الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال أبو أسامة: كنا عند شيخ يقري فبقي عنده غلام يقرأ عليه، وأردت القيام، فأخذ بيدي وقال: اصبر حتى يفرغ هذا الغلام، وكره أن يخلو هو والغلام. رواه ابن الجوزي في "ذم الهوى"(1).
32 - ومنها: صحبة الأحداث، والنظر إلى الجميل منهم
، وإلى ما لا يحل النظر إليه كالنظر إلى الأجنبية، وإن كانت كبيرة أو قبيحة.
وقد تقدم عن سفيان أن مع كل غلام شيطانين.
بل روى البيهقي في "الشعب" عن عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى قال: دخل سفيان الثوري رحمه الله تعالى الحمام، فدخل عليه غلام صبيح، فقال: أخرجوه؛ فإني أرى مع كل امرأة شيطاناً، ومع كل غلام بضعة عشر شيطانًا (2).
وروى ابن أبي الدنيا، والبيهقي عن الحسن بن ذكوان رحمه الله تعالى: أنه قال: لا تجالسوا أولاد الأغنياء؛ فإن لهم صورًا كصور النساء، وهم أشد فتنة من العذارى (3).
قلت: إنما خص أولاد الأغنياء لأنهم ببزتهم أقرب إلى لعب الشيطان بالناظر إليهم في أول وهلة، وقد كان أهل زمانه أبعد عن الفتنة من أهل هذه الأزمنة، وإلا ففي بعض أولاد الفقراء والرذال من
(1) رواه ابن الجوزي في "ذم الهوى"(ص: 113).
(2)
رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(5404).
(3)
رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(5397).
هو أجمل من كثير من أولاد الأغنياء، والحاجة تدعوهم إلى صحبة ذوي الثروة، وتدعو أولياءهم إلى الإغضاء عنهم، وقد أكثر الآن وقبله بزمان اختلاس الأجناد وذوي الغنى والجاه لأولاد الفقراء، والاستيلاء عليهم بالقوة أو بالاحتيال عليهم بالقرض والدين، أو بغير ذلك، بل يرون التوصل إليهم أيسر من التوصل إلى أولاد الأغنياء.
والحاصل أن صحبة المرد الحسان مطلقًا ينبغي أن تحذر -سواء كانوا من أشراف الناس أو من رذالهم، وسواء كانوا من فقراء الناس أو أغنيائهم، وسواء كانوا أحراراً أو أرقاء- وخصوصاً أهل التهمة.
وقد روى البيهقي عن عائشة رضي الله تعالى عنها: أول من اتهم بالأمر القبيح -يعني: عمل قوم لوط- اتهم به رجل على عهد عمر رضي الله عنه، فأمر عمر بعض شباب قريش ألا يجالسوه (1).
وفي هذا الحديث إشارة إلى الحذر من مجالسة الأمرد وخصوصاً المتهم -سواء فيه الرجل الملتحي والأسمر-، بل ينبغي أن يكون حذر الأمرد من الأمرد أشد؛ لأن صحبتهما تدعوهما إلى القبيح فاعلية ومفعولية، فيكونا شيطانين كلٌّ من وجهين.
وروى ابن أبي الدنيا، والبيهقي عن الوضين بن عطاء رحمه الله تعالى، عن بعض التابعين قال: كانوا يكرهون أن يحد الرجل النظر إلى الغلام الجميل (2).
(1) رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(5394).
(2)
رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(5395).
وعن بقية رحمه الله تعالى قال: قال بعض التابعين: ما أنا بأخوف على الشاب الناسك من سَبُع ضار من الغلام الأمرد يقعد إليه (1).
قلت: وكذلك لا يؤمن على الشيخ من الفتنة بالمرد، ولا شك في مضاعفة العذاب على الشيخ الزاني وهو على الشيخ اللوطي أشد، وهو بذلك أدخل في التشبه بالشيطان من حيث إن كلًّا منهم لوطي أتى عليه الدهر، وإذا كان الشيخ مأبونًا كان أشد تشبهاً بالشيطان؛ لأنه شيخ مأبون.
ولقد قلت: [من السريع]
يا أيها الشَّيْخُ الَّذِيْ لِيْطَ بِكْ
…
إِلَىْ مَتَىْ فَما تَرَىْ تُرْبَتَكْ
أَشْبَهْتُ شَيْطانَكَ فِيْ الْفِعْلِ بَلْ
…
ما أَشْبَهَ الشَّيْطانَ يا شَيْخُ بِكْ
وروى الطرطوشي في كتاب "تحريم الفواحش" عن شجاع بن نصر رحمه الله تعالى: أن سليمان بن داود عليهما السلام قال لعفريت من الجن: ويلك أين إبليس؟ فسعى العفريت بين يديه حتى هجم به على البحر، فإذا إبليس على بساط على الماء، فلما رأى سليمان عليه السلام ذعر منه وفَرَق، فقال: يا نبي الله! هل أمرت في شيء؟ قال: لا، ولكن جئت لأسألك عن أحب الأشياء إليك، وأبغضها إلى الله تعالى، فقال إبليس: أما والله لولا ممشاك ما أخبرتك، ليس شيء أبغض إلى الله من أن يأتي الرجل الرجل، والمرأة المرأة (2).
(1) رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(5396).
(2)
انظر: "آكام المرجان" للسيوطي (ص: 227).
وروى الحاكم وصححه، عن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "النَّظَرُ سَهْم مِنْ سِهَامِ إِبْلِيْسَ مَسْمُوْمَة، فَمَنْ تَرَكَهَا مِنْ خَوْفِ اللهِ تَعَالَى أَناَبَهُ اللهُ إِيْمَاناً يَجِدُ حَلاوَتَهُ فِيْ قَلْبِهِ"(1).
وفي "الصحيحين" عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوْسَ عَلَى الطُّرُقِ"، قَالُوْا: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَا لَنَا بُدُّ مِنْ مَجَالِسِنَا نتَحَدَّثُ فِيْهَا، قَالَ:"إِنْ أَبَيْتُمْ فَأَعْطُوْا الطَّرِيْقَ حَقَّهُ"، قَالُوْا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيْقِ يَا رَسُوْلَ الله؟ قَالَ: "غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَىْ، وَرَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوْفِ، وَالنَّهِيُ عَنِ الْمُنْكَرِ"(2).
وروى مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي عن جرير العجلي رضي الله تعالى عنه قال: سَأَلْتُ رسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجاءة، فأمَرَني أن أصرف بصري (3).
وروى أبو داود، والترمذي عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله تعالى عنه: "لا تُتْبعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ؛ فَإِنَّ لَكَ الأُوْلَى، وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَة"(4).
(1) رواه الحاكم في "المستدرك"(7875).
(2)
رواه البخاري (5875)، ومسلم (2121).
(3)
رواه مسلم (2159)، وأبو داود (2148)، والترمذي (2776)، والنسائي (9233).
(4)
رواه أبو داود (2149)، والترمذي (2777) وحسنه.