الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: كان يحيى بن زكريا عليهما السلام يبكي حتى بدت أضراسه، فقالت له أمه: لو أذنت لي يابني حتى أعد لك قطعتين من لبود فأواري بهما أضراسك عن الناظرين، قال: أنت وذاك يا أمه، قال: فاتخذت له قطعتين من لبود فألصقتهما على خديه، وكان يبكي فتنتقع من الدموع، فتجيء أمه فتعصرهما، فتَسِيْل دموعه حتى تَبُلَّ ذراعها (1).
وعن وهيب بن الورد رحمه الله قال: كان يحيى بن زكريا عليهما السلام له خطان في خديه من البكاء، فقال له أبوه زكريا: إني إنمَّا سألت ولداً تقرُّ به عيني، فقال له: يا أبه! إنَّ جبريل عليه السلام أخبرني أنَّ بين الجنة والنار مفازة لا يقطعها إلَاّ كلُّ بكَّاء (2).
وروى الإمام أحمد في "الزهد" عن مجاهد رحمه الله قال: كان طعام يحيى بن زكريا عليهما السلام العشب، وإن كان ليبكي من خشيه الله تعالى ما لو كان القارُ على عينيه لحرقه، ولقد كانت الدموع اتخذت مجرىً في وجهه (3).
43 - ومنها: الحزن
.
قال الله تعالى في يعقوب عليه السلام: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ
(1) رواه ابن أبي الدنيا في "الرقة والبكاء"(397).
(2)
رواه ابن أبي الدنيا في "الرقة والبكاء"((398)، وكذا رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(8/ 149).
(3)
رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 90).
الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)} [يوسف: 84].
روى ابن أبي الدنيا في كتاب "الحزن" عن الحسن رحمه الله تعالى قال: كان بين خروج يوسف عليه السلام من عند يعقوب عليه السلام إلى أن رجع ثمانين سنة، فما فارق الحزن قلبه، وما زال يبكي حتى ذهب بصره، قال: والله إن كان على الأرض يومئذ [بشر] أكرم على الله من يعقوب (1).
وروى ابن جرير عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه سُئِلَ ما بلغ وَجْدُ يعقوب على ابنه عليهما السلام؟ قال: وَجْدَ سَبْعِيْنَ ثَكْلَىْ، قيل: فما له من الأجر؟ قال: أَجْرُ مِئَةِ شَهِيْدٍ، وَمَا سَاءَ ظَنُّهُ بِاللهِ سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ وَلَا نهارٍ (2).
وروى ابن المبارك، وعبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن قتادة في قوله:{فَهُوَ كَظِيمٌ (84)} [يوسف: 84] قال: كظم الحزن، فلم يقل إلا خيرًا.
وفي رواية: يردد حزنه في جوفه، ولم يتكلم بسوء (3).
وروى ابن أبي حاتم عن الأحنف بن قيس رحمه الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ داوُدَ عليه السلام قَالَ: يَا رَبِّ! إنَّ بَنِيْ إِسْرَائِيلَ يَسْأَلُوْنَكَ
(1) رواه ابن أبي الدنيا في "الهم والحزن"(ص: 30).
(2)
رواه الطبري في "التفسير"(13/ 46).
(3)
رواه ابن المبارك في "الزهد"(1/ 159)، وعبد الرزاق في " التفسير"(2/ 327)، والطبري في "التفسير"(13/ 40)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(7/ 2187).
بِإبْرَاهِيْم وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوْبَ فَاجْعَلْنِي لَهُمْ رَابِعًا، فَأَوْحَىْ اللهُ إلِيَهْ أَنَّ إِبْرَاهِيْمَ أُلقِيَ فِيْ النَّارِ بِسَبَبِيْ فَصَبَرَ، وَتلْكَ بَلِيَّةٌ لَمْ تَنَلْكَ، وَأنَّ إِسْحَاقَ بَذَلَ مُهْجَةَ دَمِهِ فِيْ سَبَبِي فَصَبَرَ، وَتلْكَ بَلِيَّهٌ لَمْ تَنَلْكَ، وَأنَّ يَعْقُوْبَ أَخَذْتُ مِنْهُ حَبِيْبَهُ حَتَّىْ ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَصَبَرَ، وَتلْكَ بَلِيَّةٌ لَمْ تَنَلْكَ" (1).
ومن هنا يُعلم أنَّ الحزن لا يكون فضيلة كاملة ورتبة عالية إلا إذا قُرِنَ بالصبر وبحسن الظن بالله تعالى، وعدم الضجر، وترك التكلم بما يُشعر بالجزع، والتبرم لقَضاء الله تعالى.
فأما إذا كان الحزن مقرونًا بالجزع أو سوء الظن بالله تعالى، فإنه مذموم.
وعليه يحمل استعاذة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الهم والحزن، أو على الحزن على ما فات من الدنيا والهمِّ بأمورها ما عدا الهم بالمعيشة والعيال، فإنه ليس من هم الدنيا المذموم.
وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم "إنَّ مِنَ الذُّنُوْبِ ذُنُوْبًا لَا يُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَلَا الْحَجُّ وَلَا العُمْرَةُ؛ يُكَفِّرُهَا الْهُمُوْمُ فِيْ طَلَبِ الْمَعِيْشَةِ". رواه أبو
(1) رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(7/ 2186). قال ابن كثير في "التفسير"(2/ 489): مرسل وفيه نكارة، فإن الصحيح أن إسماعيل هو الذبيح، ولكن علي بن زيد بن جدعان له مناكير وغرائب كثيرة، والله أعلم، وأقرب ما في هذا - أن - الأحنف بن قيس رحمه الله حكاه عن بعض بني إسرائيل ككعب ووهب ونحوهما، والله أعلم.
نعيم، وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه (1).
وروى ابن أبي الدنيا في كتاب "الحزن" عن مكحول قال: أوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام أن اغسل قلبك، قال: يا رب بأي شيء؟ قال: اغسله بالغم والهم.
وفي رواية: بالهم والحزن (2).
وعن صالح أبي شعيب رحمه الله قال: أوحى الله تعالى إلى عيسى ابن مريم عليهما السلام: كحل عينيك بمملول الحزن إذا ضحك البطالون (3).
والمملول: من مل السهم أو القوس في النار: أدخله فيها.
أو من مل الخبز: أدخله في الملة - بفتح الميم - وهو الرماد الحار.
أي: أكحل عينيك بالحزن ولو كان حاراً كالميل المحمَّى بالنار أو بالملة.
وروى ابن أبي الدنيا - أيضًا - عن فتح الموصلي رحمه الله تعالى
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(6/ 335)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(54/ 200)، وكذا الطبراني في "المعجم الأوسط" (102). قال الحافظ في "التلخيص الحبير" (4/ 159): إسناده إلى يحيى واهي.
(2)
رواه ابن أبي الدنيا في "الهم والحزن"(ص: 84).
(3)
رواه ابن أبي الدنيا في "الهم والحزن"(ص: 84).