الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأما بيد غيرها فإنه أقبح منه بيد نفسه، وهو من أفعال الشيطان؛ بدليل ما رواه الطبراني عن عكرمة، والدينوري عن مجاهد؛ كلاهما عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنه قال: ما احتلم نبي قط، وإنما الاحتلام من الشيطان بالحال المثيرة للشهوة من الإنسان -ذكرًا كان، أو أنثى- (1).
وقال أبو طالب المكي في "القوت": روينا عن إسماعيل عن أبان، عن أنس رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أَهْلَكَ اللهُ أُمَّةً كَانُوْا يَعْبَثُوْنَ بِمَذَاكِيْرِهِمْ"(2).
29 - ومنها: العبث بدبر نفسه أو بدبر غيره بقصد الشهوة
.
وقد قيل في قوله تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ} [الكهف: 50]: إن الشيطان له ذكر طويل يدخله في دبره فيبيض، ثم تنفلق كل بيضة عن جملة من الشيطان، فهذا أصل ذريته (3).
وقال الشعبي رحمه الله تعالى: إني لقاعد يومًا إذ أقبل حمال فقال: أخبرني هل لإبليس زوجة؟ قلت: إن ذلك لعرس ما شهدته، ثم ذكرت قوله تعالى:{أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي} [الكهف: 50]، فعلمت
(1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(11564)، والدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" (ص: 428). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 267): رواه الطبراني، وفيه عبد الكريم بن أبي ثابت، وهو مجمع على ضعفه.
(2)
ورواه ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(2/ 633) ثم قال: وهذا ليس بشيء، إسماعيل البصري مجهول، وأبو جناب ضعيف.
(3)
انظر: "تفسير البغوي"(3/ 167).
أنه لا يكون ذرية إلا من زوجة، فقلت: نعم (1).
قلت: والمراد أن للشيطان شيطانة يسافدها، لا أنها زوجة بنكاح وعقد؛ فإنه أخس من ذلك.
وعلى ما ذكرناه أولًا فلو كان للرجل ذكر طويل يصل إلى دبر نفسه فلو أدخل في دبر نفسه لكان مرتكباً كبيرة من الكبائر وهو في ذلك متشبه بالشيطان.
والنظر في أنه هل يجب عليه الحد بذلك أم لا؟
لم أقف على نقل في ذلك، والظاهر الأول لأنه لا يملك الاستمتاع بنفسه حتى يحرم عليه الاستمناء بيده، فلا شبهة له تسقط الحد عنه، وقد دخل فعله في مسمى اللواط بلا شك.
وأمَّا عبث الشيطان بدبر غيره، فدليله ما رواه الإِمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ أتىْ الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَاّ أَنْ يَجْمَعَ شَيْئًا مِنْ رَمْلٍ فَيَسْتَدْبِرَهُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِيْ آدَمَ؛ مَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ أَحْسَنَ، ومَنْ لا، فَلا حَرَجَ"(2).
فالعبث بالدبر من أفعال الشيطان، فلا ينبغي العبث بدبر الحليلة
(1) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(25/ 416).
(2)
رواه الإِمام أحمد في "المسند"(2/ 371)، وأبو داود (35)، وابن ماجه (337).
باليد ونحوها -وإن كان له أن يتمتع بما أحب من زوجته- لأن ذلك ربما استجر من يفعله إلى وطئها في الدبر، وهو حرام.
وفي الحديث: "إنه اللوطية الصغرى"(1).
ومن ثم منع بعض العلماء من النظر إلى دبر الحليلة.
ومن القواعد أنه متى حرم النظر حرم المس إلا في مسائل، والأصح أنه مكروه، أو خلاف الأولى.
قال شيخ الإِسلام الوالد في كتاب "فصل الخطاب": [من الرجز]
يَجُوْزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَسْتَمْتِعا
…
بِأَمَةٍ لَهُ وَزَوْجَةٍ مَعاً
بِكُلّ جِسْمِها وَلَوْ بِالدُّبُرِ
…
مِنْ غَيْرِ إِيْلاج لَهُ بِالذَّكَرِ
وَوَطْؤُها فِيْ دُبُرٍ مَحَرَّمُ
…
كَما بِهِ جُمْهُوْرُهُمْ قَدْ جَزَمُوْا
وَنَظَرُ الْقُبُلِ مِثْلُ الدُّبُرِ
…
يَكُوْنُ مَكْرُوْهًا عَلَىْ الْقَوْلِ الْجَلِي
أَيْ نَظَرُ الْحَلْقَةِ وَالْفِقاحْ
…
مِنْ خارِجٍ مَنْظَرُها مُباحْ
هذا حكم المسألة مع الحليلة.
وأما ما يفعله بعض الفسقة من العبث بمقاعد المرد -ولو من فوق الثياب- فإنه حرام، وهو من أفعال الشياطين، ولا يكون ذلك في
(1) رواه الإِمام أحمد في "المسند"(2/ 182)، والنسائي في "السنن الكبرى" (8996) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. قال ابن حجر في "التلخيص الحبير" (3/ 181): وأخرجه النسائي وأعله، والمحفوظ عن عبد الله بن عمرو من قوله.
ملأ ولا خلاء إلا ممن سقط من عين الله تعالى، وطرد من حضرته.
وقد روى ابن أبي الدنيا في كتاب "الملاهي"، وابن الجوزي في كتاب "ذم الهوى" عن سفيان الثوري رحمه الله تعالى قال: لو أن رجلًا عبث بغلام بين أصبعين من أصابع رجليه يريد الشهوة لكان لواطاً (1).
ومن اعتذر عن ذلك بأن الأمرد مملوكه أو صبيه فإن اعتذاره بذلك يوهم استحلال استمتاعه بالمملوك، وهو كفر، وعسى أن الله تعالى قد أطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على ما يقع في هذا الزمان من الفسقة الفجرة من ذلك -ولا عجيب في ذلك- فقال:"شَرُّ الْمَالِ فِيْ آخِرِ الزَّمَانِ الْمَمَالِيْكُ". رواه أبو نعيم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما (2).
وأراد بالمماليك العبيد -وإن لم يكونوا بيضًا-، ويحتمل أنه أراد البيض خاصة وهو المتعارف بين الناس، ويكون في طي إخباره بذلك إخباره بالعرف الذي يصطلح الناس عليه من إطلاق المماليك على البيض.
ثم إن المملوك من حيث هو قد يكون شر المال من حيث إنه يسرق، أو يزني، أو يؤذي فيستجر اللوم والضرر لسيده، وهذا شائع في سائر المماليك إلا أن الشر في البيض أكثر من حيث فعل الفاحشة
(1) رواه ابن أبي الدنيا في "الورع"(ص: 94)، وابن الجوزي في "ذم الهوى" (ص: 199).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(4/ 94). وحكم ابن القيم بوضعه في "المنار المنيف"(ص: 101).