الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأراد الغلام أن يُعَرِّف أبا الحسين بأنه أظهر له الإنكار والنصيحة وهو يريد مغازلته ومداعبته وذلك عين خائنة الأعين، وكأن الغلام صاحب كشف وإشراف على حال أبي الحسين، ولذلك اعترف أبو الحسين بحقيقة ما وقع له معه، وأراد بهذه الحكاية الإخبار عن مقام الغلام والشهادة له والإشارة إلى من حاله التزهد والانقطاع إلى الله تعالى لا ينبغي التعرض لمثل ذلك ولا الاسترسال مع هوى نفسه، فربما يكشف حاله ويفضح من حيث لا يحتسب.
ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّهُ لَا يَنْبَغِيْ لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُوْنَ لَهُ خَائِنَةُ الأَعْيُنِ"؛ لأن مقام الأنبياء منزه عن التنزل إلى الرخص بخائنة الأعين، والتسفل إلى حضيض متابعة هوى النفس ولو فيما يتسامح فيه في حق غيرهم، وكذلك من كان من أهل وراثة الأنبياء السالك على محجة الأصفياء والأولياء ينبغي له التصاون عن ذلك وأمثاله، فافهم.
61 - ومنها: الحب في الله تعالى، والبغض في الله، والاجتماع على الله، والهجرة في الله سبحانه وتعالى
.
روى الإمام أحمد في "الزهد" عن محمد بن النضر الحارثي قال: أوحى الله تعالى إلى موسى بن عمران عليه السلام: كن يقظاناً مُرتاداً لنفسك أخداناً، فكل خَدَن لا يواتيك على مسرتي فهو لك عدو وهو يقسِّي قلبك (1).
(1) رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 84).
وروى الدينوري عن الفضيل بن عياض رحمه الله قال: أوحى الله إلى نبي من الأنبياء عليهم السلام: أما زهدك في الدنيا فقد تعجلت الراحة، وأما انقطاعك إليَّ فقد تعززت بي، ولكن هل عاديْتَ فيَّ عدواً أو واليْتَ فيَّ وليًّا (1).
ورواه أبو نعيم، والخطيب في "تاريخه" عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولفظه:"أَوْحَىْ اللهُ إِلَىْ نبِيٍّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ أَنْ قُلْ لِفُلَانٍ العَابِدِ: أَمَّا زُهْدُكَ فِيْ الدُّنْيَا فَتَعَجَّلْتَ الرَّاحَةَ، وَأَمَّا انْقِطَاعُكَ إِليَّ فَتَعَزَّزْتَ بِيْ، فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيْمَا لِيْ عَلَيْكَ، قَالَ: يَا رَبِّ! وَمَا لَكَ عَلَيَّ؟ قَالَ: هَلْ عَادَيْتَ فِيَّ عَدُوًّا؟ وَهَلْ وَالَيْتَ فِيَّ وَلِيًّا؟ "(2).
وروى أبو الحسن بن جهضم عن إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى: أنه لمَّا خرج سائحاً لَقِيَه رجلٌ حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فقال له: يا غلام! من أين وإلى أين؟ قال إبراهيم: من الدنيا إلى الآخرة، فقال له: يا غلام! أنت جائع؟ قال: نعم، قال: فقام الشيخ فصلى ركعتين خفيفتين وسلم، فإذا عن يمينه طعام، وعن يساره ماء فقال لي: كُل، فأكلت بقدر شبعي، وشربْتُ بقدر رِبي، فقال لي الشيخ: اعقل وافهم؛ لا تحزن، ولا تستعجل؛ فإنَّ العجلة من الشيطان.
وإياك والتمرد على الله؛ فإنَّ العبد إذا تمرَّد على الله أورث الله قلبه
(1) رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 166).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 317)، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(3/ 202).