الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الأصمعي: فإذا أردت أن تسلم من الحاسد فعمِّ عليه أمورك (1).
وقد وقع وصف الحجاج بالشيطانية في كلام الحسن رحمه الله تعالى.
روى أبو نعيم عن ابن شوذب، عنه قال: دعا الحجاج أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: ما أعظم عقوبة عاقب بها النبي صلى الله عليه وسلم؟ فحدثه بالذين قطع النبي صلى الله عليه وسلم أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، ولم يحسمهم، وألقاهم بالحرة، ولم يطعمهم ولم يسقهم حتى ماتوا، قال الحجاج: أين هؤلاء الذين يعيبون علينا والنبي صلى الله عليه وسلم قد عاقب بهذا؟ فبلغ ذلك الحسن، فقال: إن أنساً حمق؛ يعمد إلى شيطان يلتهب فيحدثه بهذا (2).
*
تَنْبِيْهٌ:
حكى البغوي وغيره: أن إبليس لما أراد أن يدخل الجنة فيوسوس لآدم وحواء عليهما السلام منعته الخزنة، فأتى الحية وكانت صديقة لإبليس، وكانت من أحسن الدواب لها أربعة قوائم كقوائم البعير، وكانت من خزان الجنة، فسألها إبليس أن تدخله الجنة في فيها، فأدخلته، فمرت على الخزنة وهم لا يعلمون، فأدخلته الجنة (3).
(1) رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 112).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(6/ 131)، وعنده:"حميق" بدل "حمق".
(3)
انظر: "تفسير البغوي"(1/ 64).
وقال ابن عباس في قوله تعالى: {وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [البقرة: 36]: إنه خطاب لآدم وحواء، وإبليس، والحية. رواه ابن جرير عنه (1).
وعلى هذا: فالآية نص في عداوة إبليس لنا، وهي صديقة إبليس، فاستدل لذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بقتل الحيات، وقال:"مَنْ تَرَكَهُنَّ خَشْيَةَ ثأرِهِنَّ فَلَيْسَ مِنَّا".
زاد في رواية: "مَا سَالَمْنَاهُنَ مُنْذُ حَارَبْنَاهُنَّ". رواه عبد الرزاق، وغيره من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (2).
وقد علمت بذلك أن مسالمة الحية ومصادقتها من أعمال الشياطين، وأشبه الناس بالشيطان من يمسك الحيات ويحميهن من القتل، ويتلطف بهن حتى يضعهن في جيبه مما يلي لحمه، ويزعم أن ذلك كرامة لشيخه.
وهَبْ أن ذلك كرامة لبعض الصوفية أن يمسك بعض فقرائهم الحية ليقتلها لا ليتلطف بها ليكون ذلك من باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لِيَشْجَعْ أَحَدُكُمْ وَلَوْ عَلَى قَتْلِ حَيَّةٍ"(3)،
(1) رواه الطبري في "التفسير"(1/ 240).
(2)
رواه عبد الرزاق في "المصنف"(19617)، وكذا أبو داود (5250)، والإمام أحمد في "المسند"(1/ 348).
(3)
رواه القضاعي في "مسند الشهاب"(1081)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(6/ 199) عن عمران بن حصين رضي الله عنه.
كما ذكره القرطبي (1).
فزعم بعض الجهلة من هؤلاء أن الكرامة في إمساكها ومسالمتها وهي مستسلمة لا تؤذيه، وربما زعم أن الحال يأخذه فيأكلها، ويقطعها باسنانه، وهذا كله حرام لأنها مسمومة، ولحمها نجس، وأكل السم والنجاسة حرام، وكذلك التضمخ بالنجاسة؛ فإن لسعته الحية فمات مات عاصياً، وعلى شيخه مثل إثمه في ذلك كله إن رضي بحاله، ولم ينهه عن ذلك.
وقتل الحيات في الحل والحرم -ولو كان القاتل محرمًا- مشروع مثاب عليه، إلا ما كان من عوامر البيوت فإنهن يؤذنَّ ثلاثة أيام خشية أن يكن من الجن المسلمين، فإن بدا منهن شيء بعد ذلك فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فَاقْتُلُوْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَان" كما رواه مسلم، وغيره من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه (2).
وروى الطبراني، والحاكم وصححه عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْجِنُّ ثَلاثَةُ أَصْنَافٍ: فَصِنْفٌ لَهُمْ أَجْنِحَة يَطِيْرُوْنَ بِهَا فِيْ الْهَوَاءِ، وَصِنْفٌ حَيَّات وَكِلابٌ، وَصِنْفٌ يَحُلُّوْنَ وَيَظْعَنُوْنَ"(3).
وروى الطبراني في "الكبير"، وغيره عن ابن عباس رضي الله
(1) انظر: "تفسير القرطبي"(1/ 315).
(2)
رواه مسلم (2236) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(3)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(22/ 214)، والحاكم في "المستدرك"(3702).
تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "الْحَياتُ مَسْخُ الْجِنِّ كَمَا مُسِخَتِ الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازيرُ مِنْ بَنِيْ إِسْرَائِيْلَ"(1).
وروى الترمذي عن أبي ليلى رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا ظَهَرَتِ الْحَيَّةُ في الْمَسْكَنِ فَقُوْلُوْا لَهَا: إِنَّا نسألكِ بِعَهْدِ نُوْحٍ، وَبِعَهْدِ سُلَيْمَانَ بْنِ داوُدَ: لا تُؤْذِيْنَا، فَإِنْ عَادَتْ فَاقتلُوْهَا"(2).
والحاصل أن الحية إما حية حقيقة فتقتل؛ فإنها من الفواسق.
وإما شيطان في صورة حية.
وإما جني متصور بصورة الحية فيقتل لحديث: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"(3).
وإنما تستأذن العوامر مخافة أن يكن من الجن المسلمين المخلوقين على صورة الحيات.
وروى الإِمام أحمد، وابن حبان في "صحيحه" عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَتَلَ حَيَّةً فَلَهُ سَبع حَسَنَاتٍ"(4).
(1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(11946)، وكذا ابن حبان في "صحيحه"(5640).
(2)
رواه الترمذي (1485) وحسنه.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
رواه الإِمام أحمد في "المسند"(1/ 420)، وابن حبان في "صحيحه"(5630).