الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَهُ عَوْرتُهُ، فَكَانَ لا يَرَاهَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَانْطَلَقَ هَارِبًا، فَأَخَذَتْ بِرَأْسِهِ شَجَرَةٌ مِنَ الْجَنَّةِ، فَقَالَ لَهَا: أَرْسِلِيْنِيْ، فَقَالَتْ: لَسْتُ مُرْسِلَكَ، قَالَ: فَنَادَاهُ رَبَّهُ عز وجل أَمِنِّيْ تَفِرُّ؟ قَالَ: إِيْ رَبِّيْ! لا، إِنِّي أَسْتَحِييكَ، قَالَ: فَنَادَاهُ: وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَسْتَحْييْ رَبَّهُ عز وجل مِنَ الذَّنْبِ إِذَا وَقَعَ، ثُمَّ يَعْلَمُ بِحَمْدِ اللهِ أَنَّ الْمَخْرَجَ فِيْ الاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ" (1).
52 - ومن أخلاق الشيطان: الامتناع من السجود لله تعالى، وإن شئت فقل: الامتناع من الصلاة، فتارك الصلاة أشبه الناس بالشيطان لأنه أمر بالسجود فلم يسجد
.
وروى الإمام أحمد، وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِيْ، يَقُوْلُ: يَا ويلَهُ -وفي رواية: يَا ويلَتَا! - أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُوْدِ فَسَجَدَ، فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُوْدِ فَأَبَيْتُ، فَلِي النَّارُ"(2).
وإذا كان هذا أسَفه عند سجدة التلاوة وهي سجود مسنون، فما ظنك بأسفه على حرمانه من الصلاة المفروضة ذات الركوع والسجود، وقراءة القرآن وذكر الله تعالى.
وإنما يحصل هذا الأسف لإبليس عند السجود لأنه ممنوع منه بسبب ما قضي عليه من اللعنة المؤبدة مع حيلولة القدرة الإلهية بينه وبين
(1) تقدم تخريجه.
(2)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 443)، وابن ماجه (1052). وكذا رواه مسلم (81).
السجود، واللعنة هي الإبعاد عن حضرة القرب إلى الله تعالى.
قال الله تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَقْرَبُ مَا يَكُوْنُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ إِذَا كَانَ سَاجِدًا". رواه مسلم (1)، وغيره.
وكذلك تارك الصلاة إنما يتأسف عليها عند اليأس منها، وذلك عند الموت.
وروى أبو نعيم عن كعب رحمه الله تعالى قال: ليس شيء أشد على إبليس وجنوده الشياطين، ولا أكثر لبكائهم من أن يروا مسلماً ساجداً؛ يقولون: بالسجود دخلوا الجنة، وبالسجود دخلنا النار (2).
أي: بالسجود دخلوا الجنة إجابة، وبالسجود دخلنا النار إباءة.
وروى ابن أبي الدنيا عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن إبليس -لعنه الله- لقي موسى عليه السلام فقال: يا موسى! أنت الذي اصطفاك الله برسالته وكلمك تكليماً، وأنا من خلق الله تعالى أذنبت وأنا أريد أن أتوب، فاشفع لي إلى ربك أن يتوب علي، قال موسى: نعم، فدعا موسى ربه تعالى، فقال: يا موسى! قد قضيت حاجتك، فليسجد لقبر آدم، فلقي موسى إبليس، فقال له: أمرت أن تسجد لقبر آدم ليتاب عليك، قال: فاستكبر وغضب، وقال: لم أسجد له حياً، أأسجد له ميتا؟ ثم قال: يا موسى! إن علي حقاً مما شفعت لي إلى
(1) رواه مسلم (482) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(6/ 29).