الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكذلك مثل عامل الخطيئة حين يكون في الخطأ (1)، وكذلك مثل التوبة كمثل اغتساله من النتن في النهر الضحضاح، ثم راجع دينه حتى تدرع مسكه.
والأقيرع تصغير الأقرع؛ أي: لا شعر على جلده.
والأحيمش تصغير الأحمش - بالحاء المهملة، والشين المعجمة -: وهو دقيق الساقين.
والضحضاح: الماء الذي لا يغرق.
ولعلنا نختم الكتاب بخاتمة لطيفة في المتاب.
47 - ومنها: الورع، والحذر من الشبهات
.
روى ابن أبي الدنيا في كتاب "الورع"، وفي كتاب "البكاء" (2) عن سعيد بن عبد العزيز رحمه الله: أن يحيى بن زكريا عليهما السلام كان لا يأكل شيئًا مما في أيدي الناس مخافة أن يكون دخله ظلم، وإنما يأكل من نبات الأرض، ويلبس من مَسوك الطير.
وفي "كتاب الورع" عن الحسن رحمه الله تعالى قال: مرَّ عيسى عليه السلام برائحة منتنة، فوضع القوم أيديهم على آنافهم، ولم يفعل ذلك عيسى، ثم مروا برائحة طيبة، فكشفوا أيديهم عن آنفهم ووضع عيسى عليه السلام يده على أنفه، فقيل له في ذلك، فقال: إنَّ الرائحة
(1) في "التوبة": "الخطايا" بدل "الخطأ".
(2)
رواه ابن أبي الدنيا في "الورع"(ص: 90)، وفي "الرقة والبكاء"(403).
الطيبة نعمة فخِفْتُ أن لا أقوم بشكرها، والرائحة المنتنة بلاء فأحببت الصبر على البلاء (1).
واعلم أن الورع لا يختص بالمأكل والمشرب، بل يكون في سائر المباحات كالمشموم، والمنظور، والمسموع، والمنطوق، وكلما دقق الإنسان على نفسه في الورع كلما نجا من الحساب، ولا ينبغي التهاون بشيء أصلاً.
قال القشيري رحمه الله: كان رجل يكتب رقعة وهو في بيت بكِراء، فأراد أن يترب الكتاب من جدار البيت، فخطر بباله أن البيت بالكراء، ثم خطر بباله لا حظر (2) لهذا، فترب الكتاب، فسمع هاتفًا يقول: سيعلم المستخف بالتراب ما يلقى غدًا من سوء الحساب (3).
وذكر في "الإحياء" نحو هذه القصة عن علي بن معبد، وذكر عنه أنه نام فرأى في منامه شخصاً يقول له: يا علي! سيعلم غداً الذين يقولون: وما قدر تراب من حائط (4)؟
وقال الأستاذ أبو عثمان الخيري رحمه الله تعالى: ثواب الورع
(1) رواه ابن أبي الدنيا في "الورع"(ص: 74).
(2)
في "الرسالة القشيرية": "أنه لا خطر" بدل "لا حظر".
(3)
انظر: "الرسالة القشيرية"(ص: 149).
(4)
انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (2/ 96).