الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النبي صلى الله عليه وسلم فجرَّ ثوبه، فاعتنقه وقبله (1).
وكذلك تقبيل الطفل الصغير سنة؛ ففي "الصحيحين" عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: تقبلون صبيانكم؟
فقال: "نَعَم".
قالوا: لكنا لا نقبل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَوَأَمْلِكُ أَنَّ اللهَ قَدْ نزَعَ مِنْكُمُ الرَّحْمَةَ؟ "(2).
وكذلك تقبيل المحارم عند اللقاء، وتقبيل يد الصالح والعالم.
فأما تقبيل الغلام الأمرد والجميل، ومصافحته واعتناقه فحرام؛ إلا الولد ونحوه من المحارم على سبيل الشفقة.
85 - ومنها: التبسم في محله من غير قهقهة ولا رفع صوت
.
قال الله تعالى: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا} [النمل: 19].
قال جماعة من العلماء: كان غالب ضحك الأنبياء عليهم السلام التبسم.
وروى أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: هبط آدم عليه السلام من الجنة بياقوتة بيضاء يمسح بها دموعه.
قال: وبكى آدم على الجنة أربعين عاماً، فقال له جبريل عليه
(1) رواه الترمذي (2732) وحسنه.
(2)
رواه البخاري (5652)، ومسلم (2317).
السلام: يا آدم! ما يُبكيك؟ إن الله بعثني إليك مُعزياً، فضحك آدم، فذلك قوله تعالى:{وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [النجم: 43]، فضحك آدم وضحكت ذريته، وبكى آدم وبكيت ذريته (1).
وهذا يدل على أن الضحك والبكاء جِبِلَّةٌ في بني آدم، وهو كذلك.
وإنما الممدوح من الضحك ما كان عن عجب من غير إفراط، أو عن سرور بنعمة الله، أو بشارة بخير، أو بشاشة لمسلم، أو على وجه المداراة.
ومن البكاء ما كان عن حزن بفوات خير أُخروي، أو تقصير في طاعة، أو خوفاً من الله وخشية له، وما كان كذلك فهو من أخلاق النبوة وصفات الصلاح.
روى ابن أبي الدنيا في كتاب "الإخوان" عن ابن الأعرابي قال: لقي يحيى بن زكريا عيسى بن مريم عليهم السلام، ويحيى متبشرٌ متهلِّلُ الوجه، وعيسى قاطبٌ متعَبِّسُ الوجه، فقال عيسى ليحيى: أتضحك كأنك آمن؟
فقال يحيى لعيسى: أتعبس كأنك آيس؟
فأوحى الله إليهما أنَّ ما فعله يحيى أحب إلينا (2).
واعلم أنه يقع في الأحاديث وكلام السلف إطلاق ذم الضحك كثيراً، وهو محمول على الضحك غفلة أو عبثاً، أو المبالغة فيه والاستغراب والاسترسال إلى القهقهة، أو كثرته، وذلك مذموم.
(1) رواه أبو الشيخ في "العظمة"(5/ 1582).
(2)
رواه ابن أبي الدنيا في "الإخوان"(136).
روى الطبراني في "الأوسط" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القَهْقَهَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَالتَبَسُّمُ مِنَ اللهِ تَعَالَى"(1).
وروى هناد عن الحسن رحمه الله مرسلاً، وله شواهد، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الضَّحِكُ ضَحِكَانِ: ضَحِكٌ يُحِبُّهُ اللهُ تَعَالَى، وَضَحكٌ يَمْقُتُهُ اللهُ تَعَالَىْ؛ أَمَّا الضَّحِكُ الَّذِي يُحِبُّهُ اللهُ فَالرَّجُلُ يُكَشِّرُ فِيْ وَجْهِ أَخِيْهِ حَدَاثَة عَهْدٍ بهِ وَشَوْقاً إِلَى رُؤيَتِهِ، وَأَمَّا الضحِكُ الَّذِي يَمْقُتُ اللهَ عَلَيْهِ فَالرَّجُلُ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ الْجَفاءِ وَالبَاطِلِ لِيُضْحِكَ أَوْ يَضْحَكَ يَهْوِي بِها فِي جَهَنَّمَ سَبْعِينَ خَرِيْفاً"(2).
وروى ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا أَبَا هُرَيْرَةَ! كُنْ وَرِعاً تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ".
وفيه: "إِيَّاكَ وَكَثْرَةَ الضَّحِك؛ فَإِن كَثْرَةَ الضَّحِكِ فَسَادُ القَلْبِ"(3).
وروى الإمام أحمد في "الزهد" عن وهيب رحمه الله تعالى قال: قال الخضر لموسى عليهما السلام حين لقيه: يا موسى بن عمران! انزع عن اللجاجة، ولا تمش بغير حاجة، ولا تضحك من غير عجب، والزم بيتك، وابكِ على خطيئتك (4).
(1) رواه الطبراني في "المعجم الصغير"(1057). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 296): رواه الطبراني في "الصغير" وفيه من لم أعرفهم.
(2)
رواه هناد بن السري في "الزهد"(2/ 552).
(3)
رواه ابن ماجه (4217)، وكذا هناد بن السري في "الزهد"(2/ 501)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(5750).
(4)
رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 61)، لكن ذكره عن وهب.
وروى الأصبهاني في "الترغيب" عن يحيى بن كثير قال: قال سليمان بن داود عليهما السلام لابنه: يا بني! لا تُكثر الغيرة على أهلك؛ فترمى بالشر من أجلك وإن كانت بريئة، ولا تُكثر الضحك؛ فإن كثرة الضحك تستخف فؤاد الرجل الحكيم.
قال: وعليك بخشية الله؛ فإنها غلبت كل شيء (1).
وفي حديث أنس رضي الله عنه المروي في "مسند الإمام أحمد"، والكتب الستة إلا "سنن أبي داود": أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَوْ تَعْلَمُوْنَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلَيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيْرًا"(2).
وروى الأصبهاني عن عبد الله بن المبارك رحمه الله: أنه كان ينشد: [من الوافر]
وَكَيْفَ تُحِبُّ أَنْ تُدْعَىْ حَكِيْماً
…
وَأَنْتَ لِكُلِّ ما تَهْوَىْ رَكُوْبُ
وَتَضْحَكُ دائِباً ظَهْراً لِبَطْنٍ
…
وَتَذْكُرُ ما عَمِلْتَ فَلا تَذُوْبُ
(1) ورواه البيهقي في "شعب الإيمان"(835)، وعنده:"غاية لكل" بدل "غلبت"، وروى أبو نعيم في "حلية الأولياء"(3/ 71) طرفاً منه.
(2)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 268)، والبخاري (4345)، ومسلم (426)، والنسائي (1363)، وابن ماجه (4191).