الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأتاه إبليس بنفسه ودخل عليه، وجعل يتعبد معه وقارون يقهره بعبادته، فقال له إبليس: يا قارون! قد رضينا بهذه العبادة وما نحن فيه، أفلا نعود مريضًا لبني إسرائيل، ونشهد لهم جنازة؟
قال قارون: نعم، فأخذ إبليس قارون من الجبل بعد ما كان قد مكث فيه أربعين سنة، فلما أخذه تمكن منه.
فقال إبليس: يا قارون! قد رضينا بهذه العبادة وما نفعله، أفلا نكتسب في الجمعة يومًا ونتعبد بقية الجمعة ونعطي السائل؟
قال قارون: نعم.
قال: فاكتسبوا يومًا، وتعبدوا بقية الجمعة.
ثم قال إبليس: يا قارون! ما نتعبد يومًا ونكتسب يوماً نتصدق ونعطي السائل؟
قال قارون: نعم.
قال: فاكتسبا يومًا وتعبدا يومًا.
قال: فلما فتح إبليس على قارون باب التكسب، وأفسد عليه عبادته انصرف عنه وغاب، وانفتحت على قارون أبواب الدنيا حتى أفسدت عليه دينه فكان من الهالكين (1).
65 - ومن أعمال الشيطان: التبذير والإسراف، والأمر بذلك
.
قال الله تعالى: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ
(1) انظر: "تفسير الثعلبي"(7/ 262).
{وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء: 27].
قال الإمام الوالد في تفسير هذه الآية: [من الرجز]
إِنَّ الْمُبَذِّرينَ كانُوا إِخْوانا
…
مِثْلَ الشَّياطِيْنِ وَكانُوا خِلَاّنا
وَأَصْدِقاءَ لَهُمُ أَوْ تَبَعا
…
فَإِنَّ مَنْ بَذَّرَ أَوْ مَنْ ضَيَّعا
مالَهُ فِيْ مَعْصِيَةٍ أَوْ سَرَفِ
…
يُشْبِهُهُمْ فِي شَرِّهِ أَو تَلَفِ
وروى [الطبراني]- ورواته ثقات - عن أبي العبيدين قال: سألت عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه عن قوله تعالى: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} [الإسراء: 26]، فقال: هو النفقة في غير حقه (1).
وروى الحاكم وصححه، عن يحيى بن الحرار قال: جاء أبو العبيدين إلى عبد الله - وكان رجلاً ضريراً - فكان عبد الله يعرف له، فقال: يا أبا عبد الرحمن! من نسأل إذا لم نسألك؟
قال: فما حاجتك؟
قال: ما الأَوَّاه؟
قال: الرحيم.
قال: فما الماعون؟
قال: ما يتعاون الناس بينهم.
قال: فما التبذير؟
(1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(9009). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(7/ 50): رواته ثقات. وعنده: "حق" بدل "حقه".
قال: إنفاق المال في غير حقه.
قال: فما الأُمَّة؟
قال: الذي يعلم الناس الخير (1).
وروى البخاري في "الأدب المفرد"، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في "الشعب" عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى:{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ} [الإسراء: 27]؛ قال: هم الذين ينفقون المال في غير حقه (2).
وروى ابن أبي حاتم عن مجاهد رحمه الله تعالى قال: لو أنفقت مثل أبي قبيس ذهبًا في طاعة الله لم يك إسرافاً، ولو أنفقت صاعًا - أي: من شعير ونحوه - في معصية الله كان إسرافًا (3).
وقيل لبعضهم: لا خير في السرف، فقال: لا سرف في الخير (4).
وروى البيهقي في "الشعب" عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: ما أنفقت على نفسك وأهل بيتك في غير سرف ولا تبذير، وما تصدقت فلك، وما أنفقت رياء أو سمعة فذلك حظ الشيطان (5).
(1) رواه الحاكم في "المستدرك"(3375).
(2)
رواه البخاري في "الأدب المفرد"(445)، والطبري في "التفسير"(15/ 74)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(6547).
(3)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(5/ 1399)، وكذا الطبري في "التفسير"(19/ 37).
(4)
هو حاتم الطائي، كما في "تفسير الثعلبي"(4/ 198).
(5)
رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(6548).