الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَنَزَّهَ عَنْ لَوْثِ الشَّوائِبِ سِرُّهُ
…
وَعَنْ قَوْلِ أفاكِ الْمَقالَةِ مُلْحِد
وتبين بما ذكرناه: أنَّ من خصال الأنبياء عليهم السلام:
95 - سكنى الشام
.
ولذلك كانت مواطن الأبدال لأنهم بُدلاء عنهم، ولأنَّ قلوبهم على قلب إبراهيم عليه السلام وهو شامي، وكان مركز القطب بمكة المسرَّفة لأن قلبه على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وقد قدمنا هذا المعنى.
وفي حديث عبد الله بن حوالة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "عَلَيْكَ بِالشَّامِ؛ فَإِنَّهَا خِيْرَةُ اللهِ مِنْ أَرْضِهِ، يِجْتَبِيْ إِلَيْهَا خِيْرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ". رواه أبو داود وغيره، وصححه ابن حبان، والحاكم (1).
وروى الطبراني من طريقين أحدهما جيد، عنه أنَّه قال: يا رسول الله! خِرْ لي بلداً أكون فيه، فلو أعلم أنك تبقى لم أختر عن قريتك شيئاً؟ فقال:"عَلَيْكَ بِالشَّامِ" قال: فلما رأى كراهيتي للشام قال: "أتَدْرِي ما يَقُوْلُ اللهُ فِيْ الشَّامِ؟ إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُوْلُ: يَا شَامُ! أَنْتِ صَفْوَتِي مِنْ بِلادي، أُدْخِلُ فِيْكِ خِيْرَتِي مِنْ عِبَادي، إِنَّ اللهَ تَكَفَّلَ لَي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ"(2).
(1) تقدم تخريجه.
(2)
رواه الطبراني في "مسند الشاميين"(601)، و (292). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 59): رواه الطبراني من طريقين، ورجال أحدهما رجال الصحيح، غير صالح بن رستم، وهو ثقة.
روى ابن أبي حاتم من حديثه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رَأَيْتُ لِيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَمُوْدًا أَبْيِضَ كَأَنَّهُ لُؤْلُؤْةٌ، تَحْمِلُهُ المَلائِكَةُ، قُلْتُ: ما تَحْمِلُوْنَ؟ قَالوا: عَمُوْدَ الإِسْلَامِ، أُمِرْناَ أَنْ نَضَعَهُ بِالشَّامِ"(1).
وسبق في التشبه بالملائكة عليهم السلام: "طُوْبَى لِلشَّامِ لأَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهَا"(2).
وفي رواية أخرجها الطبراني في "الكبير": "طُوْبَى لِلشَّامِ، إِنَّ الرَّحْمَنَ لَبَاسِطٌ رَحْمَتَهُ عَلَيْهِ"(3).
وروى هو فيه، والحاكم وصححه، عن أبي أمامة رضي الله عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الشَّامُ صَفْوَةُ اللهِ مِنْ بِلَادِهِ، إِلَيْهَا يِجْتَبِيْ صَفْوَتَهُ من عِبَاده، فَمَنْ خَرَجَ مِنَ الشَّامِ إِلَىْ غَيْرِهَا فَبِسُخْطِهِ، وَمَنْ دَخَلَهَا مِنْ غَيْرِهَا فَبِرَحْمَتِهِ"(4).
وهو يريد بقوله: "من غيرها"، و"إلى غيرها" ما عدا مكة والمدينة؛ لأنهما أفضل من سائر الأرَضين.
وروى الإمام أحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فُسْطَاطُ المُسْلِمِيْنَ يَوْمَ المَلْحَمَةِ الكُبْرَىْ بِأرْضٍ يُقَالُ لَها: الغُوْطَةُ،
(1) كذا عزاه السيوطي في "الدر المنثور"(5/ 227) إلى ابن أبي حاتم.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(4935) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 60): رجاله رجال الصحيح.
(4)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(7718)، والحاكم في "المستدرك"(8555).
فَيْها (1) مَدِيْنةٌ يُقَالُ لَهَا: دمَشْقُ؛ خَيْرُ مَنَازِلِ المُسْلِمِيْنَ يَوْمَئذٍ (2) " (3).
وروى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن عساكر بسند صحيح، عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى:{وَآوَيْنَاهُمَا} يعني: عيسى وأمه عليهما السلام {إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون: 50]: إنها دمشق.
وفي لفظ: أُنبئنا أنها دمشق (4).
ورواه ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب، وابن عساكر عن سعيد بن المسيب، وعن الحسن البصري (5).
وروى ابن أبي حاتم عن مجاهد: أنها الغوطة وما حولها (6).
وروى ابن ناصر الدين حافظ دمشق في جزء له ألَّفه في الربوة بسندٍ له متصل، عن ابن عباس رضي الله عنه: أنها شعب النيرب.
(1) في مصدري التخريج: "إلى جانب" بدل "فيها".
(2)
عند أبي داود: "من خير مدائن الشام" بدل "خير منازل المسلمين يومئذ" وهذه الجملة ليست في لفظ "المسند".
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 197)، وكذا رواه أبو داود (4298).
(4)
رواه ابن عساكر في "تاربخ دمشق"(1/ 204).
(5)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(6/ 409)، والطبري في "التفسير"(18/ 26)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(1/ 205) عن سعيد بن المسيب.
وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(1/ 208) عن الحسن البصري.
(6)
انظر: "الدر المنثور"(6/ 100).
والذي عليه الجمهور من المفسرين (1)، واعتمده الإمام فخر الدين الرازي، ورجَّحه شيخ الإسلام الوالد ما سبق: أن الربوة هي دمشق (2).
وهو المروي عن جماعة آخرين؛ منهم: خالد بن معدان، وقتادة، ويزيد بن سخبرة، ويحيى بن سعيد، ويزيد بن سخبرة صحابي رضي الله عنه، ولفظه: دمشق هي الربوة المباركة. أخرجه ابن عساكر (3).
وعنده بسند ضعيف عن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تلا هذه الآية:{وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون: 50]، قال:"هَلْ تَدْرُوْنَ أَيْنَ هِيَ؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:"هِيَ بِالشَّامِ بِأَرْضٍ يُقالُ لهَا: الغُوْطَة، مَدِيْنةٌ يُقَالُ لهَا: دِمَشْقُ، هِيَ خَيْرُ مَدَائِنِ الشَّامِ"(4).
وأخبرنا شيخ الإسلام والدي رحمه الله عن شيخ الإسلام التقوى ابن قاضي عجلون، عن ابن ناصر الدين: أنه أنشد لنفسه: [من الطويل]
إِذا ذُكِرَتْ أَمْصارُ أَرْضٍ بِمَفْخَرٍ
…
سِوَى طَيْبَةٍ وَالْقُدْسِ أَيْضاً وَمَكَّةِ
(1) ورجح الطبري أنها مكان مرتفع ذو استواء وماء ظاهر، دون تحديد لمكان معين، ورجح ابن كثير أنها بيت المقدس. انظر:"تفسير الطبري"(18/ 27)، و"تفسير ابن كثير"(3/ 247).
(2)
انظر: "تفسير الرازي"(23/ 90).
(3)
انظر: "تاريخ دمشق" لابن عساكر (1/ 207 - 209).
(4)
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(1/ 203).