الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورواه الإمام أحمد في "الزهد" من كلام عيسى عليه السلام (1).
وفي كتاب الله عز وجل: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)} [الأعلى: 16 - 19].
قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا} [الأعلى: 18]؛ أي: ذم الدنيا وذم إيثارها، وكون الآخرة خيرًا منها هو في الصحف الأولى بمعنى في كتب الله كلها.
روى ابن أبي حاتم عن الحسن، وروى هو وابن جرير عن قتادة رحمه الله تعالى: أنه قال في الآية: تتابعت كتب الله كما تسمعون أن الآخرة خيرٌ من الدنيا (2).
50 - ومنها: الزهد والتقلل من الدنيا، وإيثار الخشن من الثياب والعيش
.
روى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ ناَجَىْ مُوْسَىْ عليه السلام بِمِئَةِ أَلْفٍ وَأَرْبَعِيْنَ أَلْفَ كَلِمَةٍ فِيْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَلَمَّا سَمعَ مُوْسَىْ كَلَامَ الآدَمِيينَ مَقَتَهُمَ لِمَا وَقَعَ فِيْ مَسَامِعِهِ مِنْ كَلَامِ الرَّبِّ عز وجل، فَكَانَ فِيْمَا نَاجَاهُ اللهُ أَنْ قَالَ: يَا مُوْسَىْ! إِنَّهُ لَمْ تتَصَنَّعْ فِيَّ الْمُتَصَنِّعُونَ بِمِثْلِ الزُّهْدِ فِيْ الدُّنْيَا، وَلَمْ تتَقَرَّبْ إِلَيَّ الْمُتَقَرُّبوْنَ بِمِثْلِ الوَرَعِ عَمَّا حَرَّمْتُ
(1) رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 92).
(2)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(10/ 3419)، وكذا الطبري في "التفسير"(30/ 158).
عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَتَعَبَّدِ الْمُتَعَبِّدُوْنَ بِمِثْلِ البُّكَاءِ مِنْ خَشْيَتِيْ، قَالَ مُوْسَىْ: يَا رَبَّ البَرِيَّةِ كُلِّهَا، أَوْ: يَا مَالِكَ يَوْمِ الدِّيْنِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ! مَا أَعْدَدْتَ لَهُمْ؟ وَمَاذَا جَزَيْتَهُمْ؟ قَالَ: أَمَّا الزُّهَادُ فِيْ الدُّنْيَا فَإِنِّيْ أَبَحْتُهُمْ جَنَّتِيْ يتبوأون مِنْهَا حَيْثُ شَاؤُوْا، وَأَمَّا الوَرِعُوْنَ الْمُتَوَرِّعُوْنَ عَمَّا حَرَّمْتُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ لَمْ يَبْقَ عَبْدٌ إِلَاّ ناَقَشْتُهُ وَفتَّشْتُهُ إِلَاّ الوَرِعِيْنَ فَإِنَّيْ أَسْتَحْيِيهِمْ وَأُجِلُّهُمْ وَأُكْرِمُهُمْ وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ بِغيْرِ حِسَابٍ، وَأَمَّا البَكَّاؤُوْنَ مِنْ خَشْيَتِيْ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الرَّفِيْقُ الأَعْلَى لَا يُشَارَكُوْنَ فِيْهِ" (1).
وروى الإمام أحمد في "الزهد" عن خيثمة رحمه الله تعالى قال: قال سليمان بن داود عليهما السلام: جربنا العيش - لينه وشديده - فوجدناه يكفي منه أدناه (2).
وعن فرقد السبخي رحمه الله قال: كان سليمان عليه السلام يأكل خبز الشعير [بالنوى]، ويُطعم الناس الخبز الجواري (3).
وذكر الثعلبي في تفسير قوله تعالى: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ (26)} [آل عمران: 26] عن أبي بكر الوراق رحمه الله قال: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ (26)} [آل عمران: 26]؛ يعني: ملك النفس حتى يغلب هواه كما آتى سليمان عليه السلام؛ كان يأكل خبز الشعير ويُطعم الجواري، وكان
(1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(12650). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 203): رواه الطبراني وفيه جويبر، وهو ضعيف جدًا.
(2)
رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 39).
(3)
رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 91) عن عطاء.
يلبس المرقعة، ولم ينظر إلى السماء أربعين سنة تخشعاً، وكان يدخل المسجد فيرى فقيراً يقعد إلى جنبه ويقول: مسكين جالسَ مسكيناً (1).
وروى الإمامان أبو بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل عن ثابت البناني رحمه الله تعالى قال: قال رجل لعيسى بن مريم عليهما السلام: لو اتخذت حماراً تركبه لحاجتك؟ قال: أنا أكرم على الله أن يجعل لي شيئًا يشغلني عنه (2).
وروى ابن أبي شيبة عن عبيد بن عمير رحمه الله قال: كان عيسى ابن مريم عليهما السلام لا يرفع غداء لعشاء، ولا عشاء لغداء، وكان يقول: إنَّ مع كل يومٍ رزقه، وكان يلبس الشعر، ويأكل من الشجر، وينام حيث أمسى (3).
وروى الإمام أحمد في "الزهد" عن مجاهد رحمه الله تعالى قال: كان عيسى بن مريم عليهما السلام يلبس الشعر، ويأكل من الشجر، ولا يُخبأ اليوم لغد، وَيبْيتُ حيث أتاه الليل، ولم يكن له ولد يموت ولا بيت يخرب (4).
(1) انظر: "تفسير الثعلبي"(3/ 42)، وقد فسَّر الآية دون أن يعزو التفسير لأحد.
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(34235)، والإمام أحمد في "الزهد" (ص: 55).
(3)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(34226).
(4)
ورواه أبو حاتم الرازي في "الزهد"(ص: 4)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(3/ 273).
وروى ابنه في "زوائده" عن ضمرة بن شوذب قال: قال عيسى عليه السلام: جودة الثياب من خيلاء القلب (1).
وعن الحسن رحمه الله تعالى قال: قال عيسى بن مريم عليهما السلام: إني كببتُ الدنيا بوجهها وقعدت على ظهرها، فليس لي ولد فيموت ولا بيت فيخرب، فقالوا له: أفلا تتخذ لك بيتًا، قال: ابنوا لي على طريق السيل بيتًا، قالوا: لا يثبت، قالوا: أفلا نتخذ لك زوجة؟ قال: ما أصنع بزوجة تموت؟ (2)
وروى الدينوري في "المجالسة" عن المعتمر بن سليمان التيمي رحمهما الله قال: خرج عيسى عليه السلام على أصحابه وعليه جُبَّة من صوف، وكساء، وتُبان حافيًا باكياً شَعِثًا، مُصْفر اللون من الجوع، يابس الشفتين من العطش، فقال: السلام عليكم يابني إسرائيل، أنا الذي أنزلت الدنيا منزلتها بإذن الله ولا عجب ولا فخر، أتدرون أين بيتي؟ قالوا: أين بيتك يا روح الله؟ قال: بيتي المساجد، وطيبي الماء، وإدامي الجوع، وسراجي القمر بالليل، وصلاتي [في الشتاء مشارق] الشمس، وريحاني بقول الأرض، ولباسي الصوف، وشعاري خوف رب العزَّة، وجلسائي الزَّمنى والمساكين، أُصبح وليس لي شيء، وأُمْسِي وليس لي شيء، وأنا طيب النفس، غني مكثر، فمن أغنى مني وأربح؟ (3)
(1) ورواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(6/ 130).
(2)
رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 92).
(3)
رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 155)، وكذا ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(47/ 420).