الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
تَنْبِيْهٌ:
روى سعيد بن منصور في "سننه"، والحاكم في "تاريخه"، وغيرهما عن أبي مسلم الخولاني رحمه الله مرسلاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ أَنْ أَجْمَعَ الْمَالَ وَأَكُوْنَ مِنَ التَّاجِرِيْنَ، وَلَكِنْ أُوْحِيَ إِلَيَّ أَنْ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّك وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِيْنَ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىْ يَأْتِيَكَ اليَقِيْنُ"(1).
وهذا ليس ذمًّا لمطلق التجارة حتى يكون هذا شغلاً مع أن هوداً وصالحاً وإبراهيم عليهم السلام كانوا تجارًا، وقد ثبتت التجارة ورعاية الغنم عن النبي صلى الله عليه وسلم قبل التبرؤ، ولم يَنْهَ التجار من أصحابه عن التجارة كابن عوف وغيره، رضي الله عنهم.
نعم إذا كانت التجارة للتكاثر ونحوه من الأغراض الفاسدة كانت مذمومة، وعليه يُحمل حديث أبي مسلم، ولذلك جمع بين التبرؤ منها وجمع المال.
ويؤيده رواية ابن مردويه، والديلمي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ أَنْ أَكُوْنَ تَاجِرًا، وَلَا أَجْمَعَ الْمَالَ تَكَاثُرًا، وَلَكِنْ أُوْحِيَ إِلَيَّ أَنْ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِيْنَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىْ يَأْتِيَكَ اليَقِيْنُ"(2).
وفي ذلك أن التجارة بالنية الصالحة، ومراعاة الشريعة فيها واجتناب المحظور خلق نبوي وكسب طيب.
(1) تقدم تخريجه.
(2)
رواه الديلمي في "مسند الفردوس"(6297) لكن عن أبي ذر رضي الله عنه.
وقد روى أبو نعيم عن وهب بن منبه رحمه الله تعالى قال: وقف سائل على باب داود عليه السلام فقال: يا أهل بيت النبوة، ويا معدن الرسالة! تصدقوا علينا بشيء رزقكم الله رزق التاجر المقيم في أهله، فقال داود: أعطوه فوالذي نفسي بيده إنها لفي الزبور (1).
قلت: يحتمل أنه أراد الدعاء لهم بأن يرزقهم الله رزق التاجر المقيم في أهله بأن يتعاطوا التجارة مع الإقامة والراحة فيربحون؛ وعليه: فإقرار داود عليه السلام لهذا الدعاء دليل على استحسان التجارة مع الإقامة بدون معاناة سفر ومُقاساة حل وترحال، كيف وقد أكد ذلك بأنه في الزبور مع الإقسام على ذلك.
ويحتمل أنه أراد الدعاء بحصول مطلق الرزق مع الراحة والإقامة كراحة التاجر المقيم في أهله وربحه، أو بحصوله شيئًا فشيئاً في كل يوم رزق جديد مع الراحة وعدم الكلفة وعدم تحمل للأسفار والضرب في البلاد، وهذا رفق عظيم.
ويروى لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: [من الرجز]
أَفْلَحَ مَنْ كانَ لَهُ قَوْصَرَّة
…
يَأْكُلُ مِنْها كُلَّ يَوْمٍ تَمْرة (2)
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(4/ 63).
(2)
انظر: "التاريخ الكبير" للبخاري (7/ 30)، وعنده:"مرة" بدل "تمرة".