الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
124 - ومن أخلاق الأنبياء عليهم السلام: ترك التداوي ثقةً بالله تعالى، واعتماداً عليه، وفعل التداوي تنفيذاً لحكم الله تعالى، وإظهاراً لما استودعه في الأدوية من المنافع من غير اعتماد عليها ولا على من يشير بها من طبيب ونحوه
.
فالأول: حال أيوب عليه السلام؛ مَكَث في البلاء سبع سنوات والدواب ترعى في جسده، ولم يُرو عنه أنه تداوى.
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنه: أن امرأة أيوب عليهما السلام قالت له ذات يوم: يا أيوب! قد والله نزل بي من الجهد والفاقة ما بعت قرناً من قروني برغيف فأطعمتك، فادعُ ربك عز وجل فليشفك.
قال: ويحَكِ! كنا في النعماء سبعين عاماً فاصبري حتى نكون في الضراء سبعين عاماً.
قال: وكان في البلاء سبع سنين (1).
قال: وقعد الشيطان في الطريق فأخذ تابوتاً يتطيب، فأتته امرأة أيوب فقالت له: يا عبد الله! إنَّ هاهنا إنساناً مُبتلى، فهل لك أن تداويه؟
قال: إن شاء فعلت على أن يقول لي كلمة واحدة إذا بَرَأَ؛ يقول: أنت شفيتني.
قال: فأتته فقالت: يا أيوب! إنَّ هاهنا رجلاً يزعم أنه يداويك
(1) ورواه الحاكم في "المستدرك"(4114)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(9794).
على أن تقول كلمة واحدة: أنت شفيتني.
قال: ويلك! ذاك الشيطان، لله عليَّ إن شفاني الله عز وجل أن أجلدك مئة جلدة، فبينما هم كذلك إذ جاء جبريل عليه السلام فأخذ بيده فقال: قم.
قال: فقال له: اركض برجلك، فركض، فنبعت عين، فقال: اشرب، فشرب.
قال: يقول الله: {هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 42]؛ أي: فشفاه الله تعالى.
والخبر فيه طول (1).
والثاني: حال يعقوب عليه السلام وآخرين من الأنبياء.
قال الله تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} [آل عمران: 93].
روى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: فأخبرنا عمَّا حرَّم إسرائيل على نفسه؟ قال: "سَكَنَ الْبَدْوَ فَاشْتَكَى عِرْقَ النِّسا، فَلَمْ يَجِدْ شَيْئاً يُداوِيْهِ إِلَاّ لُحُوْمَ الإِبِلِ وَأَلْبانهَا، فَلِذَلِكَ حَرَّمَها"، قالوا: صدقت (2).
(1) انظر: "تفسير ابن أبي حاتم"(10/ 3245)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (10/ 67).
(2)
رواه الترمذي (3117) وحسنه.
وروى غيره عن ابن عباس قال: لما أصاب يعقوب عليه السلام عرق النسا وصف له الأطباء أن يجتنب لحوم الإبل، فحرَّمها على نفسه، فقالت اليهود: إنما حرَّمنا على أنفسنا لحوم الإبل أنَّ يعقوب حرَّمها، وأنزل الله تحريمها في التوراة، فأنزل الله هذه الآية (1).
وروى البزار، والطبراني، وابن السني، وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم "أَنَّ نبِيَّ اللهِ سُلَيْمَانَ عليه السلام كَانَ إِذَا قَامَ يُصَلِّي رَأَىْ شَجَرَةً نَابِتَة بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيَقُوْلُ لَهَا: مَا اسْمُكِ؟ فتقُوْلُ: كَذَا، فَيَقُوْلُ: لأَيِّ شَيءٍ أَنْتِ؟ فتقَوْلُ: لِكَذَا، فَإِنْ كَانَتَ لِدَوَاءٍ كتبت، وَإِنْ كَانَتْ لِغِرَاسٍ غرست"(2).
وروى الطبراني من حديثه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَمْسٌ مِنْ سُنَنِ المُرْسَلِيْنَ: الحَيَاءُ، وَالحِلْمُ، وَالحِجَامَةُ، وَالتَّعَطُّرُ، وَالنِّكَاحُ"(3).
وتقدَّم في الباب حديثا أبي أيوب وحصين الخطمي.
وذكر أَبو طالب المكي عن بعض العلماء: أن موسى عليه السلام اعتل علة، فدخل عليه بنو إسرائيل فعزموا عليه فقالوا: لو تداويت بكذا لبرئت، فقال: لا أتداوى حتى يُعافيني من غير دواء، فطالت عليه
(1) انظر: "تفسير البغوي"(1/ 327)، و"زاد المسير" لابن الجوزي (1/ 423).
(2)
رواه البزار في "المسند"(11/ 271)، والطبراني في "المعجم الكبير"(12281)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(4/ 304).
(3)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(11445).
فقالوا له: إنَّ دواء هذه العلة معروفٌ مجرَّب، وإنَّا نتداوى به فنبرأ، فقال: لا أتداوى، فدامَتْ عليه، فأوحى الله إليه: وعزتي لا أبرأتك حتى تتداوى بما ذكروه، فقال لهم: داووني بما ذكرتم، فداووه فبرأ، فأوجس في نفسه من ذلك، فأوحى الله إليه: أردت أن تبطل حكمتي بتوكلك علي؟ من أودع العقاقير منافع الأشياء غيري.
قال أَبو طالب: وروينا في بعض الأخبار: شكى نبي من الأنبياء إلى الله علَّة يجدها، فأوحى الله إليه: كُلِ اللحم باللبن.
قال: وفي خبر آخر: أنَّ نبياً شكا إليه الضعف، فأوحى الله إليه: كُل اللحم باللبن؛ ففيهما القوة.
أحسبه الضعف عن الجماع (1).
قال: وذكر وهب بن منبه: أنَّ ملكاً من الملوك اعتل علَّة وكان حسن السيرة في رعيته، فأوحى الله إلى شعياء النبي صلى الله عليه وسلم: قل له: اشرب ماء اللبن؛ فإنه شفاء من علتك.
قال: وقد روينا أعجب من ذلك: أنَّ قوماً شكوا إلى نبي قبح أولادهم، فأوحى الله إليه: مُرْهم أن يُطعموا النساء الحُبالى السَّفرجل؛ فإنه يحسن الولد (2).
ونقل ذلك حجة الإسلام الغزالي في "الإحياء"، وقال: يُروى
(1) انظر: "قوت القلوب" لأبي طالب المكي (2/ 34).
(2)
انظر: "قوت القلوب" لأبي طالب المكي (2/ 35)، وعنده "ماء التين" بدل "ماء اللبن".