الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِهِ؛ فَإِنَّها تَحِيَّتُكُ وَتَحِيَّةُ ذُرَّيَّتِكِ، فَذهبَ فَقالَ: السَّلامُ عَلَيْكُم، فَقالُوا: السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ فَزادُوْهُ: وَرَحْمَةُ اللهِ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلى صُوْرَةِ آدَمَ فِيْ طُوْلهِ سِتُّوْنَ ذراعاً، فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدَهُ حَتَّى الآنَ" (1).
84 - ومنها: مصافحة الأخ والقريب عند اللقاء، ومعانقته وإظهار البشاشة والبشر والهشاشة
.
روى الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي في كتاب "آداب الصحبة" عن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مِنْ أَخْلَاقِ النَّبِيِّيْنَ وَالصِّدِّيْقِيْنَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِيْنَ البَشَاشَةُ إِذَا تَزَاوَرُوا، وَالمُصَافَحَةُ وَالتَّرْحِيْبُ إِذَا الْتَقَوا"(2).
وروى ابن أبي الدنيا في كتاب "الإخوان"، والخطيب في "تاريخه"، والغسولي في "جزئه" عن تميم الداري رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معانقة الرجل أخاه إذا هو لقيه، قال:"كَانَتْ تَحِيَّةَ الأُمَمِ".
وفي لفظ: "تَحِيَّةَ أَهْلِ الإِيْمَانِ وَخَالِصَ وِدِّهِم، وَأَولُ مَنْ عَانَقَ إِبْرَاهِيْمُ عليه السلام".
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 315)، والبخاري (5873)، ومسلم (2841).
(2)
رواه السلمي في "آداب الصحبة"(ص: 89)، وكذا ابن حبان في "المجروحين"(2/ 79).
وفي لفظ: "فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ عَانَقَ خَلِيْلُ الرحمن عليه السلام؛ فَإِنَّهُ خَرَجَ يوماً يَرْتَادُ لِمَاشِيَتِهِ فِيْ جِبَلٍ مِنْ جِبَالِ بَيْتِ المَقْدِسِ إِذْ سَمعَ صَوْتَ مُقَدِّسٍ يُقَدِّسُ اللهَ تَعَالَى، فَذَهَلَ عَمَّا كَانَ يَطْلُبُ، فَقَصَدَ قَصْدَ الصَّوْتِ، فَإِذَا هُوَ بِشَيْخٍ طُوْلُهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا، أَهْلَبَ يُوَحِّدُ اللهَ تعالى، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيْمُ: يَا شَيْخُ! مَنْ رَبُّكَ؟
قالَ: الَّذِيْ فِي السَّمَاءِ.
قالَ: مَن رَبُّ الأَرْضِ؟
قالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ.
قالَ: أَفِيها رَبٌّ غَيْرُهُ؟
قالَ: ما فِيها رَبٌّ غَيْرُهُ، لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ وَحْدَهُ.
قالَ إِبْراهِيْمُ: فَأَيْنَ قِبْلَتُكَ؟
قالَ: الكَعْبَةُ.
فَسَأَلَهُ عَنْ طَعَامِهِ، قالَ: أَجْمَعُ مِنْ هَذا التَّمْرِ فِي الصَّيْفِ، فآكُلُهُ فِي الشِّتاءِ.
قالَ: هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِكَ؟
قالَ: لا.
قالَ: أَيْنَ مَنْزِلُكَ؟
قالَ: تِلْكَ المَغَارَةُ.
قالَ: اعْبُرْ بِنا إلى بَيْتِكَ.
قالَ: بَينِي وَبَينَهُ وادٍ لا يُخاضُ.
قالَ: فَكَيفَ تَعْبُرُهُ؟
قالَ: أَمْشِي عَلَيهِ ذاهِباً وَأَمْشِي عَلَيهِ جائِياً.
قالَ: انْطَلِقْ بِنا فَلَعَلَّ الَّذِي ذَلَّلَهُ لَكَ يُذَلِّلُهُ لَنا.
