهمَا فَقَالَ أعْط ابْنَتي سعد الثُّلثَيْنِ وأمهما الثّمن وَمَا بَقِي فَهُوَ لَك أخرجه ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَأَبُو يعلي وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وأخرجوه من طرق عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل عَن جَابر قَالَ التِّرْمِذِيّ وَلَا يعرف إِلَّا من حَدِيثه
{وَإِن كَانَت وَاحِدَة} بِالرَّفْع أَي فَإِن وجدت بنت وَاحِدَة على أَن كَانَ تَامَّة وَقُرِئَ بِالنّصب أَي وَإِن كَانَت المتروكة أَو المولودة وَاحِدَة وَهَذِه قِرَاءَة حَسَنَة {فلهَا النّصْف} يَعْنِي فرضا لَهَا
{ولأبويه} أَي الْمَيِّت وَالْمرَاد بهما الْأَب وَالأُم وَهَذَا شُرُوع فِي إِرْث الْأُصُول {لكل وَاحِد مِنْهُمَا السُّدس مِمَّا ترك}
وَاخْتلف فِي الْجد هَل هُوَ بِمَنْزِلَة الْأَب فَيسْقط بِهِ الْإِخْوَة أم لَا فَذهب أَبُو بكر الصّديق رضي الله عنه إِلَى الأولى وَلم يُخَالِفهُ أحد من الصَّحَابَة أَيَّام خِلَافَته وَاخْتلفُوا فِي ذَلِك بعد وَفَاته وَبِقَوْلِهِ قَالَ أَبُو حنيفَة وَذهب عَليّ وَزيد بن ثَابت إِلَى تَوْرِيث الْجد مَعَ الْإِخْوَة لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب وَلَا ينقص مَعَهم من الثُّلُث وَلَا ينقص مَعَ ذَوي الْفُرُوض من السُّدس فِي قَول مَالك وَأبي يُوسُف وَالشَّافِعِيّ وَذهب الْجُمْهُور إِلَى أَن الْجد يسْقط بني الْإِخْوَة
وَأجْمع الْعلمَاء على أَن للجدة السُّدس إِذا لم يكن للْمَيت أم وَأَجْمعُوا على أَنَّهَا سَاقِطَة مَعَ وجود الْأُم وعَلى أَن الْأَب لَا يسْقط الْجدّة أم الْأُم وَاخْتلفُوا فِي تَوْرِيث الْجدّة وإبنها حَيّ فَقيل إِنَّهَا لَا تَرث وَبِه قَالَ مَالك وَأَصْحَاب الرَّأْي وَقيل تَرث وَبِه قَالَ أَحْمد
{إِن كَانَ لَهُ ولد} الْوَلَد يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى لكنه إِذا كَانَ الْمَوْجُود
الذّكر من الْأَوْلَاد وَحده أَو مَعَ الْأُنْثَى مِنْهُم فَلَيْسَ للْجدّ إِلَّا السُّدس وَإِن كَانَ الْمَوْجُود أُنْثَى كَانَ للْجدّ السُّدس بِالْفَرْضِ وَهُوَ عصبَة فِيمَا عدا السُّدس وَأَوْلَاد إِبْنِ الْمَيِّت كأولاد الْمَيِّت
{فَإِن لم يكن لَهُ ولد} وَلَا ولد ابْن لما تقدم من الْإِجْمَاع {وَورثه أَبَوَاهُ} مفردين عَن سَائِر الْوَرَثَة أَو مَعَ زوج {فلأمه الثُّلُث} أَي ثلث المَال كَمَا ذهب إِلَيْهِ الْجُمْهُور من أَن الْأُم لَا تَأْخُذ ثلث التَّرِكَة إِلَّا إِذا لم يكن للْمَيت وَارِث غير الْأَبَوَيْنِ أما لَو كَانَ مَعَهُمَا أحد الزَّوْجَيْنِ فَلَيْسَ للْأُم إِلَّا الثُّلُث الْبَاقِي بعد الْمَوْجُودين من الزَّوْجَيْنِ
{فَإِن كَانَ لَهُ إخْوَة} يَعْنِي ذُكُورا أَو إِنَاثًا اثْنَيْنِ فَصَاعِدا {فلأمه السُّدس} يَعْنِي لأم الْمَيِّت سدس التَّرِكَة إِذا كَانَ مَعهَا إخْوَة وَإِطْلَاق الْإِخْوَة يدل على أَنه لَا فرق بَين الْإِخْوَة لِأَبَوَيْنِ أَو لأَحَدهمَا وَقد أجمع أهل الْعلم على أَن الِاثْنَيْنِ من الْإِخْوَة يقومان مقَام الثَّلَاثَة فَصَاعِدا فِي حجب الْأُم إِلَى السُّدس وَأَجْمعُوا أَيْضا على أَن الْأُخْتَيْنِ فَصَاعِدا كالأخوين فِي حجب الْأُم
{من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا أَو دين} يَعْنِي أَن هَذِه الأنصبة والسهام إِنَّمَا تقسم بعد قَضَاء الدَّين وإنفاذ وَصِيَّة الْمَيِّت فِي ثلثه وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَغَيرهم عَن عَليّ رضي الله عنه قَالَ إِنَّكُم تقرأون هَذِه الْآيَة {من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا أَو دين} وَإِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قضى بِالدّينِ قبل الْوَصِيَّة وَإِن أَعْيَان بني الْأُم يتوارثون دون بني العلات