الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى البخاري، وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَعِسَ عَبْدُ الدِّيْنَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيْصَةِ؛ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيْكَ فَلا انتقشَ"(1).
وروى الترمذي من حديثه: "لُعِنَ عَبْدُ الدِّيْنَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ"(2).
63 - ومن قبائح أخلاق الشيطان: البخل، وحمل الناس عليه
.
روى الإمام أحمد في "الزهد" عن مالك بن دينار رحمه الله تعالى قال: قال عيسى عليه السلام للحواريين: إن الشيطان يريد أن يبخلكم فلا تسقطوا في بخله؛ فإني سألت الله عز وجل أن يقويكم (3).
وروى البزار، والطبراني -وسنده حسن- عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قالَ الشَّيْطانُ لَعَنَهُ اللهُ: لَنْ يَسْلَمَ مِنِّي صاحِبُ المالِ مِن إِحْدَى ثَلاثٍ أُغْدُو عَلَيْهِ بِهِنَّ وَأَرُوْحُ: أَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ، وَإِنْفاقِهِ فِيْ غَيْرِ حَقِّهِ، وَأُحَبِّبُهُ إِلَيْهِ فَيَمْنَعُهُ مِن حَقِّهِ"(4).
(1) رواه البخاري (2730).
(2)
رواه الترمذي (2375) وحسنه.
(3)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (2/ 210).
(4)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(288). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 245): إسناده حسن.
وروى ابن أبي الدنيا في "المكائد" عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: إن الشيطان يريد الإنسان بكل ريدة، فإذا أعياه اضطجع في ماله ليمنعه أن ينفق منه شيئًا (1).
وقال حجة الإسلام في "الإحياء": لقي يحيى بن زكريا عليهما السلام إبليس - لعنه الله - في صورته فقال له: أخبرني بأحب الناس إليك وأبغض الناس إليك.
قال: أحب الناس إلي المؤمن البخيل، وأبغض الناس إلي الفاسق السخي.
قال: لم؟
قال: لأن البخيل قد كفاني بخله، والفاسق السخي أتخوف أن يطلع الله عليه في سخائه فيقبله.
ثم ولى وهو يقول: لولا أنك يحيى ما أخبرتك (2).
وقد علم من ذلك أن الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل، أو يمدحون البخل والبخلاء ويحبونهم أشبهُ الناس بالشيطان الرجيم.
ولقد أساء ابن الرومي في قوله كما أنشده العسكري في "أمثاله" له: [من السريع]
(1) انظر: "تلبيس إبليس" لابن الجوزي (ص: 476).
(2)
انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (3/ 256).
لا تَلُمِ الْمَرْءَ عَلى بُخْلِهِ
…
وَلُمْهُ يا صاحِ عَلى نَحْلِهِ
لا عَجَبَ بِالْبُخْلِ مِنْ ذِي حِجَى
…
يُكْرَمُ ما يُكْرَمُ مِنْ أَجْلِهِ (1)
وقد عارضته فقلت، وعن الحق ما حلت رادًا عليه، ومشيرًا إليه:[من السريع]
لا تَلُمِ الْمَرْءَ عَلى بَذْلِهِ
…
وَلُمْهُ وَاعْتُبْهُ عَلى بُخْلِهِ
وَلا تَقُلْ مُعْتَذِرًا إِنَّهُ
…
يُكْرَمُ ما يُكْرَمُ مِنْ أَجْلِهِ
ذُو الْمالِ لا يُكْرِمُهُ مُكْرِمٌ
…
إِلَاّ لِما يَصْنعُ مِنْ بَذْلِهِ
وَمَنْ يَقُلْ غَيْرَ الَّذِي قُلْتُهُ
…
فَذاكَ لا شُبْهَةَ فِي جَهْلِهِ
قَدْ أَشْبَهَ الشَّيْطانَ فِي قَوْلهِ
…
هَذا فَحاذِرْهُ وَفِي فِعْلِهِ
فَاللهُ قَدْ واعَدَ أَهْلَ النَّدى
…
بِالْفَضْلِ وَالْغُفْرانِ مِنْ أَجْلِهِ
فَكُلُّ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ مالِهِ
…
أَمَدَّهُ مَوْلاهُ مِنْ فَضْلِهِ
ولا يخفى ما في ذلك من التلميح بقوله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا} [البقرة: 268].
قال ابن عباس رضي الله عنه: اثنتان من الله تعالى، واثنتان من الشيطان؛ {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة: 268]؛ يقول: لا تنفق مالك
(1) انظر: "الصناعتين" للعسكري (ص: 428).
وأمسكه عليك؛ فإنك تحتاج إليه، {وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ} على هذه المعاصي {وَفَضْلًا} في الرزق. رواه ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم (1).
ومعنى يعدكم الفقر: يخوفكم بالفقر لئلا تنفقوا في وجوه الخير، فيلقي إلى الإنسان أنك إذا أكثرت من الصدقة وتوسعت في النفقة يقل ما بيدك، وتحتاج إلى أموال الناس فتسألهم منها، فيمنعونك ويعيرونك بفقرك.
ومن هذا القبيل قولهم: خلف لعدوك، ولا تحتج لصديقك.
والله سبحانه وتعالى قد أمرنا بالإنفاق ووعدنا بالخلف، فقال:{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39].
وقال بعض العارفين: من كان في الله تلفُه، كان على الله خَلَفُه (2).
وفي التوراة: عبدي أنفق من رزقي أبسطْ عليك فضلي، وإن يدي مبسوطة على كل يد مبسوطة (3).
بل في "الصحيحين" عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"قالَ اللهُ تَعالَى: عَبْدِي! أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ"(4).
(1) رواه الطبري في "التفسير"(3/ 88)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(2/ 530).
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية (1/ 364).
(4)
تقدم تخريجه.