الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنك إنما لمته واشتغلت به لوقوع ما منعك في قلبك، ولو هان ذلك عليك لم تشغل بلومه، ثم أنشأ يقول:[من الطويل]
كَرِيمٌ بِصَفْوِ الْماء لَيْسَ بِباخِلٍ
…
بِشَيْءٍ وَلا مُهْدٍ مَلامًا لِباخِلِ (1)
قلت: وهذا لا يمنع من ملام البخلاء على البخل من حيث هو، إنما يذم العبد على ملام البخيل من حيث بخله عليه ووقوع ما منعه إياه في قلبه، وهذا علامة الحرص في القلب.
وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} [التوبة: 58].
فأما لو لامه على بخله على غيره، أو على مطلق البخل فإنه خلق كريم.
وقلت: [من الكامل]
لا تَسْخَطَنَّ عَلى الْبَخِيْلِ لِمَنْعِهِ
…
إِيَّاكَ إِنْ تَسْخَطْ فَإِنَّكَ أَبْخَلُ
بَلْ كُنْ لِوَصْفِ الْبُخْلِ أَقْوى كارهٍ
…
إِنَّ الْبَخِيْلَ مُذَمَّمٌ لا يَنْبُل
64 - ومن أخلاق الشيطان - وهو من جنس ما تقدم -: النهي عن الصدقة لمن تطلب منه الصدقة لا سيما الزكاة
.
وقد يتفق اللوم في هذا الزمان على أبناء الزكاة ممن غلب على قلوبهم حب الدنيا حتى آثرها على الله تعالى على أمره، فيقول لولده أو
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(9/ 391).
لقريبه أو رفيقه: إن رأس مالك قليل لا يحتمل أن تتصدق منه، وربما سماه مبذراً أو مبذرقًا، وهذا كله من أخلاق الشيطان الرجيم.
قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43].
والشيطان يأمر بخلاف ذلك، وكلمة الشح مطاعة وإن كانت شيطانية.
وقد روى الإمام أحمد، وابن خزيمة في "صحيحه"، وابن جرير، والحاكم وصححه، والبيهقي عن بريدة رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَا يُخْرِجُ رَجُلٌ شيئًا مِنَ الصَّدَقَةِ حَتَّى يَفُكَّ عَنْهُ لَحْييَ سَبْعِيْنَ شَيْطَانًا"(1).
وروى ابن أبي شيبة، والبيهقي عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: ما خرجت صدقة حتى يفك عنها لحي سبعين شيطاناً؛ كلهم ينهى عنها (2).
وقلت في المعنى: [من البسيط]
إِنَّ الكَرِيْمَ الَّذِي يَجْرِي التَّصَدُّقُ مِنْ
…
عاداتِهِ أَبَداً سِرًّا وَإِعْلانا
لَهُوَ الكَرِيْمُ الَّذِي ما مِثْلُهُ بَطَلٌ
…
بِقَهْرِهِ النَّفْسَ مَعْ سَبْعِيْنَ شَيْطانا
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 350)، وابن خزيمة في "صحيحه"(2457)، والحاكم في "المستدرك"(1521)، والبيهقي في "شعب الايمان"(3474).
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(9812)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(3475).