الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَصْبَحَتْ فِي زَمانِنا لَيْسَ تُشْرَى
…
بِسِوَى الْبَخْسِ أَوْ بِلا أَثْمانِ
لا تَرَى غَيْرَ زاهِد العلم فِيها
…
إِن شَراها شَكَى مِنَ الْخُسرانِ
وَإِذا جِئْتَهُ بِدِيْوانِ شِعْرٍ
…
مِنْ دَواوِيْنِ حِلْيَةِ الْعِصْيانِ
يَتَلَقَّاها بِالْقَبُوْلِ سَرِيْعاً
…
بادِراً قَطْعَ عُقْدَةِ الْهِمْيانِ
لمَ يَرُجْ عِنْدَهُ سِوَى اللَّهْوِ سُوقاً
…
لَيْسَ هَذا إِلَاّ مِنْ الْخُذْلانِ
108 - ومن خصال الأنبياء عليهم السلام: الشكر
.
وهو أعم أعمالهم لأنه شامل لسائر الأخلاق والأعمال؛ فإن معناه يرجع إلى الطاعة - سواء كانت باللسان أو بالجوارح أو بالقلب - فهو شامل للذكر، والتسبيح، والتهليل، والتحميد، والتكبير، وكل قول في خير، وشامل للصلاة والصدقة والصوم، وكل عمل صالح، والصدق، والإخلاص وحسن النية، وعدم رؤية النفس وتزكيتها، وكل قصد صالح.
قال الله تعالى: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء: 3].
وقال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 121 - 123]؛ أي: المذكورة من التوحيد والقنوت والإخلاص والشكر.
وقال الله تعالى: {قَالَ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف: 144].
وقال تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13].
روى الإمام عبد الله بن المبارك في "الزهد" عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه: أنَّ موسى عليه السلام قال: يا رب! ما الشكر الذي ينبغي لك؟
قال: يا موسى! لا يزال لسانك رطبا من ذكري (1).
ورواه ابن أبي شيبة وزاد فيه: قال: يا رب! إني أكون على حال أُجلك أن أذكرك من الجنابة والغائط وإراقة الماء وعلى غير وضوء؟
قال: بلى.
قال: كيف أقول؟
(1) رواه ابن المبارك في "الزهد"(1/ 335).
قال: قل: سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت فاجنبني الأذى، سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت فقني الأذى (1).
وصحح الحاكم عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: كان نوح عليه السلام إذا أكل طعاماً أو لبس ثوباً حمد الله، فسمي عبداً شكوراً (2).
وروى ابن المبارك عن مجاهد قال عن نوحٍ عليه السلام: لم يأكل شيئاً قط إلا حمد الله عليه، ولم يشرب شراباً قط إلا حمد الله عليه، ولم يمش مشياً قط إلا حمد الله عليه، ولم يبطش بشيء قط إلا حمد الله عليه، فأثنى الله عليه أنه كان عبداً شكوراً (3).
وروى هو، وعبد الله ابن الإمام أحمد عن محمد بن كعب القرظي رحمه الله قال: إنَّ نوحاً عليه السلام كان إذا أكل قال: الحمد لله، وإذا شرب قال: الحمد لله، وإذا ركب قال: الحمد لله، فسمَّاه الله عز وجل عبداً شكوراً (4).
وروى الديلمي عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"نُوْحٌ كَبِيْرُ الأَنْبِياءِ، لَمْ يَخْرُجْ مِنْ خَلائِهِ قَطُّ إِلا قالَ: الحَمْدُ للهِ الذِي أَذاقَنِي طَعْمَهُ، وَأَبْقَى مَنْفَعَتَهُ فِي جَسَدِي، وَأَخْرَجَ مِنِّي أَذاه"(5).
(1) تقدم تخريجه.
(2)
رواه الحاكم في "المستدرك"(3371)، وكذا الطبري في "التفسير"(15/ 19).
(3)
رواه ابن المبارك في "الزهد"(1/ 330) وكذا ابن أبي الدنيا في "الشكر"(ص: 70).
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
رواه الديلمي في "مسند الفردوس"(6854).
