الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا حصر في ذلك، بل كذلك الحج -وإن قلنا: إن وجوبه على التراخي- والعمرة، وتأدية الزكاة إذا حانت، وإخراج الصدقة إذا خطرت لك لئلا يثبطك عنها الشيطان والهوى، وتعلُّم العلم، وغير ذلك مما يجمعه عمل الآخرة المشار إليه في حديث سعد رضي الله تعالى عنه.
*
تنبِيْهٌ:
روى الإِمام أحمد في "الزهد" عن وهب رحمه الله تعالى: أن إبليس -لعنه الله- جاء إلى سائح فاراده، فلم يستطع منه شيئًا، فقال له: إني أريد أن أصادقك، قال له السائح: ليس لي بصداقتك حاجة، قال: بلى، سلني عما شئت أخبرك، قال: نعم، قال: بماذا تفتنون الناس؟ قال: إنا ننظر إلى أهل العجلة معهم الحدة فنلعب بهم كما تلعب الصبيان بالأكرة (1).
24 - ومن أفعال الشيطان الرجيم: قتل النفس التي حرم الله، والدعاء إليه، والمعاونة فيه
.
قال الله تعالى: {قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [القصص: 15]؛ يعني: قتل القبطي.
وروى الإِمام أحمد، والشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُشِرْ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيْهِ بِالسِّلاحِ؛ فَإِنَّهُ
(1) رواه الإِمام أحمد في "الزهد"(ص: 103).
لا يَدْرِيْ لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِغُ فِيْ يَده فَيَقَعَ فِيْ حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ" (1).
يقال: نزغ بيده، وبالرمح: إذا طعن، ومنه هذا الحديث.
ومنه أيضًا: قوله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [فصلت: 36].
عبر عن وسوسة الشيطان بالطعن، كأنه يطعن بالوسواس في الصدور.
وأما قوله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ} [الإسراء: 53] فهو معنى الإفساد والتحريش.
وقال ابن جريج في قوله تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ} [المائدة: 30]: تمثل له إبليس وأخذ طيرًا، فوضع رأسه على حجر، ثم شدخ رأسه بحجر آخر، وقابيل ينظر، فعلمه القتل، فرضح قابيل رأس أخيه هابيل بين حجرين (2).
وقد علمت في قصة الأبيض مع برصيصا كيف سوَّل له قتل المرأة التي زنى بها.
وعن وهب: إن المرأة التي حبلت من برصيصا جاءت بولد، فزين له الأبيض قتل الولد فقتله، ثم زين له قتل أمه فقتلها (3).
(1) رواه الإِمام أحمد في "المسند"(2/ 317)، والبخاري (6661)، ومسلم (2617).
(2)
رواه الطبري في "التفسير"(6/ 195).
(3)
تقدم تخريجه.
وروى ابن حبان في "صحيحه" عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا أَصْبَحَ إِبْلِيْسُ بَثَّ جُنُوْدهُ وَقَالَ: مَنْ أَخَذَ الْيَوْمَ مُسْلِمَا ألبَسْتُهُ التَّاجَ، قَالَ: فَيَجِيْءُ هَذَا فَيقُوْلُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى طَلَّقَ امْرَأتهُ، فَيقُوْلُ: يُوْشِكُ أَنْ يتَزَوَّجَ، قَالَ: وَيَجِيْءُ هَذا فَيقُوْلُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى عَقَّ وَالِدَيهِ، فَيقُوْلُ: يُوْشِكُ أَنْ يَبَرَّهُمَا، وَيجِيءُ هَذَا فَيقُوْلُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى أَشَرَكَ، فَيَقُوْلُ: أَنْتَ أَنْتَ، وَيجِيْءُ هَذَا فَيَقُوْلُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى قتَلَ، فَيَقُوْلُ: أَنْتَ أنتَ، وَيُلْبِسهُ التَّاجَ"(1).
وفي هذا الحديث: أن من أخلاق هذا الخبيث وأعماله السعي في التفريق بين الزوجين، وفي عقوق الوالدين، وهذا الثاني من الكبائر، والأول أبغض الحلال إلى الله تعالى؛ لما رواه أبو داود، وابن ماجه، وصححه الحاكم، عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَبْغَضُ الْحَلالِ إِلَى اللهِ الطَّلاقُ"(2).
وقد يكون الطلاق حراماً كطلاق البدعة.
وربما ترتب على الطلاق أمور قبيحة كالظلم في المهر، أو في المتعة، أو في النفقة، والوقوع في العرض من أحد الزوجين، وربما
(1) رواه ابن حبان في "صحيحه"(6189)، وكذا الحاكم في "المستدرك"(8527).
(2)
رواه أبو داود (2178)، وابن ماجه (2018)، والحاكم في "المستدرك"(2794).