الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصدَقَ رحمه الله؛ فإن كل شبهة من شبهات إبليس فإنها مشابهة لشبهة فرقة من الفرق الهالكة، وكيف لا وهو الذي استزلهم حتى وقعوا في الشبهة والبدعة، فهو إمامهم في ذلك كله، وسابقهم إليه وباعثهم عليه؟
وفي "الحلية" لأبي نعيم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما موقوفاً قال: إن إبليس موثق بالأرض السفلى، فإذا تحرك كان كل شر على الأرض بين اثنين فصاعداً من تحركه (1).
فبان بذلك أن كل خصلة قبيحة وخلق سيئ ناشئ عن الشَّيطان، وكل من تلبس بشيء من ذلك فهو متشبه بالشيطان، غير أنا أردنا أن نذكر هنا جملة مما ورد النص بالنهي عن التشبه به فيه، أو بنسبته إليه من الأخلاق والأعمال تنفيراً منها، وإرشاداً إلى التنزه عنها.
1 - فمنها: الكفر بكل أنواعه:
قال الله تعالى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} [البقرة: 102].
وقال تعالى: {إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 34].
قال العلماء: كفر إبليس إنما كان من حيث نسبة الله تعالى إلى الظلم، واستقباح ما أمره به من السجود لآدم، كما قال:{أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} [الإسراء: 61].
وهل كان كفر اللعين عناداً، أو جهلاً؟
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 189).
قولان، ولا خلاف أنه كان قبل السجود من العلماء.
فمن قال بالأول يقول: كفر وعلمه معه عناداً، وهو أبلغ في الإثم.
ومن قال بالثاني قال: سلبه الله تعالى العلم عند الإباء والاستكبار، وهو أبلغ في النكال والمكر، نسأل الله العافية.
ومن أشنع ما وقع من كفر إبليس دعواه الألوهية.
قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 29].
قوله {مِنْهُمْ} ؛ أي: من الملائكة.
وقوله {مِنْ دُونِهِ} ؛ أي من دون الله.
قال قتادة رحمه الله تعالى في الآية: إنما كانت هذه خاصة لإبليس.
رواه عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم (1).
وقال الضَّحَّاك رحمه الله تعالى: ولم يقل ذلك من الملائكة أحد إلا إبليس؛ دعا إلى عبادة نفسه، وشرع الكفر. رواه ابن أبي حاتم (2).
وقوله: "شرع الكفر"؛ أي: ابتدأه، وسَنَّهُ، وفتح طريقه، فعليه إثم نفسه وإثم كفر كل كافر من غير أن ينقص من آثامهم شيء.
(1) رواه عبد الرزاق في "التفسير"(3/ 23)، وكذا الطبري في "التفسير"(17/ 17).
(2)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (5/ 625).