فَانْطَلَقا حَتَّى انتُهَيا فَمَشَيا جَمِيعاً عَلَيهِ كُل واحِدٍ مِنْهُما يَعْجَبُ مِن صاحِبِهِ، فَلَمَّا دَخَلا المغارَةَ فَإِذا بِقبْلَتِهِ قِبْلَةِ إِبْراهِيْمَ قَالَ لَهُ إِبْراهِيمُ: أَيُّ يَوْمٍ خَلَقَ اللهُ عز وجل أَشَدُّ؟
قالَ الشَّيْخُ: ذَاكَ اليَوْمُ الَّذِيْ يَضَعُ كُرْسيِّهُ لِلْحِسابِ، يَوْمَ تُسَعَّرُ جَهَنَّمُ لَا يَبْقَى مَلكٌ مُقَرَّبٌ وَلا نبِيٌّ مُرْسَلٌ إِلا خَرَّ تُهِمُّهُ نَفْسُهُ.
قالَ لَهُ إِبراهِيمُ: ادْعُ اللهَ يَا شَيْخُ أَنْ يُؤَمِّنَنِي وَإِيَّاكَ مِنْ هَوْلِ ذَلِكَ اليَوْمِ.
قالَ الشَّيْخُ: وَمَا تَصْنَعُ بِدُعَائِي وَلِي فِي السَّماءِ دَعْوَةٌ مَحْبُوْسَةٌ مُنْذُ ثَلَاثِ سِنِيْنَ؟
قالَ إِبْرَاهِيْمُ: أَلا أُخْبِرُكَ ما حَبَسَ دُعَاءك؟
قالَ: بَلَى.
قالَ إِنَّ اللهَ عز وجل إِذا أَحَبَّ عَبْداً احْتَبَسَ مَسْأَلتهُ يُحِبُّ صَوْتَهُ، ثُمَّ جَعَلَ على كُلِّ مَسأَلَةٍ ذُخْراً لا يَخْطُرُ على قَلْبِ بَشَرٍ، وإِذَا أَبْغَضَ اللهُ عَبْداً عَجَّلَ لَهُ حَاجَتَهُ، أو ألقَى الإِياسَ فِي صدره لِيَقْبِضَ صَوْتَهُ، فَمَا دَعْوَتُكَ الَّتِي هِيَ فِي السَّمَاء مَحْبُوْسَةٌ؟
قالَ: مَرَّ بِي هاهنا شَابٌّ فِي رَأْسِهِ ذؤابةٌ مُنْذُ ثَلَاثِ سِنِيْنَ وَمَعَهُ
غَنَمٌ، قُلْتُ: لِمَنْ هَذهِ؟
قالَ: لإِبْرَاهِيْمَ خَلِيْلِ اللهِ.
قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ لَكَ فِي الأَرْضِ خَلِيْلٌ فَأَرِييْهُ قَبْلَ خُرُوْجِيَ مِنَ الدُّنْيَا.
قالَ لَهُ إِبْرَاهِيْمُ: قَدْ أُجِيْبَتْ دَعْوَتُكَ.
ثُمَّ اعْتَنَقا، فَيَوْمَئِذٍ كانَ أَصْلُ المُعَانَقَةِ، وَكانَ قَبَلَ ذَلِكَ السُّجُوْدُ؛ هذا لِهذا وَهذا لِهذا، ثُمَّ جاءَ الصفاحُ - أَي: المُصَافَحَة - مَعَ الإِسْلامِ، فَلَمْ يُسْجَدْ وَلَمْ يُعَانَقْ وَلَنْ تَفْتَرِقَ الأَصَابعُ حَتَّى يُغْفَرَ لِكُلِّ مُصَافحٍ" (1).
قلت: وقوله: "ولم يُعانَقْ" هذا محمول على غير حالة القدوم من سفر وغيره، وعلى غير الطفل، فإنَّ المعانقة وتقبيل الوجه في سوى ما ذُكر مكروهان، كما في "شرح المهذب"(2).
أما عند القدوم من سفر ونحوه فسُنَّة.
حَسَّنَ الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فأتى فقرع الباب، فقام إليه
(1) رواه ابن أبي الدنيا في "الإخوان"(ص: 181)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (9/ 40). قال العقيلي في "الضعفاء" (3/ 154): فيه عمر بن حفص بن محبر وسليمان بن الربيع، وهما مجهولان والحديث غير محفوظ
…
ثم قال: وذكر حديثاً طويلاً موضوعاً، وقد تابعه من هو نحوه أو دونه، وليس له رواية من طريق يثبت.
(2)
انظر: "المجموع" للنووي (4/ 516).