وروى ابن حبان، والحاكم وصححاه، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَمَّا نُفِخَ فِيْ آدَمَ الرُّوْحُ مَارت وَطارَت، وَصارَت فِي رَأْسِهِ، [فعطس] فَقالَ: الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِيْنَ، فَقالَ اللهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ"(1).
وروى ابن أبي الدنيا في كتاب "التهجد" عن مسعر رحمه الله قال: لمَّا قيل لهم؛ أي: لآل داود: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} [سبأ: 13] لم يأت عليهم ساعة إلا ومنهم مُصلٍّ (2).
وروى الشيخان عن المغيرة رضي الله عنه قال: قام النبي حتى تورمت قدماه، فقيل له: قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال:"أَفَلا أَكُوْنُ عَبْدًا شَكُوْرًا"(3).
وروى الحكيم الترمذي عن الحسن رحمه الله تعالى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قالَ مُوْسَى عليه السلام: يَا رَبِّ! كَيْفَ شَكَرَكَ آدَمُ؟ قالَ: عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنِّي فَذَلِكَ شُكْرُهُ"(4)؛ أي: علم أن ذلك الشكر مني وبتوفيقي.
وروى الإمام أحمد في "الزهد" عن المغيرة، عن عقبة قال: قال
(1) رواه ابن حبان في "صحيحه"(6165) مرفوعاً، والحاكم في "المستدرك"(7682) موقوفاً.
(2)
رواه ابن أبي الدنيا في "التهجد وقيام الليل"(217).
(3)
رواه البخاري (4556)، ومسلم (2819).
(4)
رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول"(1/ 150).
داود عليه السلام: يا رب! هل يأتِ أحد من خلقك الليلة أطول ذكراً لك مني؟
فأوحى الله عز وجل إليه نعم: الضفدع.
قال: وأنزل الله تعالى عليه: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} [سبا: 13] قال: يا رب! كيف أطيق شكرك وأنت الذي تُنعم علي ثم ترزقني على النعمة الشكر، ثم تزيدني نعمة بعد نعمة، فالنعم منك يا رب والشكر منك، وكيف أطيق شكرك؟
قال: الآن عرفتني يا داود حقَّ معرفتي (1).
وعن أبي الجلد رحمه الله قال: قال موسى عليه السلام: إلهي! كيف شكرك وأصغر نعمة وضعتها عندي من نعمك لا يُجاريها عملي كله؟
قال: فأوحى الله إليه أن يا موسى! الآن شكرتني (2).
وعنه أيضاً: أن داود عليه السلام قال في مسألته: إلهي! كيف بي أن أشكرك وأنا لا أصل إلى شكرك إلا بنعمتك؟
فأوحى الله عز وجل إليه: يا داود! ألست تعلم أنَّ الذي بك من النعمة مني؟
(1) رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 69).
(2)
رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 67)، وكذا ابن أبي الدنيا في "الشكر" (ص: 7).
قال: بلى أي رب.
قال: فإني أرضى بذلك منك شكراً (1).
وروى ابن أبي شيبة عن وهب بن منبه رحمه الله قال: قال داود عليه السلام: يا رب! ابن آدم ليس له شعرة إلا تحتها منك نعمة، وفوقها منك نعمة، فمن أين يُكافئك بما أعطيته؟
قال: فأوحى الله تعالى إليه: يا داود! إني أُعطي الكثير وأرضى باليسير، وأداء شكر ذلك لي أن يعلم أنَّ ما به من نعمة مني (2).
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن الحارث رحمه الله قال: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: يا داود! أحبني، وأحب عبادي، وحببني إلى عبادي.
قال: يا رب! هذا أحبك وأحب عبادك، فكيف أحببك إلى عبادك؟ قال: تذكرني عندهم؛ فإنهم لا يذكرون مني إلا الحسن (3).
وروى ابنه عن سعيد بن عبد العزيز، أو عن غيره قال: كان من دعاء داود عليه السلام: سبحان مستخرج الشكر بالعطاء، ومستخرج الدعاء بالبلاء (4).
(1) رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 72).
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(35172).
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 77)، وكذا رواه ابن أبي الدنيا في "الفرج بعد الشدة" (ص: 23).