الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال حاتم الأصم: العجلة من الشيطان إلا في خمسة فإنهَّا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إطعام الطعام، وتجهيز الميت، وتزويج البكر، وقضاء الدين، والتوبة من الذنب (1).
قلت: وكذلك الصلاة في أول وقتها، والزكاة إذا حال الحَوْل على النصاب، والحج إذا حصلت الاستطاعة، وإمضاء ما خطر ببالك من صدقة أو نفع مسلم، ويجمع ذلك أمر الآخرة المذكور في الحديث المذكور آنفاً.
46 - ومنها: التوبة والاستغفار
.
وتوبة الأنبياء عليهم السلام مما هو خلاف الأولى، أو من خطيئة لعلها وقعت، أو من القعود في كل لحظة عن الترقي في مقامات الدين، أو نحو ذلك كما تقدم نظيره في الملائكة عليهم السلام.
قال الله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ (37)} [البقرة: 37].
وقال تعالى: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)} [طه: 122].
وقال تعالى: {قَالَ (47)} [هود: 47] نوح: {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47)} [هود: 47].
وقال تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)} [الشعراء: 82].
وقال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(8/ 78).
مِنَّا (127)} [البقرة: 127] إلى قوله: {وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)} [البقرة: 128].
وقال تعالى عن موسى عليه السلام: {فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)} [الأعراف: 143].
وقال تعالى: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)} [ص: 24].
إلى غير ذلك.
وروى الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي عن الأغر بن يسار المزني رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّهُ لَيُغَانَ عَلَىْ قَلْبِيْ، وَإِنِّيْ لأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِيْ اليَوْمِ مِئَةَ مَرَّةٍ"(1).
وروى الإمام مالك، والإمام أحمد، ومسلم عنه [عن ابن عمر]: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يَا أيُّهَا النَّاسُ! تُوْبُوْا إِلَىْ رَبّكُمْ؛ فَوَاللهِ إِنَّي لأتُوْبُ إِلَىْ اللهِ فِيْ اليَوْمِ مِئةَ مَرَّةٍ"(2).
ورواه الإمام أحمد، والطبراني في "الكبير" عن رجل من المهاجرين، والحكيم الترمذي عن الأغر، ولفظهما: "يّاَ أَيُّهَا النَّاسُ! اسْتَغْفِرُوْا اللهَ وَتُوْبُوْا إِلَيْهِ؛ فَإِنِّيْ أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأتوْبُ إِلَيْهِ فِيْ الْيَوْمِ - أَوْ: كُلَّ يَوْمِ - مِئَةَ
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 260)، ومسلم (2752)، وأبو داود (1515)، والنسائي في "السنن الكبرى"(10276).
(2)
رواه الطيالسي في "المسند"(1202)، والإمام أحمد في "المسند"(4/ 211)، ومسلم (2702).
مَرَّةٍ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ مِئَةِ مَرَّةٍ" (1).
وروى ابن أبي الدنيا في كتاب "التوبة"، ومن طريقه الأصبهاني في "ترغيبه" عن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ عليه السلام رَجُلاً طِوَلاً كَأَنَّهُ نَخْلَةٌ سَحُوقٌ (2) كَثِيْرُ شَعْرِ الرَّأسِ، لَا تُرَىْ عَوْرَتُهُ، فَلَمَّا ذَاقَ الشَّجَرَةَ سَقَطَ عَنْهُ رِياشُهُ فَكَانَ أَوَّلُ شَيءٍ بَدَا لَهُ مِنْ جَسَدِهِ أَنْ رَأَىْ عَوْرَتَهُ، فَلَمَّا رَآهَا انْطَلَقَ يَشْتَدُّ فِيْ الجنَّةِ، فَمَرَّ بِشَجَرَةٍ فَأَخَذَتْ بِشَعْرِ رَأسِهِ، فَذَهَبَ يُنَازِعُهَا، وَناَدَاهُ الرَّحْمَنُ عز وجل: يَا آدَمُ! أَمِنِّيْ تَفِرُّ؟ فَلَمَّا سَمعَ كَلَامَ الرَّحْمَنِ قَالَ: لَسْتُ أَفِرُّ مَنْكَ وَلَكِنِّيْ أَسْتَحْيي مِنْكَ يَا رَبِّ، قَالَ: إِنْ أنَا تُبْتُ وَرَاجَعْتُ أَتَتُوْبَ عَلَيَّ؟ قَالَ: نعمْ يَا آدَمُ، قَالَ: فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيْمُ"(3).
وقال الخرائطي في "اعتلال القلوب": أنشدنا أبو جعفر العدوي: [من المتقارب]
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 261)، والطبراني في "المعجم الكبير"(885)، وكذا رواه النسائي في "السنن الكبرى"(10278) عن رجل من المهاجرين.
ورواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول"(2/ 133) عن الأغر المزني رضي الله عنه.
(2)
أي: طويلة.
(3)
ورواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 48)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى"(1/ 31) مع اختلاف يسير في الألفاظ.
ظَلمْتُ فَإِنْ قُلْتُ لا بَلْ ظُلِمْتُ
…
فَإِنِّي أَنا الْقاطِعُ الظَّالِمُ
وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ زَلَّتِي
…
فَإِنيِّ مِنْ خَوْفِها واجِمُ
يَزِلُّ الْحَلِيْمُ وَيَكْبُوْ الْجَوادُ
…
وَينْبُوْ عَنِ الضَّرْبَةِ الصَّارِمُ
عَصَيْتُ وَتُبْتُ كَما قَدْ عَصَىْ
…
وَتابَ إِلَى رَبَّهِ آدَمُ (1)
وأحسن منه قولي:
يا عائبًا لِيْ بِالذُّنُوْبْ
…
أَيُّنا لَمْ يُذْنِبِ
لَكِنْ عَصَيْتُ ثُمَّ تُبْـ
…
ـتُ مِثْلَما تابَ أَبِيْ
فإن التمثل بآدم عليه السلام في التوبة دون التصريح في حقه بالمعصية وهو أولى.
وروى ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما المسيح عليه السلام في رهطٍ من الحواريين بين نهرٍ جارٍ وحمأة (2) منتنة، أقبل طائر حسن اللون يتلون كما هو الذهب، فوقع قريبا فانتفض، فسلخ منه مسكه - بفتح الميم؛ أي: جلده - فإذا هو أقبح شيء حين سلخ عنه مسكه، أقيرع أحيمش، فانطلق يدبُّ إلى الحمأة (3) المنتنة، فتمعك فيها وتلطخ بنتنها، فازداد قبوحًا إلى قبوحه ونتَناً إلى نتَنِهِ، ثم انطلق يَدُبُّ إلى نهر إلى جنبه ضَحضاح صاف، فاغتسل فيه حتى رجع كأنه بيضة مقشرة، قال:
(1) انظر: "قوت القلوب" لأبي طالب المكي (2/ 24).
(2)
في "التوبة": "جيفة" بدل "حمأة".
(3)
في "التوبة": "الجيفة" بدل "الحمأة".