الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الخطيب في كتاب "شرف أصحاب الحديث": أنشدني عبد الغفار بن محمد بن جعفر المكتب قال: أنشدني عمر بن أحمد الواعظ قال: أنشدنا أحمد بن كامل لأبي جعفر الخواص رحمه الله تعالى: [من الرمل]
ذَهَبَتْ دَوْلَةُ أَصْحابِ الْبِدَعْ
…
وَوَهَىْ حَبْلُهُمُ ثُمَّ انْقَطَعْ
وَتَداعَىْ بِانِصْرامٍ جَمْعُهُمْ
…
حِزْبُ إِبْلِيْسَ الَّذِيْ كانَ جَمَعْ
هَلْ لَهُمْ يا قَوْمُ فِيْ بِدْعَتِهِمْ
…
مِنْ فَقِيْهٍ وَإِمامٍ مُتَّبَعْ
مِثْلِ سُفْيانَ أَخِيْ ثَوْرِ الَّذِيْ
…
عَلَّمَ النَّاسَ دَقِيْقاتِ الْوَرَعْ
أَوْ سُلَيْمانَ أَخِيْ التَّيْمِ الَّذِيْ
…
تَرَكَ النَّوْمَ لِهَوْلِ الْمُطَّلَعْ
أَوْ فَتَىْ الإِسْلامِ أَعْنِيْ أَحْمَدا
…
ذاكَ لَوْ قارَعَهُ الْقَرا قَرَعْ
لَمْ يَخَفْ سَوْطَهُمُ إِذْ خَوَّفُوْا
…
لا وَلا سَيْفَهُمُ حِيْنَ لَمَعْ (1)
40 - ومنها: محبة الفتنة، والإشارة بها وبقتل المؤمن، والسعي في إهلاك خيار العباد والمكر بهم
.
قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 27].
روى ابن هشام في "سيرته"، وابن جرير، وغيرهما عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن قريشًا فرقوا لما أسلمت الأنصار أن
(1) انظر: "شرف أصحاب الحديث" للخطيب البغدادي (ص: 72).
يتفاقم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمع نفر من كبارهم في دار الندوة ليتشاوروا في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ من نجد، فلما رأوه قالوا: من أنت؟ قال: شيخ من نجد، وقد سمعت باجتماعكم فأردت أن أحضركم، ولن تعدموا مني رأيًا ونصحًا، قالوا: ادخل.
قال أبو البختري: فأما أنا فأرى أن تأخذوا محمداً وتحبسوه في بيت، وتشدوا وثاقه، وتسدوا باب البيت غير كوة تلقون إليه منها طعامه وشرابه، وتتربصوا به ريب المنون حتى يهلك كما هلك من قبله من الشعراء، فصرخ عدو الله الشيخ النجدي فقال: بئس الرأي! والله لئن حبستموه ليخرج أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه، ويوشك أن يثبوا عليكم فيقاتلوكم، ويأخذوه من أيديكم، قالوا: صدق الشيخ.
فقال هشام بن عمرو: أمَّا أنا فأرى أن تحملوه على بعير فتخرجوه من بين أظهركم، فلا يضركم ما صنع وأين وقع، فإذا غاب عنكم استرحتم، فقال إبليس: ما هذا لكم برأي، تعمدون إلى رجل قد أفسد سفهاءكم لتخرجوه إلى غيركم فيفسدهم، ألم تروا إلى حلاوة منطقه، وطلاقة لسانه، وأخذ القلوب ما سمع من حديثه، والله لئن فعلتم ذلك فيذهب ويستميل قلوب قوم، ثم يسيرهم إليكم فيخرجوكم من بلادكم، فقالوا: صدق والله الشيخ.
فقال أبو جهل: لأشيرن إليكم برأي ما أرى غيره؛ إني أرى أن
تأخذوا من كل بطن شاباً نسيباً وسيطاً فيكم، ثم يعطى كل فتى منهم سيفًا صارماً، ثم يضربوه ضربة رجل واحد، فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل كلها، ولا أظن هذا الحي من بني هاشم يقوون على حرب قريش كلها، وإنهم إذا أرادوا ذلك قبلوا العَقْل، فتودي قريش بديته، فقال إبليس: صدق هذا الفتى، وهو أجودكم رأياً، وإن القول ما قال لا أرى غيره، فتفرقوا على قول أبي جهل وهم مجتمعون له، فأتى جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، وأمره أن لا يبيت مضجعه الذي كان يبيت فيه، فأذن الله تعالى له بالخروج إلى المدينة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله تعالى عنه أن يبيت في مضجعه، وقال:"تَسَحَّ بِبُرْدَتِيْ فَإِنَّهُ لَنْ يَخْلُصَ إِلَيْكَ مِنْهُمْ ما تَكْرَهُهُ".
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ قبضة من تراب، فأخذ الله أبصارهم، وجعل ينثر التراب على رؤوسهم، وهو يقرأ أوائل سورة يس إلى قوله تعالى:{فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [يسَ: 9] ، ومضى إلى الغار من ثور هو وأبو بكر رضي الله عنه، فذلك قوله تعالى:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 35](1).
(1) رواه ابن هشام في "السيرة النبوية"(3/ 6 - 9)، والطبري في "التاريخ"(1/ 566).